إيران توسع نفوذها في العراق.. والوضع السوري يوسع شقة الخلاف بين مرجعيتيهما

مقرب من خامنئي: نريد كيانات ثورية جاهزة للدفاع عن المشروع الشيعي

عناصر ميليشيا شيعية عراقية يلتقطون صورا في احتفال ببغداد قبيل توجههم إلى سوريا في 11 يونيو الماضي (رويترز)
TT

توسع الحرب الدائرة في سوريا شقة الخلاف بين المرجعيتين الشيعيتين في العراق وإيران، خصوصا لجهة إرسال مقاتلين إلى سوريا للقتال إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد.

ومنذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وأطاح بنظام الرئيس العراقي السابق، ازدادت حدة المنافسة بين مرجعيتي النجف وقم على زعامة الطائفة الشيعية. وفيما يتعلق بالوضع السوري، أصدر كبار آيات الله في قم فتاوى تحث أتباعهم على القتال في سوريا. ويقول قادة الميليشيات الشيعية المسؤولون عن تجنيد المقاتلين في العراق إن عدد المتطوعين ارتفع إلى حد كبير منذ صدور هذه الفتاوى. كما استعانت طهران، وهي أقوى حليف للأسد، بحزب الله اللبناني أيضا. وبالفعل كرست مشاركة حزب الله في المعارك التي جرت أخيرا النبرة الطائفية للصراع السوري، حسب تقرير لوكالة رويترز.

ومقابل التحمس الإيراني، سواء من جانب الحكومة ومرجعية قم، لدعم نظام الأسد، فإن المرجعية الشيعية في النجف التي على رأسها آية الله علي السيستاني ترفض ذهاب المتطوعين الشيعة إلى سوريا للقتال في حرب تعتبرها سياسية وليست مذهبية. ولكن رغم موقف السيستاني هذا فإن بعض الأحزاب والميليشيات الشيعية العراقية، التي تدين بالولاء للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، لبت دعوة الأخير وأرسلت أتباعها للقتال في سوريا. وقال رجل دين شيعي كبير يدير مكتب أحد المراجع الأربعة الكبار في النجف إن الذين يذهبون للقتال في سوريا «يعصون أوامر المرجعية».

وحسب رجل دين مقرب من مرجعية النجف فإن «الخلاف بين مرجعيتي قم والنجف قديم إلا أن لهذا الخلاف الآن وقعا على مواقف العراق من الأزمة السورية». وأضاف: «لو كانت المرجعيتان متحدتين لكنا وجدنا موقفا من الحكومة العراقية يدعم النظام السوري». يذكر أن الحكومة العراقية أعلنت حيادها في الصراع لكن تدفق المقاتلين الشيعة العراقيين على سوريا يقوض هذا الموقف.

ويقول كبار رجال الدين والساسة إن سوريا بالنسبة لخامنئي ومريديه في العراق وإيران حلقة مهمة في «هلال شيعي» يمتد من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشق.

في السياق نفسه، وردا على سؤال من أحد أتباعه بشأن شرعية القتال في سوريا، قال آية الله كاظم الحائري، المقيم في طهران والذي يقلده زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إن هذا القتال «واجب» للدفاع عن الإسلام.

وحسب مصادر الميليشيات، فإن نحو 50 مقاتلا شيعيا عراقيا يتوجهون إلى سوريا كل أسبوع للقتال إلى جانب قوات الأسد أو للدفاع عن مراقد شيعية مقدسة مثل مقام السيدة زينب في ضواحي دمشق. ويقول علي، وهو عنصر سابق في «جيش المهدي» التابع لمقتدى الصدر بينما كان يحزم أمتعته استعدادا للسفر إلى سوريا: «أنا أتبع أوامر مرجعيتي. زعيمي الروحي قال إن القتال في سوريا واجب شرعي. لا أكترث بما يقوله الآخرون ولا حق لأحد في أن يمنعني. أنا أدافع عن ديني وابنة إمامي»، في إشارة إلى مقام السيدة زينب. لكن مدير مكتب المرجع الديني في النجف السالف الذكر يرى أن إيران تستغل حماية المراقد الشيعية ذريعة لدفع الشيعة نحو القتال.

ومنذ سقوط نظام صدام توسع نفوذ إيران في العراق وسعت إلى الحصول على موطئ قدم في النجف تحديدا. وفي هذا السياق فتح كبار رجال الدين الإيرانيين مكاتب في النجف إلى جانب مؤسسات غير حكومية وأخرى خيرية وثقافية وجميعها تمول مباشرة من قبل المرجعية في إيران أو السفارة الإيرانية في بغداد، حسبما أكد مسؤولون محليون. فالعلم الإيراني يرفرف فوق بناية من طابقين في منطقة راقية بالنجف هي مقر لـ«مؤسسة الإمام الخميني». وهذه المؤسسة هي واحدة من عدة مؤسسات تنشط في العراق في المجال الاجتماعي وتركز على الشباب وتساعدهم في الزواج وتقدم إعانات منتظمة للأرامل والأيتام وطلاب الدين. وحسب رجال دين مطلعين، تساعد بعض المؤسسات رجال الدين الشباب وتنظم رحلات مجانية لطلاب الجامعات إلى المراقد الشيعية في إيران، بما في ذلك زيارة مكتب خامنئي في طهران.

ويقول رجل دين يعمل تحت إشراف خامنئي، مشترطا عدم الكشف عن هويته : «لدينا مشروع كبير هدفه نشر مبادئ ولاية الفقيه والشباب هم هدفنا. لا نسعى إلى إقامة دولة إسلامية في العراق، ولكن نريد على الأقل إقامة كيانات ثورية تكون جاهزة للقتال دفاعا عن المشروع الشيعي».

من جهته، أكد أستاذ في الحوزة العلمية في مدينة النجف ومقرب من المرجعية الشيعية هناك أن «الخلاف بين حوزتي النجف وقم بشأن عملية الجهاد أو القتال في سوريا هو مسألة فقهية بحتة ولا علاقة له بالشأن السياسي».

وقال حيدر الغرابي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا الخلاف أمر طبيعي وهو ليس خلافا بين حوزتين واحدة في العراق وأخرى في إيران مثلما يحلو للإعلام تصويره، بحيث يبدو وكأنه خلاف فعلي بين طرفين متناقضين، بل إن الخلاف موجود داخل حوزة النجف وداخل حوزة قم»، مشيرا إلى أن «أصل الخلاف الفقهي هنا يتصل بالأحكام، أي بمعنى عملية النظر إلى الدليل، وبالتالي فإن هناك من يرى أن الذهاب إلى سوريا أمر جائز، ومنهم من يرى الأمر غير ذلك من باب أن نظام بشار الأسد جائر وظالم».

وأضاف الغرابي أنه «في داخل حوزة قم هناك من يرى ما يراه بعض فقهاء حوزة النجف وبالعكس»، مشيرا إلى أن «مرجعا كبيرا بحجم آية الله العظمى بشير النجفي اعتبر أن الحفاظ على المقدسات في سوريا في حال تعرضت إلى انتهاك لا يحتاج إلى إذن شرعي من الفقهاء». وأوضح أن «رؤية الفقهاء تقوم على الحكم وعلى الدليل، ولا شأن لها بمتغيرات السياسة، في حين يحلو للإعلام أن يصور ما يجري هناك على أنه قتال شيعي - سني، وهو أمر غير صحيح بالمرة».