اعتقال الرسام يوسف عبدلكي في طرطوس.. والمرصد يطالب بالإفراج عن ناشط حقوقي

أنباء عن وفاة الخير في الاعتقال.. و«هيئة التنسيق» تحمل النظام المسؤولية

TT

اعتقلت قوات الأمن السوري مساء أول من أمس، الفنان التشكيلي العالمي يوسف عبدلكي (62 عاما) على حاجز قرب فرع الأمن السياسي في مدينة طرطوس الساحلية، بالتزامن مع أنباء عن مقتل المعارض العلوي عبد العزيز الخيّر (62 عاما) بعد مضي أكثر من 10 أشهر على اعتقاله من قبل السلطات السورية.

ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصادر واسعة الاطلاع في المعارضة السورية أنباء عن وفاة الخير في سجون نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأوضحت المصادر أن «الطبيب الذي حضر إلى السجن الذي فيه الخير لمعالجته من مرضه في المعتقل نتيجة سوء معاملته قال بعد دقائق من وصوله إلى السجن وخروجه لقد وصلت متأخرا للأسف».

وأشارت المصادر إلى وجود تأكيد آخر عن وفاته قدمه الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله لأحد المعارضين السوريين الذي رتبت له طهران موعد اللقاء مع نصر الله قبل مدة قصيرة عندما طالبه المعارض السوري بالتوسط والتدخل لدى نظام الأسد لإطلاق سراح الخير، فأجاب نصر الله فورا «لم يعد لنا دور نحن أو نظام الأسد»، موحيا بحركات من وجهه بأنه توفي.

بدوره، لم ينف ماجد حبّو، أمين سر هيئة التنسيق الوطنية السورية (كان الخير يشغل منصب مسؤول مكتبها الإعلامي) أو يؤكد نبأ مقتل الخير، مشيرا لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه جرى نقله في الفترة الأخيرة من سجن المزة التابع للمخابرات الجوية إلى مكان مجهول. وقال إن «الأجهزة الأمنية السورية هي المسؤولة عن حياة الخير وفيما لو صحت الأنباء التي تتحدث عن تصفيته، فهي المتهمة بهذه الجريمة».

وكان الخير الذي يتحدر من مدينة القرداحة، مسقط رأس الأسد، قد اعتقل على الحاجز الأمني التابع للسلطات قرب مطار دمشق عندما كان عائدا من مشاورات سياسية بخصوص الأزمة السورية مع الحكومة الصينية في بكين يوم 21 سبتمبر (أيلول) 2012، لكن السلطات السورية تنكر أن يكون الخير معتقلا في سجونها رغم مطالبة شخصيات دولية عدة بالإفراج عنه.

وأفاد ناشطون معارضون بأن مقتل الخيّر، إن صح، سيكون له ردود فعل عنيفة من قبل عائلته التي تشكل، إضافة إلى عائلتي جديد وعثمان، حلفا معارضا ضد عائلتي الأسد ومخلوف في القرداحة. وأشار عمر الحسن، الناشط الميداني من مدينة اللاذقية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «اشتباكات مسلحة وقعت بين عائلة الخيّر من جهة وعناصر تابعة لعائلة الأسد من جهة أخرى، بعد فترة على اعتقال المعارض قبل عدة أشهر ما يعني أن هذه الاشتباكات ستتجدد بعد الأنباء عن وفاته، وربما ستكون أعنف».

وأوضح الناشط المعارض أن «عائلة الخيّر تتوزع بين مدينة جبلة وتحديدا في حي العمارة وبين مدينة القرداحة»، مؤكدا أن «ردود فعل أبناء العائلة ستكون عنيفة لأن الخيّر رمز من رموزهم السياسية وليس فقط ابن عائلتهم ما يؤشر إلى اتساع مناخ المعارضة داخل الطائفة العلوية في مناطق الساحل».

في موازاة ذلك، ذكر ناشطون أن يوسف عبدلكي، فنان الكاريكاتير المعروف بمواقفه المناهضة لنظام الأسد، اعتقل وكان برفقته اثنان اعتقلا معه، هما توفيق عمران وعدنان الدبس، وهما عضوان في حزب العمل الشيوعي المعارض. وكان عبدلكي قد اعتقل في أوائل ثمانينات القرن الماضي على خلفية انتمائه لرابطة العمل الشيوعي، حيث بقي في السجن قرابة السنتين قبل أن يفرج عنه ويسافر إلى فرنسا التي قضى فيها قرابة 25 عاما ممنوعا من العودة إلى سوريا.

وأشار «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» إلى أن «أسباب الاعتقال غير معروفة حتى الآن»، وطالب السلطات السورية بالكشف الفوري عن مصير عبدلكي ورفيقيه، محملا إياها مسؤولية «سلامتهم الجسدية». كما طالب المركز النظام السوري بوقف «انتهاج سياسة الاختفاء القسري كشكل ترهيبي وعقابي للناشطين السلميين والحقوقيين والمدافعين عن حرية الرأي والتعبير وكل من يحاول ممارسة حقه الدستوري بحرية الرأي والتعبير».

ويتحدر عبدلكي من مدينة القامشلي (شمال شرقي سوريا) وهو مسيحي من أصول سريانية. أكمل في باريس دراساته العليا، ونال الدكتوراه في الفنون التشكيلية من جامعة باريس الثامنة نهاية الثمانينات، وعمل منذ عام 1968 في مجالات غرافيكية متعددة، وقام بتصميم عشرات الملصقات وأغلفة الكتب، والشعارات، كما نشرت رسوماته وأعماله الكاريكاتيرية في مجلات وصحف عربية وعالمية، وصدرت له بعض الدراسات، منها «تاريخ الكاريكاتير في سوريا»، و«دراسة عن رسامي الكاريكاتير العرب وتقنياتهم». كما أقام الكثير من المعارض الفردية في مختلف عواصم ومدن العالم، وشارك في معارض جماعية في برلين وباريس ولندن، وهو أحد الموقعين على بيان لمائة مثقف سوري قبل أيام، جددوا فيه إعلان تمسكهم بـ«مبادئ الثورة»، التي خرج السوريون لأجلها في بداية 2011، مؤكدين أهمية «استقلالية القرار» السوري واستنكار زج بلادهم «في صراعات إقليمية». كما ساهم عبدلكي في تأسيس «تجمع التشكيليين السوريين المستقلين» الذي يضم فنانين مناصرين للثورة السورية.

وأثار اعتقال عبدلكي موجة استنكار لدى المثقفين السوريين إذ سارع عدد منهم إلى إنشاء صفحة على موقع «فيس بوك» تطالب بالإفراج عنه. وكتب المخرج المعروف هيثم حقي على صفحته على موقع «فيس بوك»: «من أهم قامات التشكيل السوري معتقل من جديد، أي جنون هذا، كيف سيتوقف شلال الدم إذا استمر اعتقال العقلاء الأحرار الديمقراطيين؟».

وينضم عبدلكي إلى قائمة الفنانين الذين اعتقلتهم أجهزة الأمن السورية على خلفية مواقفهم الداعمة للانتفاضة إذ اعتقلت الفنانة التشكيلية والنحاتة عبير فرهود أواخر سنة 2012. كما قامت قوات الأمن في محافظة السويداء باعتقال الفنان التشكيلي طارق عبد الحي بتاريخ 17 مارس (آذار) الماضي. ومنذ نحو سبعة أشهر، اعتقل الفنان التشكيلي فادي مراد لدى عودته مساء من عمله في منطقة المزة.

في غضون ذلك، جدّد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» مناشدته المفوضة السامية لحقوق الإنسان، نافي بلاي، بالتدخل الفوري لدى السلطات السورية، من أجل الإفراج الفوري عن الناشط الحقوقي البارز خليل معتوق، وحمّل المرصد السلطات الأمنية والسياسية السورية، مسؤولية أي أذى يلحق بصحة معتوق. وتدهور الوضع الصحي لمعتوق، الذي اعتقله جهاز المخابرات السورية، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2012، على حاجز أمني بريف دمشق، وغيبه في أقبيته. ويعتبر المعتوق من أبرز المدافعين عن معتقلي الرأي والضمير في سوريا، ويعاني من تعطل في عمل رئتيه بنسبة كبيرة، وهو بحاجة للمتابعة الصحية المستمرة.