معتصمو التيار الإسلامي في مصر بين «المواجهة واليأس» بموازاة تصعيد الإخوان ضد الحكام الجدد

غالبيتهم تتركز في منطقة «رابعة العدوية».. ومخاوف من تجدد الاشتباكات بالعاصمة

مؤيدو الرئيس السابق محمد مرسي يؤدون صلاة التراويح في ميدان رابعة العدوية شرق القاهرة (إ.ب.أ) .. وفي محيط جامعة القاهرة بمحافظة الجيزة (أ.ب)
TT

«فوجئت بأن أهل ضاحية المنيل يجمعون أموالا لشراء أسلحة للدفاع عن أنفسهم بعد هجمات لأنصار الرئيس السابق. المهاجمون لم يسألوا هل أنت يميني أم يساري، ولكنهم فتحوا النار على المواطنين.. هذا يعبر عن وصولهم إلى مرحلة إحباط ويأس كونت لديهم غضبا شديدا يجعلهم يفعلون أي شيء». هكذا يقول الدكتور محمد رضا حجاج، أستاذ التخطيط البيئي والبنية الأساسية بكلية التخطيط العمراني في جامعة القاهرة، الذي يقع منزله في شارع عبد العزيز آل سعود، بضاحية المنيل الراقية غرب العاصمة المصرية. وقتل في هذه الضاحية 5 أشخاص، حيث تتهم الشرطة، في هذا الحادث المثير لذعر المنطقة، من يعتقد أن لهم علاقة بجماعة الإخوان التي ينتمي إليها الرئيس المعزول محمد مرسي.

ويدور صراع تستخدم فيه الأسلحة والزجاجات الحارقة والعصي والحجارة عبر شوارع القاهرة التي تنتشر فيها مدرعات الجيش، وذلك بين مؤيدي مرسي والمناوئين لفترة حكمه التي استمرت سنة. وأمام ترقب العالم لما يجري على الأرض، يدلل كل طرف على شعبيته بالحشود المبالغ في عددها والتي تظهر في الميادين عبر شاشات التلفزيون.

ويشير أحمد عبد البصير (21 عاما)، طالب في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، إلى مجموعات موالية للرئيس السابق قائلا: «هؤلاء لا قيمة لهم.. إنهم بضعة آلاف، وحتى لو كانوا مليونا أو مليونين، لن نسمح لهم بالعودة مرة أخرى لإدارة الدولة».

وفي المقابل يرتفع صوت نصر محمد نصر (19 عاما)، وهو طالب في جامعة عين شمس، من الجانب الآخر حيث يوجد أنصار مرسي: «نحن الأكثر عددا.. الشعب معنا، وسنحرر رئيسنا ليعود للحكم»، ويضيف في لهجة حادة غاضبة: «نحن مع الشرعية.. الله معنا والشعب معنا. سننتصر على الانقلاب ونحرر الرئيس من الأسر».

هذا الجدل يدور منذرا بسفك مزيد من الدماء على ضفاف نيل القاهرة.. ترتفع وتيرته يوما بعد يوم بتشجيع من زعماء الطرفين، الإسلاميين المنكسرين وخصومهم المنتصرين، بينما يحاول موفدون غربيون، من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تجنيب البلاد الانزلاق إلى مستنقع الانتقام والاقتتال.

ومن «ميدان رمسيس» بوسط القاهرة كان نحو ثلاثين رجلا مسلحين بالعصي والسيوف ينزلون من حافلة، لبدء جولة جديدة من المواجهات القاتلة. أضواء الليل خافتة، ومن الشوارع الجانبية كانت هناك حافلات أخرى مماثلة قادمة من أرياف ومحافظات زراعية بعيدة عن القاهرة. وفوق كوبري «السادس من أكتوبر» الحيوي - الذي يمر فوق الميدان - توقفت شاحنة مع آذان عشاء يوم الاثنين الماضي، وبدأت في رص قوالب من الحجارة لغلق الكوبري. ارتفع صوت صلاة التراويح من مسجد الفتح في شارع رمسيس. وبعد نحو ساعتين كانت الحرائق وطلقات الرصاص والدماء وصرخات الجرحى. في الخلفية كانت فنادق الـ«خمس نجوم» القريبة شبه خاوية ومظلمة، بينما حلقت مروحيات عسكرية فوق سحب غازات مسيلة للدموع أطلقها منذ قليل جنود الشرطة.

يقول حسين آدم، وهو موظف (29 عاما)، إنه من مؤيدي مرسي، وجاء من بلدته «فاقوس» التابعة لمحافظة الشرقية في شمال البلاد. وأضاف، بينما يحاول عدد من المواطنين إسعافه من جروح في رأسه، خلف المسجد: «أول مرة أنزل القاهرة. جئت مع زملاء لي لنطالب بعودة الرئيس، تناولنا طعام الإفطار وصلينا المغرب وخرجنا للميدان وبدأنا نهتف: (يسقط يسقط حكم العسكر)، لكن الشرطة حرضت البلطجية لضربنا، ثم فتحت علينا غاز الدموع. جريت وأصبت بحجر وسقطت هنا».

مثله مثل الآلاف من سكان المحافظات البعيدة، وصل آدم إلى هنا، في حافلة مستأجرة بواسطة أحد قياديي جماعة الرئيس الذي جرى عزله في بيان تلاه قائد الجيش مطلع هذا الشهر. وتاه آدم في الشوارع الجانبية حين بدأت الاشتباكات. وتحول إلى طريد لا يعرف له وجهة، ومن خلفه شبان غاضبون يرفضون أي تأييد لجماعة الإخوان.

يقول شهود عيان إن مجهولين طاردوا مجموعات من الإخوان بالأسلحة حين ضلوا طريقهم في مناطق شعبية وطرقات ضيقة محيطة بمنطقة رمسيس، وإن هذه المشاهد تكررت أيضا قرب «ميدان الجيزة» و«دوران شبرا» وغيرهما.

ومنذ أواخر شهر يونيو (حزيران) الماضي، يعتصم عدة آلاف من أنصار مرسي في منطقتين بالقاهرة، الأولى هي منطقة «رابعة العدوية» التي يقع فيها مسجد كبير يحمل الاسم نفسه، والثانية «ميدان المسلة» القريب من ميدان «نهضة مصر»، أمام جامعة القاهرة. كل يوم أو يومين، أي بعد أن يدب اليأس في قلوب هؤلاء الشبان الغاضبين، تنطلق مجموعات منهم في غزوات قصيرة لقطع بعض الطرق أو محاولة حصار بعض المؤسسات التابعة للجيش والحكومة. ينتمي غالبية هؤلاء إلى الإخوان وإلى إسلاميين متشددين وجهاديين. وأثناء الصلاة والدعاء ينخرط بعضهم في البكاء حزنا على سقوط أول تجربة لحكم الإسلاميين في كبرى الدول العربية سكانا.

وبدت حالة آدم مزرية. تمزق ثوبه الأبيض من جانب وتخضبت ياقته وصدره بالدم. وضع له سكان شارع الجمهورية، من ناحية ميدان رمسيس، ضمادات على رأسه. وبكى وبدا من حديثه بعد ذلك أن طرد مرسي من السلطة «خيانة، وإهانة للإسلام، وهزيمة في معركة غير شريفة». وابتعد صدى إطلاق الخرطوش بينما كانت الحجارة ترتطم ويتردد صوت تهشم الزجاج في الناحية الأخرى.

وتدور الحياة بشكل طبيعي في القاهرة إلى أن يعترضها اشتباك من مثل هذه المعارك. والعاصمة ضخمة.. يعيش فيها نحو عشرين مليون نسمة، وقادرة على ما يبدو، إلى الآن، على ابتلاع مثل هذه الحوادث. ويبلغ عدد سكان مصر نحو 85 مليونا، بينهم من 10 في المائة إلى 15 في المائة مسيحيون. والطابع العام للمسلمين في هذا البلد من الوسطيين.

وطوال 12 شهرا من حكمه صدمت سياسات مرسي، وخطاب إسلاميين متشددين مناصرين له، غالبية السكان. ويقول الخبراء إن ما بين 18 إلى 35 مليون مصري خرجوا في شوارع القاهرة والمحافظات منذ أواخر الشهر الماضي مطالبين بانتخابات رئاسية مبكرة، وإسقاط حكم مرسي والإخوان، وهو ما حدث يوم 3 من هذا الشهر.

لكن قادة الجماعة، المطلوب أغلبهم للعدالة في الوقت الحالي، يقولون إن الرئيس لم يحصل على فرصته في مدة الرئاسة التي كان يفترض أن تمتد لأربع سنوات، ويلمحون إلى تضييق وتحريض ضده منذ البداية مما يسمونه «الدولة العميقة»، نتج عن ذلك تدهور اقتصادي وتهاوٍ للخدمات، ويشككون أيضا في صحة أرقام المتظاهرين الذين خرجوا ضد مرسي، ويقولون إن اعتصام الموالين لهم في القاهرة والمحافظات يفوق المناوئين لعودة مرسي والإخوان للحكم. ويردد أنصار الإخوان في الشوارع والميادين هذه المزاعم، ويدافعون عنها بضراوة تصل إلى درجة إلقاء أنفسهم في التهلكة، كما فعل آدم.

وتقدر قيادات الجماعة معتصمي «رابعة العدوية» بأرقام يقولون إنها تصل أحيانا إلى أربعة ملايين، ومعتصمي ميدان المسلة (نهضة مصر) إلى نحو مليونين. وتوعدوا بتنفيذ خطة لشل القاهرة من خلال قطع الطرق والميادين، لكن هذه الخطة التي جرى تنفيذها من ليل الاثنين إلى فجر الثلاثاء منيت بهزيمة هي الأخرى، بعد أن عرقلت الشرطة سير بعض المسيرات الإسلامية، أعقبها مشاركة ألوف من الأهالي في مطاردة أنصار الرئيس الإخواني في عدة شوارع، ما أدى إلى سقوط 7 قتلى ومئات الجرحى، من بينهم آدم. ومع ذلك تستعد الجماعة لجلب مزيد من أنصارها من الأرياف لتسيير مظاهرات أخرى مماثلة، دون أن يلوح في الأفق أمل في قدرة حشود الإسلاميين على تغيير الواقع الجديد في مصر.

المشكلة الآن تتركز في استمرار اعتصام أنصار الرئيس السابق في منطقة رابعة العدوية، الذين يقول قادتهم من فوق المنصة إنهم لن يتركوا هذا المكان إلا بعد تحرير «ولي أمرنا، الرئيس مرسي، من الأسر». وأمام المنصة وما حولها يفترش عدة ألوف الشوارع والأرصفة.. بعضهم أقام خياما مصنوعة من بياضات الأسرة والبطاطين ومزينة بصور مرسي وبأعلام الدولة والإخوان.. يطبخون وينامون في أفنية المدارس ويأكلون ويقضون حاجتهم بين الأسوار الغارقة في كتابات مؤيدة للرئيس «الأسير»، ويتدربون على القتال بالعصي والقضبان الحديدية، بينما يحتل البعض الآخر مداخل العمارات السكنية المجاورة، ومسجد رابعة العدوية نفسه الذي يختبئ فيه عدد من قيادات الجماعة المطلوبين بتهم منها التحريض على العنف.

تستغرق الجولة وسط جماعات المعتصمين هنا نحو ساعة. تجد من حولك حلاقين وباعة خضراوات وفاكهة ومكسرات وتمر وملابس وسجاجيد صلاة. توجد خيمة لذبح العجول وفناء مجاور يغص بقدور الطبخ. تلتقي أيضا بمظلة كبيرة تحتها مقاعد بلاستيكية وفوقها لافتة «مجلس الشورى».. يجلس تحتها عدد من النواب الإسلاميين بالمجلس التشريعي الذي تقرر حله مع عزل مرسي. عقد هؤلاء النواب جلسة في قاعة ملحقة بمسجد «رابعة العدوية» رافضين الاعتراف بما آل إليه مصيرهم.

من فوق المنصة يتناوب قادة للإخوان والتيار الإسلامي إلقاء خطب تدعو لشل العاصمة والاستعداد للموت دفاعا عن «الشرعية».. تنشر ظاهرة حمل الأكفان. وبجوار الرواق ترتدي سيدات وأطفال ملابس بيضاء مكتوبا عليها باللون الأحمر «مشروع شهيد».

يقول باسل عادل، النائب الليبرالي في البرلمان المنحل عن منطقة شرق القاهرة التي يوجد بها اعتصام «رابعة العدوية»: «العدد هنا ليس بالملايين كما يردد الإخوان، لكن أحيانا يصل العدد إلى عشرات الألوف، وفي صلاة التراويح، في بعض الأيام، يمكن أن يصل إلى 100 ألف أو أكثر. المشكلة لا تكمن هنا، ولكنها تكمن في خطورة وقوع صدام بين سكان المنقطة وهؤلاء المعتصمين».

ويضيف قائلا: «معتصمو رابعة العدوية جماعة سياسية لا تعبر عن جميع فئات الشعب، بدليل طابعها الواحد وألفاظها الواحدة وخطابها الواحد.. هذه جماعة سياسية لديها مصلحة في مواجهة كل الشعب». ويقول النائب عادل عن المدة التي يمكن أن يظل فيها اعتصام الإسلاميين قائما في رابعة العدوية: «أعتقد أنه سيستغرق بعض الوقت، وأرى أنه مرشح للصدام مع أهالي مدينة نصر في محيط الاعتصام.. بدأت شكوى السكان منهم وقدموا شكاوى للشرطة والنيابة ضد استمرارهم هنا». وتقدم حسين عبد الله (45 عاما)، وهو موظف في شركة خاصة وتطل شقته على اعتصام رابعة العدوية، بشكوى للنيابة من انتهاك خصوصيته من جانب المعتصمين. وتعرضت ابنته لمضايقات أثناء خروجها وعودتها للمنزل. ويقول: «أعيش في رعب. انتشرت القاذورات حتى ملأت رائحتها الأجواء.. هذا أمر مخيف. اختفت المساحات الخضراء. الأمراض تنتشر هنا، كل السكان بدأوا يشتكون مثلي. ميكروفونات صاخبة لا تتوقف. غرباء يطرقون باب بيتي ويصعدون إلى سطح العمارة».

ويقول قادة التيار الإسلامي إن من حقهم الاعتصام في منطقة رابعة العدوية مثلما يعتصم مناوئو مرسي في ميدان التحرير، دون أن ينتقدهم أحد، لكن باسل عادل يرد قائلا إن وضع ميدان التحرير مختلف لأنه منطقة إدارية وعدد السكان فيه ليس كبيرا، بالإضافة إلى أن «رمزيته مفهومة، وهو منطقة سياحية وإدارية، وله أكثر من مدخل ومخرج. بينما المناطق المحيطة برابعة العدوية مغلقة ومعظم العمارات المجاورة لها ذات شارع واحد».

ويشير إلى أن كل النقاط التي حدث فيها تماس بين المعتصمين والسكان اقترنت بمشكلات كبيرة، مثل منطقة بين السرايات القريبة من ميدان النهضة التي شهدت اشتباكات بالأسلحة بين المعتصمين والسكان وسقط فيها قتلى ومصابون. ويزيد عادل قائلا إن منطقة «رابعة العدوية» مرشحة لمثل هذا الخطر الشديد من المواجهة، مشيرا إلى أن اتجاه السلطات على ما يبدو ترك الاعتصام على ما هو عليه ما دام احتفظ بالسلمية إلى أن ينفض في هدوء أو باتفاق مع الدولة أو غيره.

ويقول الدكتور حجاج، بصفته أستاذا للتخطيط البيئي والبنية الأساسية، إن العدد الفعلي لمعتصمي «رابعة العدوية»، يمكن تقديره بناء على حدين.. الحد الأول هو إجمالي مساحة المنطقة هناك.. «ولو افترضنا أن الحد الأقصى للمتر المربع هو وقوف 4 أفراد فيه، فإن أكبر عدد للمتظاهرين نحو 80 ألفا». أما الحد الثاني فيعتمد على إحصاء العدد بناء على زوايا التصوير التي تبث عبر القنوات الفضائية. ووفقا لهذا النوع من التقدير فإن العدد هناك في حدود 20 ألفا.

منطقة «رابعة العدوية» عبارة عن تقاطع كبير لشارعين رئيسيين هما شارع «طريق النصر» وشارع «الطيران». يقع على مشارف هذا التقاطع المسجد الذي يحمل الاسم نفسه ويطل على ساحة تبلغ مساحتها نحو 7 آلاف متر مربع، أي أنها تتسع لنحو 28 ألف شخص. وترتفع أمامه منصة كبيرة يقف عليها زعماء للإخوان يبثون الحماس ويحثون المعتصمين على البقاء والانتظار لـ«يوم الحسم» المقصود به «تحرير مرسي من مكان احتجازه»، الذي يعتقد أنه في دار الحرس الجمهوري على مقربة من مقر هذا الاعتصام.

وكان والد الدكتور حجاج، لفترة من الزمن، قياديا في جماعة الإخوان، كما أن منزله جاور لوقت طويل المقرات القديمة للجماعة في ضاحية المنيل، قبل أن تنتقل تلك المقرات إلى ضاحية المقطم وضواحي أخرى أكثر رفاهية. يحتفظ حجاج، حتى الآن، بعلاقات طيبة مع أطراف مختلفة من الإخوان والتيار الإسلامي مثل حزب العمل الجديد، وغيره، لكنه يصر على الاستمرار كشخصية أكاديمية مستقلة في بلد يضربه الاستقطاب السياسي، ومع ذلك يتوقع مصيرا غامضا للإخوان بسبب تصرفات عدد من القيادات الكبيرة في الفترة الأخيرة.

رغم وجود رئيس جديد مؤقت للبلاد، هو رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورغم تشكيل حكومة، ورغم الدعوة للمصالحة الوطنية، فإن الجماعة التي تأسست شرق القاهرة عام 1928، وفشلت في أول تجربة في السلطة هذا العام، تبدو متشددة في تعاملها مع المتغيرات الجارية ولا ترضى بغير عودتها للحكم بديلا.

ويعتبر أنصار مرسي اعتصام «رابعة العدوية» و«نهضة مصر» وغيرها جزءا من ثورة إسلامية ضد الحكام الجدد «الذين يحاربون المشروع الإسلامي». وقال صلاح سلطان، الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، من فوق منصة رابعة العدوية: «نحن أمام حرب حقيقية على الإسلام»، وإن ما حدث «انقلاب رهيب» على الشرعية، بينما قال سعد الحسيني، وهو قيادي إخواني استقال من موقعه كمحافظ لكفر الشيخ بعد عزل مرسي: «سنواجه الانقلاب بصدورنا العارية، وسلميتنا، وسنصبر أياما وشهورا وسنين لحماية شرفنا وأصواتنا». وشدد على الاستمرار في الاعتصام في الميادين لحين عودة مرسى للحكم، و«لن نتفاوض إلا بعد عودة الشرعية»، مشيرا إلى وجود تعتيم إعلامي لممارسات وزارة الداخلية ضد مؤيدي الرئيس السابق.

ومن فوق المنصة أيضا أعلن القيادي محمد البلتاجي عن اعتزام الملايين «الزحف للقاهرة» للمطالبة بعودة مرسي، لكن النتيجة كانت، في أولى عمليات الزحف هذه، مجرد اشتباكات متفرقة بين بضعة ألوف من الإخوان من جانب والمواطنين والشرطة من الجانب الآخر، في عدة تقاطعات بالعاصمة.

وتقول قيادات الإخوان إن عدد معتصمي رابعة العدوية يزيد وينخفض وفقا للفعاليات التي يقومون بها وإنه يتراوح بين مليون وأربعة ملايين، إلا أن مسؤولا في هيئة المساحة المصرية يعلق موضحا أن هذه المنطقة وجميع الشوارع التي تطل عليها تتسع لنحو 250 ألف شخص.. «مع العلم أن عدد معتصمي التيار الإسلامي لا يغطون كل تلك المساحات، وإنما يتركزون في المنتصف، وأن العدد يمكن أن يدور حول 100 ألف شخص في المتوسط».

والمكان الثاني الذي يعتصم فيه مؤيدو الرئيس السابق يقع في «ميدان المسلة» قرب ميدان «تمثال نهضة مصر».. أي بين مقري حديقة الحيوان، وحديقة الأورمان. وتغلق مدرعات الجيش ميدان «نهضة مصر» بالأسلاك الشائكة. يقف على مداخله جنود مدججون بالأسلحة. وفي الخلفية من ناحية أضواء قبة جامعة القاهرة، ترتفع الأصوات «إسلامية.. إسلامية»، و«يسقط يسقط حكم العسكر».

كان الدكتور حجاج قديما يتظاهر في نفس هذا المكان، حين كان طالبا في الجامعة، احتجاجا على هزيمة بلاده في نكسة (حرب) يونيو 1967. يقول عن العدد التقريبي لأنصار مرسي في هذا الميدان الآن: «إنه لا يتسع، في حده الأقصى، إلا لأقل من 15 ألف شخص، بعضهم يذهب هناك إلى لمجرد المشاهدة وشرب الشاي». لكن، وانطلاقا من هذا الميدان، شن عدد ممن يعتقد أنهم من بين المعتصمين في ميدان «المسلة (نهضة مصر)» هجمات دامية الأسبوع الماضي استخدمت فيها الأسلحة الآلية والغرينوف، أدت إلى مقتل 22 وإصابة 380 في منطقتي بين السرايات والكيت كات، إضافة إلى مقتل 5 في ضاحية المنيل، قرب منزل الدكتور حجاج نفسه.

وكان غالبية ضحايا هذه المعارك من الأهالي المناوئين لحكم الإخوان. يقول حجاج: يبدو لي أن معتصمي ميدان المسلة (نهضة مصر) يتسمون بالشراسة بأشد مما يتسم به معتصمو رابعة العدوية». وهاجم معتصمو «رابعة العدوية» دار الحرس الجمهوري، في محاولة فاشلة لـ«تحرير مرسي» قبل أسبوع، ما أدى إلى مقتل نحو 60 وجرح المئات، ويقول إن المعركة هنا كانت واضحة: هجوم على منشأة عسكرية. أما معارك معتصمي «بين السرايات» فلم تكن مفهومة: مسلحون يطلقون النار في الشوارع على الناس دون تمييز، مثلما حدث في ضاحية المنيل.

وحقق الإخوان والتيارات الإسلامية فوزا ساحقا في أربع استحقاقات انتخابية خلال العامين الماضيين. واليوم يبدو أنهم خسروا كل شيء، وأعقب هذا السقوط أيضا تزايد العمليات ضد الجيش والشرطة في سيناء، مع مخاوف من تزايد أعمال العنف في البلاد في الفترة المقبلة. ويعتقد أن القبض على العشرات من القيادات الإخوانية خلال الأسبوعين الماضيين، وبدء السلطات في تجفيف منابع التمويل المالي، يمكن أن تؤدي إلى كبح جماح الكثير من العمليات الانتقامية المتوقعة، إضافة إلى إمكانية إسهام هذه الإجراءات في عودة ألوف المعتصمين في الميادين إلى بيوتهم.

وقررت النيابة تجميد أموال 14 من كبار قيادات الجماعة في البنوك والبورصة. ويعتمد الإخوان في تمويل الجماعة على تبرعات أعضائها، لكن لديها رجال أعمال «مليارديرات» ومصادر تمويل أخرى ضخمة. ويقول الدكتور حجاج، وفقا لعلاقة والده بالجماعة قديما، وتخصصه الجامعي حديثا: إذا أردت أن تتحدث عن أعداد الإخوان فلا بد أن تتحدث عن ستة مستويات، هي: «المحب، أو المريد» للجماعة، و«المنتسب» لها، ثم «العضو» فيها، ثم مستوى «الأخ»، فـ«القائد»، إلى أن يصبح عضوا في «القيادة العليا»، أي في مكتب الإرشاد وهيئة الإرشاد.

ويزيد قائلا إن عدد أعضاء كل من مكتب الإرشاد وهيئة الإرشاد يتراوح بين 100 إلى 120 شخصا، و.. «لو أخذنا بالمستويات الستة المشار إليها، فيمكن أن تقول إن إجمالي عدد تنظيم جماعة الإخوان يتراوح بين 240 ألفا إلى 300 ألف أو 400 ألف شخص، في الحد الأقصى»، مشيرا إلى أن «الذي يساهم مساهمة فعلية (في نشاط الجماعة) وبشكل تنظيمي هو الذي يكون عضوا في الإخوان، وهؤلاء لا يزيدون عن 200 ألف إلى 220 ألف عضو، وكل عضو يسدد من 7 في المائة إلى 10 في المائة من دخله، أي في الحد الأدنى، نحو ألف جنيه في السنة للجماعة، أي نحو 200 مليون جنيه سنويا (نحو 30 مليون دولار)»، ناهيك بتبرعات كبار رجال الأعمال الإخوان من داخل مصر وخارجها. ويضيف الدكتور حجاج أن الحشد الأقصى الذي تشهده للإسلاميين في القاهرة والإسكندرية وبعض المحافظات لا يزيد عن نصف مليون شخص، ولكن حين يخرجون للشوارع يخرجون بتعليمات، وبنظام معين يظهر عددهم من خلاله أكبر بكثير مما هو موجود على الواقع»، كما لا يجب أن تنسى أن «تيارا مثل التيار الجهادي هو تنظيم مدرب تدريبات عسكرية أو شبه عسكرية. والإخوان أيضا تنظيم شبه عسكري، وينظمون أنفسهم في الميادين بطريقة توحي بأن عددهم أكبر من الحقيقة».