وزيرة التنمية البشرية والصحة الصومالية لـ «الشرق الأوسط»: نشاط القراصنة يتحجم ببطء

مريم قاسم تقول إن الجماعات الإرهابية في طريقها للزوال بعد انقسامها

د. مريم قاسم وزيرة التنمية البشرية والصحة في الصومال («الشرق الأوسط»)
TT

كشفت الدكتورة مريم قاسم، وزيرة التنمية البشرية والصحة في الصومال، عن خطة استراتيجية محكمة ترسمها الحكومة الجديدة، لإنقاذ بلادها من هوة الانهيار، الذي سببته لها الحرب الأهلية طوال 22 عاما.

وقالت الدكتورة قاسم في حوار مع لـ«الشرق الأوسط»: «إن الحكومة الجديدة عازمة على محاصرة الإرهاب ونشاط الحركات الجهادية وعناصر (القاعدة) وتجنيد الشباب المغرر به في عمليات إرهابية دولية خطيرة».

وأوضحت الوزيرة أن الوضع الحالي في الصومال يسير نحو الأفضل، جازمة بانحسار عمليات القرصنة الدولية البحرية.

وقالت الوزيرة إن الجماعات الجهادية «في طريقها للزوال بعد أن انقسمت على نفسها أخيرا»، وشددت على وضع حد للفوضى الأمنية التي انتظمت في الصومال ردحا من الزمان، والعمل على تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي بعزيمة لا تلين.

«الشرق الأوسط» التقت الوزيرة مريم قاسم في الرياض، إبان مشاركتها في ملتقى «الوضع الصحي بالصومال»، الذي نظمته منظمة أطباء عبر القارات أخيرا، فإلى نص الحوار:

* كيف تقيمين وضع الصومال حاليا؟

- إن الحرب الأهلية والقبلية التي دارت رحاها في الصومال طوال 22 عاما، دمرت معها البنى التحتية تماما، وانفرط معها عقد الأمن كليا، ما أقعدها عن الازدهار اقتصاديا وسياسيا وصحيا وتعليميا واجتماعيا، وخلال هذه الفترة الطويلة لا يمكن أن نتحدث عن حكومة مسؤولة، غير أنه أخيرا رحم الله الصومال بعد سعيه للوصول لشكل من أشكال الحكومة، التي يعول عليها انتشال الشعب الصومالي من الوهدة، التي وقع فيها منذ أمد بعيد، مات خلالها الآلاف من الأطفال والشيوخ والرجال والنساء بفعل الحرب الأهلية تارة وبفعل الجوع والمرض تارة أخرى، فضلا عن انفراط الأمن فيها، وبالتالي التدهور المريع في كافة مفاصل الحياة فيها، ولكن ميلاد حكومة جديدة منتخبة نفخ في روحنا الأمل، حيث بفضلها تتحسن الحال في الصومال.

* مر عدد من الحكومات المؤقتة على الصومال ولم تستطع تقديم شيء للشعب.. فبماذا تراهنين على الحكومة الجديدة الحالية؟

- خلال الأعوام العشرة الأخيرة كانت تمر على الصومال حكومات انتقالية، ولكن لا تعمر أكثر من ستة أشهر، وعلى الأقصى عاما واحدا، فكانت هذه فرصة جديدة لميلاد حكومة منتخبة من قبل البرلمان والشعب، حيث حققت هذه الحكومة قدرا كبيرا من الاستقرار السياسي والاقتصادي، في ظل ضيق ذات اليد والمهددات التي تحيط بها من كل جانب، فكان لا بد لنا جميعا أن نعض عليها بالنواجذ ونستفيد من هذه الفرصة النادرة لإعادة الوضع لحالته الطبيعة وصناعة شكل من أشكال الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني والبقية تأتي.

* ولكن ماذا قدمت هذه الحكومة الجديدة حتى الآن حتى تلقى قبولا لدى الشعب؟

- هذه الحكومة المنتخبة لا يتجاوز عمرها حتى الآن سبعة أو ثمانية أشهر وحسب، وعليه، فمن البديهي أن أول أعمالها يتمثل في وضع المخططات وفق دراسات، فمثلا نحن في وزارة الصحة وضعنا خطة استراتيجية للقطاع، وكذلك الحال في وزارة التربية والتعليم، بهدف وضع البنية الأساسية، أما بالنسبة للأمن فالوضع بدأ يتحسن بشكل كبير، حيث إن أغلب البلد تحت سيطرة الحكومة، غير أنه لا تزال هناك مهددات أمنية، كمثل بعض الانفجارات التي تحدث هنا وهناك، وبشكل عام فإن الوضع يسير نحو الأفضل، وبالتالي فإن ميلاد حكومة منتخبة في حد ذاته مكسب كبير للشعب الصومالي حتى تعالج التدهور الصحي والاقتصادي والأمني بسبب غياب حكومة في الأعوام الماضية، ولذلك إذا ما قارنت بين عام 2010 و2013 فترة ميلاد هذه الحكومة الجديدة، تلاحظ حدوث تحسن كبير على كافة الصعد، ولكن لا نقول إننا وصلنا إلى الوضع الذي يجعلنا نتحدث عن تقصير في ازدهار اقتصاد واستقرار أمن أو ما شابه ذلك، إذ إن البلد لا يزال يعاني الانهيار الأمني والدمار في بنياته التحتية، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة والدول الشقيقة والصديقة والتي تقوم بمساعدة الصومال.

* برأيك ما أكثر التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة بخلاف ما ورثته عن الحرب الأهلية؟

- أعتقد أن من أكثر الابتلاءات التي وقع فيها الصومال، أنه شهد خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة موجة جديدة من الإرهاب والقرصنة الدولية، مع تزايد الحركات الدينية المتشددة كحركة جهاد وغيرها من الحركات في ظل غزو عناصر من «القاعدة» البلاد، مستفيدة من انفراط الأمن وعدم الاستقرار السياسي والأمني، لتصب بذلك الزيت على النار ليصبح الصومال أكبر بلد فوضوي في العالم وشعبه أكثر الشعوب عرضة لموجات الجوع والفقر والمرض فضلا عن القتل والتشريد بصورة مكثفة مستمرة.

* هل استطاعت الحكومة الصومالية أن تبسط سيطرتها الآن على الصومال؟

- إذا نظرنا لوضع الصومال في عام 2010 فإن الحكومة كانت محصورة في كيلومتر واحد فقط، والآن الحكومة وضعت يدها على تسع مناطق، وحتى المنطقتان الباقيتان نصفهما في أيدي الحكومة، وبالتالي يمكن القول بأن الحكومة سيطرت على جميع المناطق الصومالية.

* وهل استطاعت الحكومة أن تحد من حركات النشاط الجهادي وكتائب «القاعدة» هناك؟

- الحكومة الصومالية الجديدة بذلت كل ما بوسعها بشأن توعية الشباب الصومالي لعدم الانجرار خلف الحركات المتشددة، سواء أخذت اسم حركات جهادية أو «قاعدة»؛ لأن معظم الذين التحقوا بها من فئة الشباب، ولكن هم ليسوا مثل الرؤوس المدبرة للعمليات الجهادية، حيث حاولت الحكومة أن تمنحهم فرص للعودة إلى جادة الصواب والإعفاء عن التائبين منهم وتأهيلهم نفسيا وعمليا كخطة استراتيجية. بقي أن نقول إن هناك حركات لها أجندة أجنبية، ولكنهم بدأوا حاليا ينقسمون على أنفسهم ويتحاربون فيما بينهم، وأعتقد أن نهايتهم قربت.

* هناك حديث عن نية تعديل القراصنة خططهم في اتباع أسلوب أكثر خطورة في القرصنة في عرض البحر.. ما تحوطاتكم لذلك؟

- أولا أؤكد لك أن نشاط القراصنة تحجم إلى أضيق حيز ممكن، وكل ما يقال من أن القراصنة بدأت تكثف نشاطها بشكل أخطر مما كانت عليه سابقا، مجرد هراء، ذلك أن نشاطها آخذ في الانحسار، وتكاد لا تسمع كثيرا عن أحداث جديدة يرتكبها القراصنة في عرض البحر على الشواطئ الصومالية أو نحوها، وبالتالي هناك تحسن وإن كان يسير ببطء.

* ما تطميناتكم لهيئات الإغاثة والعمل الإنساني التي تنشط في الصومال ويحيط بعملها بعض المخاطر؟

- لدي رسالة أوجهها لكل الهيئات العالمية والعربية والإسلامية العاملة في مجالات العمل الإنساني الطبي والصحي والإغاثي وغيرها، والتي ترغب في العمل في الصومال، أنه لا بد لهم أن ينسقوا مع الجهات الحكومية ووزارة الصحة، حتى نتمكن من مساعدتهم وتقديم التسهيلات الضرورية لإنفاذ أعمالهم على الوجه الأكمل، وبالتالي فإن الهيئات والجهات التي تعمل قبل أن تنسق معنا من الصعوبة بمكان أن تؤدي عملها بشكل جيد لتعقيدات الوضع والمهددات التي تحيط به وتشكل خطرا على حياتهم وعملهم.

* ما أكثر القطاعات انهيارا في الصومال وتحتاج لإغاثة عاجلة؟

- إن الحرب الأهلية التي تعرض لها الصومال منذ عام 1991 كانت نتائجها كارثية أدت إلى انهيار تام لمؤسسات الدولة، وانهيار الأمن، وأدت إلى توقف كافة الخدمات الأساسية والبنية التحتية، ولكن كان قطاعا الصحة والتعليم من أكثر القطاعات تأثرا بالأحداث طوال فترة الحرب، حيث دمرت كل المرافق الصحية والتعليمية القائمة تدميرا تاما، وأدى انهيار المؤسسات التعليمية إلى تدهور كبير في التعليم والتدريب للأطباء والعاملين في القطاع الصحي، ليظهر في المجتمع كثير من الذين ادعوا الطب والصيدلة مما ترتب عليه وقوع عدد كبير من حالات الخطأ الطبي، سواء كان في مرحلة التشخيص أو العلاج.

* ما الجهود التي بذلتها الحملة الوطنية السعودية لإغاثة الشعب الصومالي؟

- تبنت الحملة الوطنية السعودية لإغاثة الشعب الصومالي توفير الأدوية واحتياجات المستشفى من أجهزة وكوادر طبية وفنية، بناء على توجيهات من الأمير نايف بن عبد العزيز، بتكلفة إجمالية تجاوزت 1.5 مليون دولار، وتم تسيير أربع طائرات شحن في فترات مختلفة، كما أن الحملة زودت مستشفى بنادر العام بمقديشو، بحمولة أربعة طائرات أخرى و600 طن عبر الشحن البحري من الأدوية والألبان والأجهزة الطبية الضرورية والمتقدمة، وقامت بعمليات ترميم المستشفى وتوفير الخدمات الأساسية والنوعية فيه، كما قامت بتشغيل مطبخ المستشفى لتوفير ثلاث وجبات للمرضى ومرافقيهم التي ربما تصل إلى أكثر من ألف وجبة، كذلك قامت بتأسيس صيدلية مركزية وصيدليات فرعية، إلى جانب تشييد مخزن كبير يتسع لأكثر من 600 طن في داخل المستشفى، بالإضافة إلى تأهيل وبناء وترميم حدائق المستشفى للمساهمة في تحسين المظهر العام.