البابا فرانسيس يحمل معه شحنات من الأمل إلى البرازيل

أظهر اهتماما عميقا بالفقر وقضايا الفروق الطبقية

محبو البابا فرانسيس خلال زياراته خارج الفاتيكان (واشنطن بوست)
TT

كثيرا ما اشتبك واحد من أشهر علماء الديانة المسيحية، وأكثرهم إثارة للجدل في أميركا اللاتينية، ليوناردو بوف، مع هيكل كنسي كاثوليكي وصفه بأنه استبدادي وغير متصل بهذه المنطقة. في كتبه، تناول عالم الدين البرازيلي عدم اهتمام الفاتيكان بدرجة كبيرة بنوع التحول الاجتماعي الذي يراه مطلوبا لرفع المعاناة عن الفقراء، وهو انتقاد أدى بالكاردينال جوزيف راتزينغر، الذي أصبح لاحقا البابا بنديكت السادس عشر، إلى تقريعه في عام 1985. إلا أن بوف، وهو قس فرانسيسكاني سابق، يستبشر أملا في البابا فرانسيس، الذي يصل البرازيل يوم الاثنين في أول زيارة رئيسة لبابا جديد نشط همم الكاثوليكيين هنا وفي المناطق الأخرى من أميركا اللاتينية.

«دائما ما يعود البابا فرانسيس إلى قضايا الفقراء»، هذا ما قاله بوف، 74 عاما، في مقابلة أجريت معه بعد كشفه عن كتابه الثاني والتسعين، الذي يركز على فرانسيس، ويطرح في عنوانه الفرعي تساؤل: «هل هو ربيع جديد للكنيسة؟».

يقول بوف، متحدثا عن تحول هيكلي يعتقد أن أميركا اللاتينية بحاجة إليه: «وقد قال: (إنكم لا تساعدون الفقراء من خلال الإحسان، بل بالعدالة الاجتماعية). والعدالة الاجتماعية تتطلب تغييرا في المجتمع». ويضيف: «هذا ليس شيئا عادة ما تسمعه من البابوات. إنهم يرغبون في أن يكونوا منعزلين وحياديين، ولكن ليس هو. إنه يتحدث من الأسفل كي يسمعوه جميعا».

وبمجيئه بعد بابا ألماني عرف بكونه مثيرا للقلاقل وعقائديا، أنتج فرانسيس – الأرجنتيني الذي أصبح في مارس (آذار) أول بابا من أميركا اللاتينية – مستوى من الحماسة والإثارة في المنطقة بأسلوبه المتواضع، المقترن بسلسلة من التصريحات والخطوات السياسية التي يتم تفسيرها باعتبارها إشارات دالة على تغيير محتمل في مؤسسة تحكمها التقاليد. يشكل ذلك أهمية على وجه الخصوص في البرازيل، حيث يعبر كثيرون عن حاجتهم إلى كنيسة تضطلع بدور أكثر نشاطا على المستوى الاجتماعي من أجل مخاطبة السخط الذي أدى إلى خروج مئات الآلاف من المتظاهرين، الذي يعتبر كثير منهم من الشباب الغاضب بسبب الفساد وتدهور الخدمات العامة، إلى الشوارع في عشرات المدن نهاية الشهر الماضي. وغادر البابا فرنسيس، أول حبر أعظم قادم من أميركا اللاتينية، روما بعيد الساعة التاسعة (7:00 بتوقيت غرينتش) أمس، متوجها إلى ريو دي جانيرو حيث سيترأس الأيام العالمية للشبيبة. ووصل البابا بمروحية إلى مطار فيوميتشينو في روما حيث استقبله رئيس الحكومة انريكو ليتا ثم استقل طائرة الإيرباص التابعة لشركة الطيران الإيطالية «اليتاليا» التي تقل 105 ركاب آخرين بينهم عدد كبير من الصحافيين. ووصل إلى ريو دي جانيرو عند الساعة 16:00 (19:00 بتوقيت غرينتش) أمس في رحلته الأولى إلى الخارج خلال ولايته الحبرية. وسيرأس البابا الأيام العالمية للشبيبة في ريو دي جانيرو التي من المتوقع أن يشارك فيها 1.5 مليون شاب سيأتون من جميع أنحاء العالم من 23 إلى 29 يوليو (تموز). ويقول ناس في الدولة إنهم قد لاحظوا التغييرات في روما، وكيف أن البابا قد آثر العيش في شقة متواضعة والسير وسط المخلصين في ميدان سان بطرسبرغ. إنهم جميعا على وعي أكيد بأنه في بيونس آيرس كان يستقل الحافلة ومترو الأنفاق ويطهي وجبات الطعام بنفسه ويزور «القرى البائسة»، الأحياء الفقيرة على أطراف المدينة. لقد سمع مواطنو أميركا اللاتينية أيضا البابا ينتقد بصراحة البخل والجشع والمادية. وأخبر المتحدث الرئيس باسم الفاتيكان، الأب فدريكو لومباردي، صحيفة «أو استادو»، يوم الجمعة، أنه قد يقول البابا المزيد خلال فترة إقامة مدتها سبعة أيام في البرازيل احتفالا باليوم العالمي للشباب، الذي من المتوقع أن يجذب مليون شخص إلى منطقة ريو دي جانيرو. وتحدث لومباردي إلى الصحيفة قائلا: «سوف تكون رسالة قوية جدا عن مسؤولية قيادة مجتمع عادل وإنساني ويقوم على التضامن ويحمل قيما للمستقبل، مخلفا وراء ظهره قمع الجشعين».

وأشار جوزيف بالاكيوس، وهو يسوعي سابق وخبير في العلاقة بين الدين والسياسة في أميركا اللاتينية، إلى أن هذا لا يعني أن فرانسيس مؤيد للنظرية التحررية، التي دافع عنها بوف في الثمانينات من القرن العشرين والتي مزجت في مراحلها المبكرة ما بين الماركسية وتعاليم الكنيسة التقليدية. غير أن بالاكيوس أشار إلى أن فرانسيس، بوصفه كاردينالا في الأرجنتين، أظهر اهتماما عميقا بالفقر وقضايا الفروق الطبقية، بينما تحول إلى الاتجاه الآخر حينما أصبح القساوسة الأرجنتينيون أكثر نشاطا على المستوى الاجتماعي. وذكر بالاسيوس أيضا أنه نظرا لكون البابا من أميركا اللاتينية فإنه يفهم أن رسالة «عنيفة ثقافية» لا يتردد صداها بين من يرغبون في رسول أكثر مباشرة، بل وحتى شعبيا». يقول بالاسيوس: «لدى الأميركيين اللاتينيين إيمان تجريبي. إنهم يعيشون الأمل في أسرهم وثقافتهم». ويضيف: «البابا فرانسيس يتحدث من القلب. إنه يتحدث من التجربة».

يصل البابا إلى دولة يمزقها تغير روحاني، تحدٍّ للفاتيكان، ولكن أيضا دولة تملك فرصا عظيمة للكنيسة. وتعتبر واحدة من الدول التي تضم أكبر عدد من المسيحيين الكاثوليك، حيث إن 123 مليون شخص من شعبها، أو نسبة 65 في المائة من البرازيليين، يعرفون أنفسهم على أنهم كاثوليك، بحسب إحصاء أجري في عام 2010. ولكن في عام 1960 أشار 93 في المائة إلى كونهم كاثوليك. وفي السنوات الأخيرة هرع كثيرون إلى كنائس إنجيلية وخمسينية وقد أصبح ملايين في مجتمع حضري مدفوع بالمستهلكين يطلقون على أنفسهم مسمى علمانيين.

تقول جيسيكا فاليرا، 22 عاما، وهي طالبة علم نفس بالسنة الثالثة بجامعة ريو دي جانيرو الفيدرالية، وتعتبر نفسها كاثوليكية نشطة: «غالبية كبرى هنا من الكاثوليك، أو يزعمون هذا، ولكن السواد الأعظم منهم لا يذهب بحق إلى الكنيسة. لذلك يتجه الناس إلى الإنجيليين أو البروتستانت، أو يبحثون عن شيء مختلف أو يمتنعون عن الذهاب إلى الكنيسة».