لاجئون أميركيون في روسيا لم يجدوا السعادة

صحافي مر بتجربة شبيهة بسنودن يتوقع طرقه في الأخير سفارة واشنطن طلبا للعودة

لي هارفي أوزوالد، محاطا بضباط داخل مركز شرطة في دالاس في 1963، بعد عودته من موسكو حيث كان طالباً للجوء (أ.ب)
TT

لو توفر لإدوارد سنودن الوقت، عندما كان عالقا في منطقة الترانزيت بمطار موسكو، لربما رغب في اغتنام الفرصة للقراءة عن تاريخ الأميركيين الباحثين عن اللجوء السياسي في روسيا. وأصيب هؤلاء، ممن هم على شاكلة الصحافي بيتر سافودنيك، بسلسلة من خيبات الأمل قد تكون ذات مغزى بالنسبة لسنودن، المستشار السابق لدى وكالة الأمن القومي الأميركية الذي تقدم بطلب اللجوء السياسي المؤقت مطلع الأسبوع.

وقال سافودنيك في حوار عبر الهاتف: «في حال الاتعاظ بالتاريخ، يمكنه أن يتوقع حاجزا يفصل بين الجنة والنار على الأرض إذا مكث في روسيا. سوف يبعثونه إلى مكان بعيد، من دون مجتمع حقيقي أو حياة، في مكان ما بعيدا جدا عن موسكو». ويكشف الماضي عن مجموعة صور لفنانين رومانسيين فاشلين اعتقدوا أنهم سيجدون مكانا أفضل هنا، بينما لقي السواد الأعظم في الأخير نهايات غير سعيدة. خذ مثلا بيغ بيل هايوود، الذي اتهم على غرار سنودن بموجب قانون التجسس الفيدرالي الأميركي لعام 1917. وُجد هايوود، القيادي العمالي المتشدد، متهما بانتهاك القانون بعد أن دعا إلى إضراب في عام 1918 في وقت الحرب. قضى عاما في السجن، وأثناء الاستئناف، تم ترحيله إلى موسكو.

تزوج هايوود من روسية، لكنه لم يتعلم اللغة الروسية قط، إذ كانا يتواصلان عبر حركات الأيدي. وفي النهاية، قال: إنه يريد العودة إلى بلاده، لكن في عام 1928، في سن التاسعة والخمسين، توفي جراء إدمان الكحوليات والإصابة بالسكري. وتم حرق نصف رفاته على طول جدار الكرملين، أما النصف الآخر، فتم إرساله إلى شيكاغو، حيث ساعد في إنشاء منظمة «العمال الصناعيين في العالم».

لدى سافودنيك كتاب يصدر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بعنوان: «المتطفل: لي هارفي أوزوالد داخل الاتحاد السوفياتي»، عن أسوأ المنشقين الأميركيين سمعة، كان غادر إلى موسكو في عام 1959 تحدوه آمال ضائعة في التمتع بحياة رائعة في جنة العمال الممثلة في الاتحاد السوفياتي السابق. مُنح وظيفة في مصنع إلكترونيات في مينسك، حيث خدعه حلم المستقبل المشرق. وفي عام 1962. عاد إلى بلاده واغتال جون كيندي في عام 1963. وبعد يومين، قتل على يد جاك روبي. وفي مقال رأي أخير ينشر بصحيفة «واشنطن بوست»، روى ديفيد باريت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فيلانوفا، كيف تنبأ موظفان في وكالة الأمن القومي بسنودن، وكان ذلك في عام 1960.

يقول ويليام مارتن، 29 عاما، وبيرنون ميتشيل، 31 عاما، إنهما كانا في إجازة (أبلغ سنودن رئيسه أنه بحاجة إلى علاج طبي) ثم انشقا في موسكو، حيث أعلنا أن الولايات المتحدة كانت تتجسس على دول بمختلف أنحاء العالم. كان أكبر انتهاك للأمن القومي على الإطلاق. وكتب باريت: «ظلا يعيشان حياة طويلة تعيسة في الاتحاد السوفياتي».

رغم أن روسيا لم تكن مطلقا منارة للديمقراطية أو حرية التعبير، فإن ذلك لم يوقف المنشقين، بحسب سافودنيك.

تم تجنيد جوزيف دوتكانيكز، وهو ضابط أميركي متمركز في غرب ألمانيا، من قبل جهاز الاستخبارات السوفياتي السابق في عام 1958 وانشق عنه في عام 1960. وعمل في مصنع تلفزيونات في لافوف في غرب أوكرانيا، وظل في حالة مراقبة دائمة من قبل جهاز الاستخبارات السوفياتي السابق ويشكو من أن الضباط كانوا يحاولون دفعه للجنون. وطلب العودة إلى بلاده ولكن وافته المنية، وهو ثمل حسبما تناقلت الأخبار، في عام 1963.

انشق غلين ساوثير، محلل صور فوتوغرافية بالأسطول الحربي في عام 1986 وانتحر في عام 1989 في سن الثانية والثلاثين في موسكو، وتم الاحتفاء به كجاسوس بارز.

وقع روبرت وبستر، أحد مواطني كليفلاند الذي ذهب إلى موسكو في عام 1959 لإقامة معرض لشركة مواد بلاستيكية بمعرض تجاري، في حب مضيفة في مطعم فندق أوكرانيا. ويعتقد أن المرأة كانت عميلة بجهاز الاستخبارات السوفياتي السابق. منح وبستر وظيفة في لينينغراد، لكنه كان يتوق للعودة إلى بلاده، وعاد في عام 1962 كغريب سمح له بالدخول في إطار تبادل مطلوبين، بحسب دراسة عن المنشقين تم إعدادها للكونغرس في عام 1979.

لا أحد يستطيع أن يعرف الآن كيف سيكون مصير سنودن. يتنبأ سافودنيك بأنه في حال بقائه، سوف يتم إجلاؤه من موسكو وإرساله إلى مدينة بعيدة ومنحه شقة في خروشيفكي (مبنى مزدحم مؤلف من خمس طوابق أنشئ في حقبة نيكيتا خروشوف قبل أكثر من نصف قرن). وقال سافودنيك: «من وجهة نظر الكرملين، قام سنودن بواجبه بالفعل. لقد أحرج البيت الأبيض. لو كان لديه أي بيانات يمكن مشاركتها، لحصلوا عليها الآن. عند هذه النقطة، إذا كنت فلاديمير بوتين، فسترغب في أن يختفي سنودن».

لا شك أنه سيمنح وظيفة، لكن الروس لن يثقوا فيه فيما يتعلق بأي معلومات حساسة، بحسب سافودنيك. بإمكان الشاب الذي ربما يكون اعتقد أنه يغير العالم أن يتوقع الآن العمل لحاما معدنيا أو بوابا. وقال سافودنيك: «إنها حياة في مكان ما، بعيدا عن كل شيء قد يعتبره محفزا». وأضاف: «إنها ليست حياة سعيدة جدا». إذن، نعم، ربما يمنحونه حق اللجوء السياسي، ولكنهم سيجعلونه كريها قدر المستطاع، على حد قوله. ويضيف: «في النهاية، سيتجه إلى السفارة الأميركية متوسلا العودة مجددا إلى الوطن». يتمثل واحد من آخر الأميركيين الباحثين عن حق اللجوء السياسي في جون روبلز، الذي رفض طلبا بمناقشة الحياة في روسيا ولكنه روى قصته عبر رسائل نشرها على الموقع الإلكتروني خاصته وعلى موقع التواصل الاجتماعي «فكونتاكتي»، وهو النسخة الروسية من «الفيس بوك».

كان روبلز، الذي يبلغ عمره الآن 47 عاما، يدرس اللغة الإنجليزية في موسكو وتقدم بطب للحصول على جواز سفر أميركي جديد في عام 2007. لكنه تم إلغاؤه، كما كتب، لأنه كان متهما بطلب دعم أطفاله من كاليفورنيا. وقال: إن إلغاء جواز سفره جعله عديم الجنسية وكان بمثابة دفعة لطلبه الحصول على اللجوء السياسي. وأشار إلى أن الاتهامات الموجهة إليه عارية عن الصحة، وأن أطفاله كانوا بصحبته، وكان هو من يتولى مسؤولية دعمهم مؤخرا. عمل روبلز مقدما ومحاورا بإذاعة «صوت روسيا».

ورغم أنه ينتقد الولايات المتحدة، فإنه لا يقدم شكاوى عامة عن روسيا – ما لم تحسب التأملات حول ما إذا كان سينتهي الشتاء الطويل أم لا. يعيش في شقة في روسيا. وكتب مؤخرا أن الماء الساخن قد عاد – تقوم المدينة بإيقافه كل صيف لمدة أسبوعين إلى أربعة أسابيع لتنظيف المواسير – واحتفى بوجوده من خلال صورة فوتوغرافية للمياه الصدئة النابعة من صنبور المطبخ.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»