رغم تطور التعليم.. المدارس الأفغانية لا تزال تعاني بشدة

45% منها تعمل في مبان غير صالحة للاستعمال

TT

لا عجب في أن يكون عبد الواحد بهذا الجسم الهزيل، فبعد أن ينهي مناوبته في العمل الصباحي يسير عشرة أميال في طريق جبلي شمال أفغانستان إلى أن يبلغ الطريق الرئيس، حيث يلحق بالحافلة التي تقله الميلين الأخيرين من رحلته اليومية إلى معهد تدريب المعلمين في سالانغ. ثم يعود صاعدا الجبل عشرة أميال أخرى إلى المنزل الذي يصل إليه بعد حلول الظلام ليلقي بجسده النحيل على الفراش استعداد ليوم آخر.

يمثل عبد الواحد، 33 عاما، في إصراره على النجاح للعمل معلما في مدرسة، الكثير من المكاسب التي نالها المجتمع الأفغاني في السنوات الأخيرة، وقال: «إنه يستحق ذلك، فهذا مستقبلي». لكنه يمثل في الوقت ذاته الجهود التي لم تبذل بعد. يعمل عبد الواحد مديرا للمدرسة الثانوية في قريته أوناماك، وعلى الرغم من أنه لم يحصل إلا على شهادة الثانوية العامة، فإنه أفضل مدرس لدى طلابه الثمانمائة. ومن المعروف على نطاق واسع أن حرص الأفغان على تلقي تعليم جيد - والفرصة الحقيقية للحضور، خاصة الفتيات - كان أهم الأهداف منذ عقود. فيرى المسؤولون الغربيون، الساعون إلى إظهار الإرث الإيجابي لأكثر من عشر سنوات من الحرب والاستثمارات الضخمة في أفغانستان، أن التقدم في مجال التعليم يبعث على الارتياح.

أما بالنسبة لهؤلاء الذين يعملون على تحقيق ذلك (المسؤولون الأفغان المحليون وعمال الإغاثة والمعلمون والطلبة) فيبدون قلقا من أن كثيرا من الوعود بالتطوير لم تحقق، وأن المشكلات الرئيسة لم تجد حلا بعد.

وأشاروا في المقابلات، إلى ارتفاع معدلات التسرب، وإغلاق واسع النطاق للمدارس في بعض مناطق الصراع مع طالبان، وكذلك تردي الخدمة التعليمية لمن يتمكنون من العثور على مقعد في فصل. وباتت كثافة الفصول من السوء إلى درجة أن جميع المدارس تقريبا تعمل بنظام الفترتين، بل ويعمل البعض منها بنظام ثلاث فترات يوميا، مما يعني أن نصيب هؤلاء الطلاب في اليوم الدراسي ثلاث ساعات فقط. وكثير من الأطفال لا يذهبون إلى المدرسة. وأشارت تقديرات «اليونيسيف» في عام 2012 إلى أن واحدا من بين اثنين من الأطفال في سن المدرسة لا يلتحقون بالتعليم على الإطلاق.

ورغم الزيادة الواضحة والسريعة في نظام المدارس العام، كانت هناك تحديات متراكمة، خاصة الافتقار إلى السعة للعثور على مدرسين مؤهلين أو تدريبهم، وطباعة الكتب المدرسية، أو بناء ما يكفي من المدارس الآمنة.

ووفقا للإحصاءات التي جمعتها منظمة «اليونيسيف»، فإن 24 في المائة فقط من معلمي أفغانستان مؤهلون بموجب القانون الأفغاني، وهذا يعني أنهم أنهوا دورة تدريبية لمدة سنتين بعد الثانوية العامة. ففي كثير من المناطق الريفية، يقوم المعلمون الحاصلون على الشهادة الإعدادية في بعض الأحيان بالتدريس للطلاب في المراحل الثانوية.

أضف إلى ذلك أن خمسة وأربعين في المائة من بين 13.000 مدرسة في أفغانستان تعمل بمبان غير صالحة للاستعمال، تحت الخيام أو الأكواخ الصغيرة، أو حتى تحت فروع شجرة؛ في بلد التقلبات المناخية القاسية سواء في الشتاء والصيف، وهذا يعني غياب كثيرين عن أيام الدراسة.

كان نظام المدارس العامة الأفغانية قد توسع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، مدعوما بمساعدات دولية واسعة (فقدمت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وحدها 934 مليون دولار) لبرامج التعليم على مدى السنوات الـ12 عشرة الماضية، وفقا للوكالة الحكومية. ويصر وزير التربية والتعليم، فاروق وردك، على أن 10.5 مليون طالب مسجلين هذا العام؛ 40 في المائة منهم من الإناث، في زيادة ضخمة على أعداد الطلاب الذين كانوا مسجلين تحت حكم طالبان في عام 2001 والتي بلغت 900.000 دون أي فتيات على الأغلب.

تلك الأرقام يتم تداولها على نطاق واسع من قبل المسؤولين الأفغان والغربيين على أنها علامة على النجاح، ولكن هذه المزاعم تبدو صعبة على التصديق من قبل كثيرين هنا. فتحذر جنيفر رويل من منظمة «كير» الدولية، التي تجري دراسة حول التعليم في أفغانستان، من أن أرقام المسجلين ليست أرقام الحضور الفعلي.

وقالت إنه عندما حاولت مؤسسة «كير» الاتصال بمديري المدارس في جميع أنحاء البلاد، وذلك باستخدام قوائم جهات الاتصال التي تحتفظ بها وزارة التربية والتعليم «كان نصف إلى ثلاثة أرباع أرقام هواتف مديري المدارس ضائعة، أو أن الرجل الذي ننشده ترك عمله منذ سنوات».

وهذا يجعل من الصعب على وزارة التربية والتعليم القيام بأي عملية تسجيل ذات مغزى حول الانتظام في الدراسة الفعلية في جميع أنحاء البلاد. وبعيدا عن الالتحاق الأولي، يميل الطلبة في الأغلب إلى ترك الدراسة سريعا، وغالبا ما يتم ذلك خلال أسابيع قليلة من التحاقهم بالتعليم. ولا يتخرج سوى 10 في المائة من الطلاب، وفقا لإحصاءات هيئة المعونة الأميركية.

هذه الأرقام أكثر انخفاضا بالنسبة للفتيات، اللاتي تنقطع غالبيتهن عن الدراسة بعد الصف السادس أو التاسع، بعد البلوغ الذي يؤهلهن للزواج في العديد من المناطق. أما المدرسات فأعدادهن ضئيلة للغاية، وتبدي الأسر قلقا بشأن سلامة بناتها نتيجة للتهديدات المستمرة من طالبان ومعارضة بعض الشيوخ المحليين.

في الوقت ذاته، تبدي المدارس رغبة في تضخيم أعداد الطلاب المسجلين بها نظرا لأن تمويلها، الذي يأتي من كابل، يستند على التسجيل. وتشير سجلات وزارة التعليم إلى أن عدد الطلاب الدارسين في إقليم خوست شرقي أفغانستان الواقع على الحدود مع باكستان، بلغ العام الماضي 252.000 طالب، ولكن قمران خان قمر الذي يعمل في الإدارة التعليمية في إقليم خوست، قال إن تلك الأرقام مبالغ فيها إلى حد كبير.. «أعتقد أن عدد المسجلين الفعليين يقترب بالكاد من 20 إلى 25 ألف طالب هذا العام في الإقليم، على الرغم من ازدهار الطلب على التعليم».

ويقول قمران: «إن النقص في المعلمين حاد للغاية، حتى إن بعض المدارس تستأجر مدرسين تخرجوا من الصف السادس أو السابع فقط على الرغم من عدم قانونية ذلك».

وعلى الرغم من كل ذلك، فإنه حتى أولئك الذين يحذرون من أن إنشاء جودة تعليمية في البلاد مهمة لم تنجز بعد، يعترفون بالتطور الذي شهده مجال التعليم خلال العقد الماضي.

* خدمة «نيويورك تايمز»