مخاوف من قتال على أساس إثني بعد انقسام كتائب «الحر» بين الأكراد والإسلاميين

«صفقة تبادل» تطلق أمير «الدولة الإسلامية» مقابل 300 كردي «خطفوا على الهوية»

مقاتل من الجيش الحر يجهز قنبلة مولوتوف لرميها على الموالين للنظام في حلب أمس (رويترز)
TT

ارتفعت حدة التوتر بشكل غير مسبوق بين الأكراد السوريين والتشكيلات الإسلامية المعارضة، بعد اشتباكات عنيفة وعمليات خطف واسعة اندلعت إثر احتجاز الأكراد أمير دولة العراق والشام أبو مصعب، في حين يتخوف ناشطون منة مواجهات ذات طابع إثني بعد انقسام كتائب الجيش السوري الحر في المعركة للقتال إلى جانب الطرفين المتناحرين على قاعدة الانتماء.

وانتهت عمليات الخطف بصفقة تبادل عصر أمس، حسبما أكد لواء جبهة الأكراد لنصرة الشعب السوري على صفحته على «فيس بوك». وأعلن اللواء الكردي الذي يقاتل الإسلاميين في المنطقة الحدودية مع تركيا، عن إطلاق سراح أمير دولة العراق والشام أبو مصعب الذي قبض عليه السبت، مقابل الإفراج عن 300 مدني اختطفهم الإسلاميون يومي السبت والأحد. وأشار إلى سيطرة حالة من الهدوء في تل أبيض، على الرغم من وجود اشتباكات متقطعة بين الحين والآخر. وأوضح «لواء جبهة الأكراد لنصرة الشعب السوري» أن «من اعتدى على المدنيين في تل أبيض وقام بخطفهم هم من الدولة الإسلامية في العراق والشام، وليسوا جبهة النصرة».

وكان المرصد السوري أعلن إفراج لواء جبهة الأكراد عن أمير الدولة الإسلامية في العراق والشام، ونقل عن مصدر في اللواء قوله إن الإفراج جاء بعد وساطة من الكتائب المقاتلة في الجيش السوري الحر، على أن يتم الإفراج عن مئات المدنيين الأكراد الذين اعتقلتهم الدولة الإسلامية». وكان الأكراد اعتقلوا الأمير أبو مصعب مساء السبت، على خلفية الاشتباكات التي تدور بين الأكراد والإسلاميين منذ أيام.

وانضم لواء جبهة الأكراد الذي يقاتل قوات النظام تحت لواء الجيش السوري الحر إلى وحدات حماية الشعب (الكردية) المرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي في المواجهة المسلحة التي تخوضها منذ أيام ضد مقاتلي جبهة النصرة والدولة الإسلامية في مناطق من الحسكة والرقة. بينما انضم بعض عناصر الكتائب المقاتلة الأخرى إلى الإسلاميين في هذه المعركة.

ونفى المقاتلون الأكراد علاقة حزب العمال الكردستاني بالاشتباكات، وقال المتحدث باسم كتيبة «شيركو أيوبي» في تل الأبيض، أن ما جرى «كان لكسر إرادتنا ورفض مبايعة قيادة كتيبتنا للدولة الإسلامية في العراق والشام، وعندما رفضت قيادة كتيبتنا التسليم للدولة الإسلامية قاموا بالاعتداء على عناصرنا كما خطفوا المدنيين»، وأردف: «حاولنا تفادي الاشتباكات في تل الأبيض لأنها لا تخدم إلى النظام السوري».

وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أنه بعد اعتقال أبو مصعب، نشرت الدولة الإسلامية في العراق والشام عددا كبيرا من القناصة والمسلحين في المدينة، ووقعت اشتباكات تواصلت منذ ليلة السبت - الأحد، مما أدى لنزوح عدد كبير من العائلات بسبب العنف. وقال ناصر الحاج منصور عضو قيادة حركة المجتمع الديمقراطي التي يشكل حزب الاتحاد جزءا منها إن الاعتقالات التي طالت الأكراد «تمت على الهوية». وأبدى منصور تخوفه من استمرار تصعيد الوضع، محملا الدولة الإسلامية مسؤولية هذا التصعيد.

ويقيم في تل أبيض خليط من الأكراد والعرب والمسيحيين والمسلمين، وتتولى مجالس محلية إدارة المناطق الكردية في شمال سوريا منذ انسحاب قوات نظام الرئيس بشار الأسد منها في منتصف عام 2012. وأدرجت خطة الانسحاب من هذه المناطق في إطار رغبة النظام باستخدام قواته في معاركه ضد مجموعات المعارضة المسلحة في مناطق أخرى من البلاد، وتشجيعا للأكراد على عدم الوقوف إلى جانب المعارضين.

واخترقت تلك التطورات الميدانية مباحثات تجريها فعاليات سياسية من الأكراد لإعلان إدارة محلية مؤقتة في المنطقة الكردية خلال أشهر قليلة، تكون بمثابة إدارة حكم ذاتي بعيدا عن السلطة المركزية في دمشق. وتتهم فعاليات سياسية نافذة في المنطقة الإسلاميين بعرقلة قيام هذه الإدارة، على الرغم من أنه «لا نية عندنا لإعلان دولة ولا حكومة»، كما يقول المتحدث باسم حزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي) نواف خليل، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن وجود الجماعات الجهادية «يعيق قيام إدارة محلية كردية، كما يعيق تحويل الحياة السياسية المدنية». وأشار إلى أن القتال الذي انطلق الأسبوع الماضي بين الأكراد والإسلاميين في رأس العين، وفي بعض المناطق الكردية «يعود في بعض أسبابه إلى توجه لدى الأكراد لمنع إقامة إمارة إسلامية في مناطقهم، بينما كان يرغب الإسلاميون في منع الأكراد من إعلان إدارة محلية غير إسلامية».

وتمكّن مقاتلون أكراد، قبل ثلاثة أيام، من طرد مسلحي جبهة النصرة من مدينة رأس العين الحدودية مع تركيا بالكامل، بعد اشتباكات عنيفة قتل فيها 29 شخصا، وامتدت إلى تل أبيض ومناطق في محافظة الرقة.

ويعتزم الأكراد تشكيل إدارة محلية، واسعة النطاق. وأوضح خليل أنها «تمتد على مساحة 20 ألف كيلومتر مربع من عفرين في ريف حلب إلى منطقة الجزيرة شرق سوريا، وتضم جميع المناطق الكردية، بينها القامشلي والحسكة»، مشددا على أن المشروع «مؤقت»، وتحكم المنطقة من إدارة محلية إلى حين سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وإجراء انتخابات عامة في سوريا، مؤكدا أن هذا المشروع «لا يستثني أيا من المكونات الدينية والعرقية والإثنية في المنطقة الكردية، ويمنع الفتن والاقتتال الطائفي». وأضاف: «طرحنا المشروع للنقاش بين ممثلي التشكيلات والفعاليات الكردية في مناطق شمال سوريا التي لا يسيطر عليها النظام، وتتضمن اقتراحات بإجراء انتخابات لإدارات محلية، تجري لأول مرة في تاريخ المنطقة بغياب سلطة حزب البعث الحاكم».

لكن هذا الطرح، لم توافق عليه فعاليات سياسية عربية، إذ اعتُبر الأمر محاولة لعزل هذه المنطقة، الغنية بالنفط والثروات، عن سوريا. وهو ما ينفيه المتحدث باسم «بي واي دي»، معتبرا أن الحملة غير مبررة.

وقال خليل إن هذه المنطقة «تحتاج إلى إدارتها بغياب سلطة النظام السوري، وفي ظل محاصرتها من قبل النظام والمقاتلين الإسلاميين، وهي واحدة من أكثر المناطق غنى في سوريا». وأكد أن المباحثات لم تخرج بعد من إطار الفعاليات الكردية، لكنها «ستشمل جميع الفصائل والإثنيات والفعاليات السياسية والطائفية، على اختلاف تنوعها، وسيمثل الجميع في الإدارات المحلية».

ولفت إلى أن بعض المناطق «هي بحكم تنفيذ حكمها الذاتي، مثل منطقة تلكمر وغيرها التي يعيش فيها سريان وعرب وأكراد، بينما تعد وحدات حماية الشعب القوة العسكرية الشرعية الوحيدة في المدينة».