«الكيان الكردي» المتوقع في شمال سوريا يثير مخاوف الصدام الداخلي

مقاتلو «بي واي دي» يسعون إلى السيطرة على منافذ حدودية مع العراق وتركيا

مقاتلون أكراد يصطفون في احدى قرى مدينة القامشلي حيث طردوا مقاتلي جبهة النصرة أمس (أ.ف.ب)
TT

استأثر الوضع في المناطق الكردية في شمال سوريا باهتمام محلي وإقليمي واسع، في ظل تردي الوضع الأمني في المنطقة نتيجة الهجوم الذي يشنه المقاتلون الأكراد على المقاتلين الإسلاميين لطردهم من عدد من المناطق، وتحديدا في منطقة رأس العين الحدودية ومعبرها، بالتزامن عن معلومات يتم بثها بشكل متصاعد عن نية الأكراد إعلان «كيان ما» وصل إلى حد توقع إعلان دولة، أو إعلان «حكومة غرب كردستان».

وبينما قالت مصادر إعلامية وعسكرية واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» إن أكراد سوريا ممثلين بحزبي «بي واي دي» و«يكيتي» بالإضافة إلى المجلس الوطني الكردي يتجهون إلى إعلان حكومة خاصة بهم بمشاركة شيخ عشيرة آل طي العربية، مرجحة أن يتم إعلان حكومة دولة «إقليم غربي كردستان» التي ستمتد بمحاذاة الشريط الحدودي الشمالي والشرقي لسوريا وتحديدا إقليم كردستان العراق قريبا جدا، أكدت هيئة التنسيق التي ينتمي إليها الحزب الكردي الرئيس «بي واي دي» أن أمين عام الحزب صالح المسلم نفى هذه المعلومات، في حين يلفت باحثون أكراد إلى أن المشروع «غير ممكن على الأرض»، معتبرين أنه «لا يعدو كونه مغامرة بالأكراد تفيد النظام وبتحريض منه ربما».

ولفت الناشط الإعلامي أمير الحسكاوي في اتصال مع «الشرق الأوسط» إلى أن «حكومة غربي كردستان ستضم 9 وزراء بينهم رئيسها المهندس صالح محمد مسلم»، بالإضافة إلى كل من «سينم محمد نائبا لرئيس الحكومة، عبد الحميد حاج درويش وزيرا للخارجية ونائبا لرئيس الحكومة، محمد موسى وزيرا للطاقة والثروة البترولية (عن حزب اليسار الكردي)، محمد الفارس وزيرا للمالية والاستثمار (شيخ عشيرة طي)، فؤاد عليكو وزيرا للعدل والشؤون الانتقالية (حزب يكيتي الكردي)، شيرازاد عادل يزيدي وزيرا للإعلام، العقيد آلدار خليل وزيرا للداخلية وقائد القوات المسلحة، وصالح كدو وزيرا للتضامن الاجتماعي».

وأضاف أن «المعلومات تشير إلى احتمال الإعلان عن الدولة قريبا جدا»، لافتا إلى أن الحكومة ستضم «حزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي) ، وحزب يكيتي على الرغم من جناح معارض في يكيتي لهذا التوجه، وكذلك شيخ عشيرة عربي هو محمد الفارس الموالي لنظام الأسد والمسؤول الأول عن ما يسمى جيش الدفاع الوطني وهو عبارة عن ميليشيات عربية سنية».

وشرح الحسكاوي إلى أن سيطرة الحكومة المزمع إعلانها «ستمتد من المالكية شرقا إلى أجزاء من حلب غربا وتشمل القامشلي وريفها وصولا إلى الحسكة المدينة مع ترجيح أن تكون القامشلي هي المدينة العاصمة». وأوضح أنه نتيجة ذلك فإن المنافذ الحدودية التي ستسعى وحدات حماية الشعب الكردي للسيطرة عليها «ستكون بالدرجة الأولي رأس العين»، بالإضافة إلى «منفذ سيملكا مع العراق وهو منفذ مائي فوق نهر دجلة غير رسمي وهو الوحيد مع العراق من جهة الحسكة، وكذلك منفذ نصيب مع تركيا في القامشلي، ويوجد منفذ غير رسمي في رأس العين وهو مغلق منذ أكثر من شهرين بسبب المعارك، وكذلك منفذ تل أبيض».

ولفت الحسكاوي إلى أن الجناح العسكري لهذه الحكومة سيعتمد على كل من «جيش الدفاع الوطني والمتعارف عليه باسم (المقنعون) برئاسة محمد الفارس هو شيخ عشيره طي، الذي أنشأ مجموعتين في الحسكة والقامشلي على غرار تلك التي أنشأها النظام في حمص من العلويين». وأضاف أنه «سيتشكل جيش هذه الدولة من شبيحة عرب هم المقنعون وشبيحة أكراد هم عناصر وحدات الحماية كنوع من التوازن»، موضحا أن هذا سيكون «من خارج كل تشكيلات الجيش الحر والثورة». وأوضح أن «الجناح الكردي سيكون مؤلفا من وحدات الحماية بالإضافة إلى مقاتلين أكراد قدموا من قنديل في تركيا بعد إعلان أوجلان وقف الحرب مع الحكومة التركية».

من جهته، أوضح مصدر عسكري واسع الاطلاع في الجبهة الشرقية التابع لهيئة أركان الجيش الحر لـ«الشرق الأوسط» أن «الدولة المفترضة ستمتد على طول الشريط الحدودي الشمالي لسوريا وبالأخص ذلك الملاصق لكردستان العراق وصولا إلى حلب»، مشيرا إلى أن رئيس إقليم كردستان العراق «مسعود البارزاني يدعم قيام هذا الإقليم بشكل مطلق». لكن هذا المصدر العسكري أكد أن «هذه الدولة المفترضة غير ممكنة التحقق ولن يتعدى الأمر إذا حصل حد إعلان حكومة». وأشار إلى أن هذا الإعلان سيفيد النظام «لكن لن يتم السماح بتحويله واقعا على الأرض».

في هذا السياق، اتفق الكاتب والباحث الكردي السوري بدرخان علي في حديث لـ«الشرق الأوسط» مع ما ذهب إليه المصدر العسكري، مشددا على أنه «لا يرى إمكانية لتطبيق هذا المشروع على الأرض»، واصفا الكلام عن تشكيلة حكومية جاهزة بأنه «مجرد شائعات». وقال: «الأسماء حتى الآن غير مطروحة. الخطوة مريبة وليست مطمئنة قط. وأراها مغامرة بالأكراد إلى حد كبير».

وفي حين يقر علي بأن «موضوع تشكيل حكومة كردية من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي، بمسمياته المختلفة، ليس مجرد فرقعة إعلامية»، لكنه يشدد على أنه «مشروع أحادي من طرف (ب ي د) وتحديدا جماعة صالح مسلم لم يستشر فيه أحدا أو يناقشه مع أي هيئة كردية بل الجميع عرف به من الإعلام وهناك اعتراض واسع على المشروع كرديا على الأقل وهو مرفوض سوريا ودوليا»، ونفى علي أن تكون «أي جهات دولية أو إقليمية أبلغت الجهات الكردية رسميا بموقفها الرافض لإقامة هذه الدولة»، لكنه أعرب عن اعتقاده أن هذا المشروع «يخدم مصلحة النظام السوري كما أنه يضع الأكراد في مواجهة مع بعضهم البعض كما مع عرب المنطقة وكذلك تركيا وغيرها».

ورأى أنه إذا كان الائتلاف الوطني المعارض مع كل الاعتراف الذي يحظى به من قبل دول غربية كثيرة ودول إقليمية «لم يستطع إلى الآن تشكيل حكومة مؤقتة لأسباب كثيرة منها بالتأكيد المخاطر المترتبة على وجود حكومتين في نفس البلد، فعلى ماذا يعتمد الاتحاد الديمقراطي في خطوته هذه؟ وعلى ماذا يراهن؟». ورجح علي أن يكون ما يحصل «سياسة فرض الأمر الواقع»، مردفا «لكن ليس كل شيء يفرض بالقوة»، وشددا على أن «تشكيل حكومة كردية أمر لا يعني الأكراد وحدهم».

ولفت إلى أن زعيم عشيرة طي «محمد الفارس هو رجل النظام وله ميليشيا في القامشلي هي عبارة عن جيش الدفاع وطني»، معتبرا أن اشتراك الفارس بالمشروع إذا حصل «يؤكد الاعتقاد السائد بأن هناك تحريضا من قبل النظام على المضي قدما في إعلان الدولة الكردية وهو أمر لا أستبعده».

إلى ذلك، تطرق على إلى الواقع على الأرض، وأوضح أن «النظام موجود في القامشلي ويدفع رواتب للناس ويتسلم محاصيل الزراعة كما أن هناك بعض الفروع الأمنية»، لينتهي إلى تساؤل: «هل ستكون الحكومة المفترضة حكومة ضمن حكومة (سورية تابعة للنظام)؟ لن ينجح الأمر».

وكانت توقعات قد راجت بشأن إعلان «الدولة» يوم أمس في الذكرى ضمن إطار التحضيرات لتشكيل إدارة مشتركة في غرب كردستان الذي طرحه حزب الاتحاد الديمقراطي بمناسبة حلول الذكرى الأول لبدء التحرك الكردي ضد النظام في 19 يوليو (تموز) 2012. وقد عقد حزب الاتحاد الديمقراطي اجتماعا لمناقشة «مشروع الإدارة المشتركة التي سيشارك فيها جميع مكونات المنطقة من عرب وكرد وسريان وآشور. والتي ستكون وظيفتها إدارة المنطقة من جميع النواحي السياسية، الدبلوماسية، الخدمية، الأمنية والاقتصادية»، بالإضافة إلى كتابة دستور للمنطقة، كما أفاد بيان عن الاتحاد أمس. وأوضحت معلومات رسمية كردية أنه من المقرر أن يحصل كل حزب سياسي أو مؤسسة أو منظمة أو حركة موجودة في غرب كردستان توافق على المشروع على خمسة مقاعد في الإدارة المشتركة والتي ستنتخب لجنة تنفيذية من أعضاء الإدارة ستعمل خلال ستة أشهر لتنظيم إجراء انتخابات من أجل وضع حكومة مؤقتة للمنطقة. وقال البيان إن جميع اللقاءات أكدت أن المشروع لا يهدف إلى إقامة حكومة مركزية أو أي محاولة انفصال عن سوريا.