لبنان: حملة لـ«عزل» مفتي الجمهورية تلقى دعم رؤساء الحكومات باستثناء الحص

قباني: باق حتى نهاية ولايتي و«لو كره الكارهون»

TT

تتجه أزمة دار الفتوى اللبنانية إلى مزيد من التعقيد، بعد «معركة» المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى التي نتج عنها «مجلسان»، أحدهما مدد لنفسه نهاية العام الفائت من دون العودة إلى مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني، والثاني انتخب قبل 3 أشهر بإيعاز من قباني، في ظل مقاطعة واسعة. وجديد الملف حملة تقوم بها الهيئة الناخبة، يقودها رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، وترمي لـ«عزل» المفتي قباني، قوامها عريضة موقعة من أكثر من 82 عضوا من أصل 104، يشكلون أعضاء الهيئة الناخبة التي تضم إضافة إلى رؤساء الحكومات السابقين والحاليين، قضاة شرع ووزراء ونواب الطائفة وأمناء الفتوى والمدير العام للأوقاف الإسلامية.

ولاقت العريضة المطالبة بعزل المفتي موافقة كل من رؤساء الحكومات السابقين عمر كرامي ونجيب ميقاتي وسعد الحريري، إضافة إلى الرئيس المكلف تمام سلام، فيما لم يوقعها بعد رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص. ووقع على العريضة 25 نائبا من أصل 28، و80 في المائة من القضاة الذين يعتبر قباني رئيسهم، وفق ما أكدته مصادر في المجلس الشرعي الممدّد لنفسه لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن العريضة «ليست إجراء ملزما إنما هي رسالة للمفتي علّه يتبصر ويتخذ القرار المناسب نحو الاستقالة، قبل اتخاذ خطوات قانونية أخرى».

وفيما أبدت المصادر ذاتها اعتقادها أن «المفتي لن يتجاوب مع هذه الرسالة إنما سيواجه التحدي بتحد أكبر لكن بدوره»، أكد المفتي قباني بقاءه في منصبه حتى آخر لحظة من ولايته «ولو كره الكارهون»، معتبرا أن «محاولات زج رئاسة الحكومة من قبل البعض ضد دار الإفتاء محاولات بائسة مردودة على أصحابها».

وترتكز عناصر الاتهام التي تنطلق عريضة «عزل المفتي» منها، بحسب ما أبلغته مصادر مطلعة على مضمونها لـ«الشرق الأوسط»، على 4 بنود أساسية، هي «تعطيل مؤسسات دار الفتوى وشل عملها، وثبوت اختلاس المفتي قباني شخصيا أكثر من مليوني دولار، مدعومة بوثائق وإثباتات، وإمعان المفتي في الخروج عن الدولة والمؤسسات من خلال تحديه للسلطة القضائية وقراراتها وأحكامها، إضافة إلى تغطية قباني لمخالفات نجله راغب، وكلها أمور مدعومة بوثائق ومستندات»، وفق ما أكدته المصادر.

من الناحية القانونية، لفت المحامي وعضو المجلس الشرعي (الممدد لنفسه)، محمد مراد، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «مسألة إعفاء المفتي من منصبه دقيقة وتحتاج إلى خطوتين أساسيتين، أولا أن يقوم المفتي بأعمال تشكل خطرا على الطائفة والمؤسسة، وأن يقدّر الأمر مجلس الانتخاب أي الهيئة العامة التي تنتخبه، ونظرا إلى دقة هذا القرار فهو يحتاج إلى موافقة 75 في المائة من الأصوات». وقال إن «الوصول إلى هذه النتيجة يحتاج إلى جلسة يعقدها المجلس الشرعي تكون مخصصة فقط لإعفائه من منصبه، وإذا وجد المجلس الشرعي بأكثرية أصوات أعضائه أن الأسباب كافية لإعفائه يقرر عندها دعوة مجلس الانتخاب للانعقاد من أجل أن يقدر ما إذا كانت هذه الأسباب محقة»، علما بأن أعضاء مجلس الانتخاب الذين يبلغ عددهم 104 شخصيات، هم من رؤساء الحكومات السابقين والوزراء والنواب السنة وقضاة الشرع والمفتين، وإذا توافق 75 في المائة من هؤلاء، أي 78 عضوا، على هذا القرار، فيجب عندها تنفيذه بالطرق القانونية، وفق مراد الذي يؤكد أن «المجلس الشرعي لم يتخذ قراره بشأن الدعوة إلى جلسة قريبة أم لا».

وتضع مصادر من المجلس الشرعي الممدد لنفسه اتهام مقربين من المفتي تيار المستقبل بوقوفه وراء حملة العزل «في خانة الافتراءات». وتسأل المصادر «إذا كان اتهامهم صحيحا، كيف يمكن الجمع سياسيا بين الرئيسين كرامي وميقاتي مع تيار المستقبل، كذلك كيف يمكن لمعظم قضاة الشرع الذي يطبقون الشريعة الإسلامية أن يجمعوا ويتوافقوا على هذه المخالفات التي قام بها المفتي وأدت إلى المطالبة بعزله؟».

في المقابل، يرفض المفتي قباني الاستقالة متمسكا بمنصبه إلى حين انتهاء ولايته، وهذا ما أعلنه أمس، خلال ترؤسه اجتماعا للمجلس الشرعي المنتخب. واتهم في بيان صادر عن المجتمعين «جهات سياسية تسعى لتحقيق أهداف فئوية ضيقة، والإضرار بالمصالح الإسلامية العليا، وإيقاع الفتنة داخل الطائفة»، مؤكدا «بقاء قباني في منصبه حتى آخر لحظة من ولايته ولو كره الكارهون». واعتبر أن «محاولات زج رئاسة الحكومة من قبل البعض ضد دار الإفتاء هي محاولات بائسة مردودة على أصحابها».

ووضع المجتمعون «ما يتعرض له مقام مفتي الجمهورية في سياق الاستهداف الذي يخفت حينا ويعلو حينا آخر، لا سيما عندما تلحق مواقف مفتي الجمهورية الضرر بأصحاب المصالح السياسية في الذود والدفاع عن استقلال المؤسسة الدينية عن البازارات السياسية المحلية»، مشيرا إلى أنه «لا وصاية على المؤسسات المنبثقة من المرسوم الاشتراعي رقم 18 - 1955 من أي جهة كانت بالمطلق، رسمية أو خاصة، سوى حسن تطبيق مواد المرسوم الاشتراعي في احترام المهل القانونية لقيام التداول في تبوؤ مسؤولية المؤسسات».

وأهاب البيان «بالرأي العام الإسلامي واللبناني أن يتنبه لما تبثه وسائل الإعلام حول سعي البعض للمس بمقام مفتي الجمهورية اللبنانية وشخصه، بما يشكل سابقة غير مسبوقة في تاريخ المسلمين، حتى في عهد الاستعمار الفرنسي»، واضعا إياه في «خانة التعدي على مقام مفتي الجمهورية ومصادرة لحرية المسلمين في إدارة شؤونهم الدينية والوقفية». وأكد المجلس الشرعي أنه «يحتفظ بحقه في ملاحقة منتحلي الصفة والمزورين»، ويؤكد أن «مفتي الجمهورية باق في منصبه وفق منطوق مواد المرسوم الاشتراعي حتى آخر دقيقة لولايته».