محللون: مصر تجتاز مرحلة انتظار «الرؤى الغربية» لإدارة شؤونها الداخلية

مناشدات بالإفراج عن مرسي.. وتمهل دولي في الحكم على «30 يونيو»

TT

بعد نحو أسبوعين من إعلان مصر عن عزل رئيسها الإسلامي السابق محمد مرسي، واتخاذ إجراءات من شأنها المضي قدما للتحول الديمقراطي، ما زالت ردود الفعل الدولية حول أحداث 30 يونيو (حزيران) وما تبعها تتوالى بين صعود وهبوط في حدتها. لكن مراقبين ومحللين سياسيين مصريين ودوليين، يرون أن مصر حاليا تجاوزت مرحلة سابقة من استطلاع رأي العواصم الغربية قبيل اتخاذ قراراتها الهامة الداخلية، أو حتى انتظار ردود الأفعال لتعديل سياساتها، مدفوعة في ذلك بإرادة شعبية هائلة تدعم خطوات التغيير؛ مما كان له أثر بالغ في تحول غالبية ردود الفعل الدولية إلى مزيد من الهدوء والتروي.

ويقول المفكر السياسي الدكتور مصطفى الفقي لـ«الشرق الأوسط»: «إن مصر بالفعل تجاوزت مرحلة انتظار الرؤية الغربية لإدارة شؤونها الداخلية، وأنه للمرة الأولى في تاريخ الدولة الحديث تمكن المصريون من أن يقفوا ضد الإرادة الخارجية ويملوا إرادتهم الوطنية على العالم بالشكل الذي يريدونه، وأن يقرروا بأنفسهم - وبنموذج جديد - تغيير النظام على النحو الذي يتواكب مع الأغلبية بغض النظر عما جرى في صندوق الانتخابات».

إلا أن الباحث في معهد تشاثهام هاوس في لندن نديم شحادة قال إن الأمور في مصر حاليا «مركبة» للغاية، وإن النظر إلى الموقف بشكل عام قد يظهر أن هناك أكثر من جانب لرؤية الغرب للأحداث.. موضحا أن طبيعة الأمور - من الناحية السياسية والدبلوماسية - تستوجب مزيدا من الحرص والتروي لإعطاء رأي نهائي فيما حدث.

وبدا أخيرا أن الموقف الغربي بدأ يلين في نظرته إلى الأحداث المصرية.. حيث نأت عدد من العواصم الغربية عن مزيد من التعليق على الوضع المصري، واعتبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري أول من أمس في مؤتمر صحافي في عمان، أنه ما زال من المبكر جدا معرفة اتجاه الأمور في مصر بعد عزل مرسي وتشكيل حكومة انتقالية. وقال: «من الواضح أن الوضع بالغ التعقيد والصعوبة. يجب أن نأخذ الوقت اللازم، بسبب تعقد الموقف حتى نقيم ما حدث وندرس كل الظروف وفقا لما ينص عليه القانون، ونجعل ذلك منسجما مع أهدافنا السياسية»، مشير إلى أن الوضع السائد في مصر قبل عزل مرسي «كان وضعا غير عادي، حياة وموت، مع احتمال حرب أهلية وعنف مهول»، ومضيفا «لدينا عملية دستورية تتقدم بسرعة كبيرة».

وعلق الفقي على الموقف الغربي العام بقوله إن «الغرب عودنا دائما على وضع العراقيل في سبيل الدول التي تحاول أن تختار طريقا معينا، ومصر كانت مستهدفة تاريخيا ومرت بضغوط كثيرة.. وجاء الوقت للمصريين أن يقرروا إرادتهم بأنفسهم».

أما الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر لم تكن يوما تنتظر الرؤية الغربية لإدارة شؤونها الداخلية، لكن الأصح هو أن الإدارات السابقة أعطت وزنا كبيرا للعامل الخارجي واعتبرته أحد ضمانات استمرار بقائها»، متابعا أن «مصر منذ (25 يناير) في حالة ثورة حقيقية والشعب في حالة بحث عن نظام يعبر عنه وعن طموحاته وآماله.. مما يخلق حركة ديناميكية حقيقية يصعب السيطرة عليها وعلى تفاعلاتها، لكن الشعب لم يعد يقبل أن يرسم مستقبله بواسطة أي دولة خارجية».

وبالتوازي مع ذلك، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أمس أن الإدارة المصرية الجديدة، ومن وصفتهم بـ«الحلفاء المدنيين للقوات المسلحة» لم يعد لديهم الميل - بحسب الصحيفة - للانصياع لرغبات واشنطن. مشيرة إلى أن حركة تمرد، التي تولت تنظيم مظاهرات 30 يونيو رفضت لقاء نائب وزير الخارجية الأميركية وليام بيرنز في زيارته للقاهرة الأسبوع الماضي.

وقالت الصحيفة إن انهيار هيبة الولايات المتحدة في القاهرة هو في جزء منه نتيجة لتنامي نزعة الكراهية للأجانب التي تغذيها كافة الأحزاب المصرية.. لكنها أيضا تعكس الأخطاء المستمرة من جانب إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي تقاعست مرارا على مدى عامين عن الإعراب بوضوح عن رفضها لانتهاكات حقوق الإنسان أو استخدام أداتها المتمثلة في سلاح المساعدات الأميركية. مشيرة في نهاية تقريرها إلى أن «موقف الجنرالات» (القادة العسكريون) في مصر يعد منطقيا، خاتمة بسؤال استنكاري ساخر «إذن لماذا ينصاعون لنصيحة واشنطن إذا كان رفضها لن يؤدي إلى وقف تدفق الأسلحة الأميركية؟».

من جهة أخرى، وبينما يرى نافعة أن الموقف العربي غير مرتبط حتما بالموقف الغربي نظرا لوجود تيارين، الأول يدعم المضي قدما في مصر والآخر يعارضه.. يقول الفقي إن الدعم العربي هو عنصر هام للغاية كونه يعزز الإحساس بالوطنية والقومية ويعطي نوعا من التفاؤل والثقة داخليا، إضافة إلى أن الغرب فوجئ برد الفعل العربي - وخاصة الخليجي - المرحب في أغلبه بتطور الأحداث في مصر؛ بما يوحي للغرب عموما أن هناك دعما سياسيا قويا لتلك التحولات والقرار المصري المستقل.

ويرى نافعة أن الموقف الغربي من حيث المطالبة بالإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي والشفافية في التعامل معه مبرر ومتوقع، كونها أحد عناصر الديمقراطية.. قائلا إن الطبيعي هو إما الإفراج عنه أو تقديمه إلى محاكمة عادلة وتوجيه اتهامات واضحة ضده؛ كمواطن طبيعي ولا يجب أن نضع الأمر في خانة أنه انحياز بصورة خاصة لجماعة الإخوان المسلمين.

وكانت الممثلة العليا كاثرين آشتون أوضحت في بيان وخلال لقائها مع صحافيين في ختام زيارتها للقاهرة، التقت خلالها بالقادة الجدد في مصر وممثلين عن حركة تمرد وجماعة الإخوان المسلمين، أنها طالبت بوضوح في جميع الاجتماعات والتصريحات بأنه «ينبغي أن يفرج عن السيد مرسي وجميع السجناء السياسيين مع التمييز بين الأشخاص المتهمين في اتهامات أخرى، وبين أولئك المحتجزين. ولقد تم التأكيد لي أن مرسي بصحة جيدة وكنت أود أن أراه وقد أكدوا لي أنهم يعتنون به بشكل جيد».

كما قالت منظمة العفو الدولية، إنه يجب على السلطات المصرية احترام الحق في المحاكمة العادلة بالنسبة لأولئك الذين اعتقلوا ويواجهون اتهامات بالتحريض على العنف أو المشاركة فيه في الأسبوعين الماضيين. وطالبت المنظمة على موقعها الإلكتروني بسرعة التحقيق في مزاعم سوء المعاملة.

وأشار بيان الاتحاد الأوروبي إلى دعمه لمصر وتطلعه لمضيها قدما في مستقبلها الديمقراطي في أقرب وقت.. وهو موقف انتقده حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، والذي قال في بيان إن وفدا ممثلا للقوى الإسلامية التقى آشتون «وأبدى استغرابه واستنكاره للموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي الذي لم يدن حتى الآن الانقلاب العسكري الذي صادر حق الشعب في اختيار رئيسه وبرلمانه ودستوره»، في إشارة إلى الإطاحة بمرسي. لكن الجماعة أشارت أمس إلى أنها اقترحت من خلال وسيط من الاتحاد الأوروبي إطار عمل لمحادثات ترمي لحل الأزمة السياسية في مصر. وقال جهاد الحداد المتحدث باسم الإخوان المسلمين، إن الاقتراح طُرح على المبعوث الأوروبي برناردينو ليون قبل الزيارة الأخيرة التي قامت بها آشتون.