أستراليا تشدد الخناق على المهاجرين بعد تزايد أعدادهم

خطة تقضي بعدم منح لاجئي القوارب أي إقامة ونقلهم إلى جزيرة بابوا غينيا الجديدة

أستراليون خلال تظاهرهم ضد السياسة الجديدة تجاه المهاجرين في ملبورون أمس وتبدو بينهم امرأة حاملة لافتة تنتقد «خطأ» رئيس الوزراء رود (أ.ف.ب)
TT

في خطوة تهدف للحد من أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى أستراليا على متن قوارب طلبا للجوء، تعهد رئيس الوزراء الأسترالي كيفين رود بعدم منح تصريح إقامة لأي شخص يصل إلى أستراليا عن طريق القوارب من دون تأشيرة.

وبموجب سياسة اللجوء الجديدة، سيتم إرسال جميع طالبي اللجوء المقبلين إلى أستراليا بالقوارب إلى مركز للاجئين في بابوا غينيا الجديدة، وهي أيضا من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، مثلها في ذلك مثل أستراليا. وإذا ما ثبت أن هؤلاء المهاجرين هم فعلا لاجئون حقيقيون، فسيتم توطينهم في بابوا غينيا الجديدة، ولكنهم سيتنازلون عن أي حق للجوء إلى أستراليا.

ويسافر الآلاف إلى إندونيسيا كل عام ويدفعون مبالغ مالية للمهربين لنقلهم في مراكب غير آمنة ومكتظة بالركاب إلى جزيرة كريسماس، وهي منطقة أسترالية نائية في المحيط الهندي وأقرب نقطة إلى إندونيسيا. يذكر أن أكثر من 600 شخص قد لقوا حتفهم في حوادث بحرية منذ أواخر عام 2009، ولم تنجح الحكومات الأسترالية المتعاقبة منذ أكثر من عقد من الزمان في إيجاد حل لتلك المشكلة.

وجاء إعلان رئيس الوزراء الأسترالي لهذا القرار في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه إندونيسيا أنها ستتوقف عن إصدار تأشيرات دخول للإيرانيين، الذين يستخدمون البلاد كنقطة عبور قبل طلب اللجوء في أستراليا. وقال وزير الخارجية الأسترالي بوب كار، الذي صرح في الآونة الأخيرة بأن الإيرانيين الذين يطلبون اللجوء عن طريق القوارب هم مهاجرون لأسباب اقتصادية، وليسوا لاجئين حقيقيين، قال في مقابلة الأسبوع الماضي إن أستراليا ستطلب من إندونيسيا إجراء تغييرات، مثل تلك التي تم الإعلان عنها، أول من أمس. ويوم الجمعة، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإندونيسية مايكل تيني أن يكون التغيير في مسألة تأشيرة الإيرانيين جاء نتيجة لطلب من كار.

واعترف رود، الذي سيدخل سباق انتخابات فيدرالية شرسة في غضون أسابيع، بأن الخطة التي أعلنها كانت قاسية، ومن المرجح أن تواجه طعونا قانونية، لكنه أشار إلى أنه كان لا بد من القيام بشيء لحماية أرواح اللاجئين، واستعادة سلامة حدود البلاد. وقال رئيس الوزراء الأسترالي في مؤتمر صحافي: «لقد رأى الأستراليون ما يكفي من الأشخاص الذين غرقوا في مياهنا الشمالية، ويوجد في بلادنا ما يكفي من المهربين الذين يستغلون اللاجئين ويتركونهم يغرقون في أعالي البحار. واعتبارا من اليوم، فإن طالبي اللجوء الذين يأتون إلى هنا على متن قارب دون تأشيرة لن يحصلوا على حق الإقامة في أستراليا».

ولا توجد قضية تشغل الساسة الأستراليين أكثر من قضية اللاجئين، ومن غير الواضح ما إذا كانت السياسة الصارمة التي يتبناها رود في الآونة الأخيرة سوف تحقق له أي مكاسب سياسية أم لا، ولكن الشيء المؤكد هو أن الرحلات البحرية القاتلة ما زالت مستمرة بالمعدل نفسه. وكانت الحكومة قد أعلنت، يوم الأربعاء الماضي، أن قاربا يحمل نحو 150 شخصا من طالبي اللجوء قد انقلب في المحيط الهندي، مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، كما قتل طفل رضيع في حادث مماثل قبل ذلك بأسبوع.

وبموجب ما يسمى بـ«حل المحيط الهادئ لرئيس الوزراء جون هوارد»، قبل نحو عقد من الزمان، تم نقل طالبي اللجوء إلى الدول الجزرية المجاورة مثل بابوا غينيا الجديدة وناورو بهدف إلغاء اللجوء إلى شواطئ أستراليا. وقد تم التخلي عن هذه السياسة، التي تعرضت لانتقادات لاذعة من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان، عندما أصبح رود رئيسا للوزراء للمرة الأولى عام 2007.

ولكن تغيير رود لهذه السياسة جاء بنتائج عكسية بشكل مذهل، مما أدى إلى ارتفاع عدد الوافدين من 161، عام 2008، إلى 11599 خلال الثلاثة أرباع الأولى من عامي 2012/ 2013، وهي آخر فترة تمت تغطيتها بإحصاءات رسمية. وكان غالبية المقبلين من أفغانستان وإيران وسريلانكا.

وفي عام 2012، قامت رئيسة الوزراء جوليا جيلارد بإعادة تطبيق حل المحيط الهادئ، وفتح مراكز الاحتجاز في الخارج في ناورو وجزيرة مانوس في بابوا غينيا الجديدة. ومع ذلك، لم يتمكن هذان المركزان من استيعاب التدفق المستمر للوافدين الجدد، وتواجه أستراليا نحو 20 ألف شخص يجب التعامل معهم الآن.

وشكك ديفيد مان، وهو محام بارز في مجال حقوق الإنسان نجح في إيقاف اقتراح مماثل عام 2011 لمعالجة مشكلة المهاجرين في ماليزيا، شكك في شرعية الخطوة التي أقدم عليها رئيس الوزراء الأسترالي يوم الجمعة، واصفا إياها بأنها «إلغاء أساسي للمسؤوليات في أستراليا»، ومحذرا في الوقت نفسه من أن المناورات السياسية المحلية لرود قد تكون من دون قصد سابقة تهدد الإطار العالمي لحماية اللاجئين. وقال مان في مقابلة شخصية: «لو لجأت الـ147 دولة الموقعة الأخرى للخطة نفسها، فهذا يعني انهيار إطار الحماية الدولية».

وأكد رود أنه لن يكون هناك سقف لعدد الأشخاص الذين يمكن إرسالهم إلى بابوا غينيا الجديدة، بموجب الاتفاق الجديد، ولكن سيتم إعادة النظر في تلك السياسة بعد عام واحد. ولم يتضح على الفور تكلفة بناء مرافق كافية في بابوا غينيا الجديدة، كما لم يفصح رود عن التكلفة التي ستتحملها أستراليا.

ونظرا لنجاح زعيم المعارضة توني أبوت في استخدام سياسات اللاجئين الفاشلة التي يتبعها حزب العمال الحاكم لانتقاد الحزب مع اقتراب موعد الانتخابات، فإن الحزب الحاكم سيضع العملية السياسية في الحسبان أكثر من الأمور المالية.

ويبدو أن سياسة اللجوء الجديدة ما هي إلا جزء من مجهود أكبر يقوم به رود لغلق النافذة التي يستغلها أبوت في شن هجوم على الحزب الحاكم قبل الانتخابات، حيث أعلن رود في وقت سابق من الأسبوع الحالي عن إلغاء برنامج أقرته رئيسة الوزراء السابقة جيلارد، ولا يحظى بشعبية كبيرة، وهو برنامج فرض ضرائب على انبعاثات الكربون، الذي كان يستخدمه أبوت أيضا لشن هجوم كبير على رود وحكومته.

ومع ذلك، عبر كثيرون عن استيائهم من الظروف في مخيم جزيرة مانوس، وسرعان ما أثار إعلان يوم الجمعة غضب الجماعات الحقوقية. وخلال الشهر الماضي، أصدر مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقريرا وصف الظروف هناك بأنها «دون المعايير الدولية اللازمة لاستقبال ومعاملة طالبي اللجوء»، مشيرا إلى ظروف المعيشة «القاسية» للرجال على وجه الخصوص.

وأصدر غرايم ماكغريغور، وهو منسق حملة اللاجئين التابعة لمنظمة العفو الدولية في أستراليا، بيانا قال فيه: «الخطط الجديدة لإعادة توطين جميع اللاجئين الذين ثبت أنهم لاجئون في بابوا غينيا الجديدة لم تظهر التجاهل التام للاجئين فحسب، ولكنها أظهرت أيضا ازدراء مطلقا للالتزامات القانونية والأخلاقية». وأضاف البيان: «سيذكر التاريخ أن هذا هو اليوم الذي قررت فيه أستراليا أن تدير ظهرها لأكثر الناس ضعفا في العالم، وأن تغلق الباب وترمي المفتاح بعيدا».

* خدمة «نيويورك تايمز»