خبراء: الفصل بين الجناحين مفارقة.. وهدفه الضغط لثني حزب الله عن نشاطاته العسكرية

القرار يقوض أنشطة الحزب ويفرض قيودا على حرية التنقل وعقوبات مالية

TT

يطرح المتابعون لقرار الاتحاد الأوروبي إدراج حزب الله على لائحة الإرهاب الأوروبية، أسئلة عن كيفية التفريق بين جناحي حزب الله السياسي، والعسكري، في وقت لا يعرف المراقبون لحركة حزب الله السياسية والعسكرية، فصل الجناحين عن بعضهما، وهو ما أثار جملة استفسارات لدى المتابعين الذين قرأوا في القرار الأوروبي وسيلة للضغط على الحزب لإجباره على الالتزام بالعمل السياسي، والتراجع عن القتال في سوريا.

ويعتبر هذا القانون ملتبسا بالنسبة لمراقبين، يقارنونه بنظرة واشنطن إلى حزب الله التي لا تفرق بين جناحيه السياسي والعسكري. ويرى أستاذ القانون الدولي أنطوان صفير أن القانون الأوروبي كان مفارقة لناحية تخصيصه الجناح العسكري بالحزب وليس الحزب ككل. ويسأل صفير في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «من يقرر من هو سياسي في حزب الله، ومن هو العسكري؟ وما الدول التي ستدخله إلى منظومته الداخلية وكيف؟».

وتنعكس هذا الأسئلة على كيفية ترجمة هذا القرار، وآلية تطبيقه، علما بأن القرار لم تتضح بعد كيفية تطبيقه، إذ «لا يزال القرار إطارا يحتاج إلى قرارات تطبيقية لتنفيذه، لم تصدر بعد عن الاتحاد الأوروبي».

ويلتقي الخبراء اللبنانيون على طرح الأسئلة نفسها. ويقول أستاذ العلاقات الدولية والخبير في الشأن الأوروبي وليد عربيد، إن هذا القرار تسبب بلغط: «هل حزب الله حزبان، عسكري وسياسي؟» ويشرح عربيد أن الأوروبيين تفاوتوا بالرأي حول إدراج حزب الله، بين رأي هولندي لا يفرق بين الجناحين، ورأي بريطاني وفرنسي يفصل بينهما. ويرى أن هذا القرار «اتخذ بعد ضغوطات عانى منها الاتحاد الأوروبي من الولايات المتحدة وإسرائيل لضم الحزب إلى لائحة الإرهاب».

وينضم الحزب، بحسب عربيد، إلى 12 تنظيما على الأقل أدرجوا على لائحة الإرهاب الأوروبية، بينهم حركة حماس، وتنظيم آيرلندي، وآخر كولومبي، فضلا عن تنظيم القاعدة. كما يرى أن هناك التباسا في الموقف، إذ «تقتصر معرفتنا على قيادة حزب الله بمعرفة قيادته السياسية، أما القيادة العسكرية فليست معروفة، ولا نعرف ما إذا كان الجناح العسكري منفصلا عن القرار السياسي؟».

وخلافا لموقف الاتحاد الأوروبي، لا تفرق الولايات المتحدة بين جناحي حزب الله. وكان باتريك فونتريل المتحدث المساعد باسم الخارجية الأميركية أكد أن واشنطن تعتبر حزب الله منظمة «إرهابية» ولا تفرق بين الجناح العسكري والجناح السياسي فيه، مشيرا إلى أن «أذرع وفروع حزب الله لديها قيادة (واحدة) وأعضاء وتمويل مشترك تدعم كل الأعمال العنيفة للمجموعة».

ويختصر أمين عام حزب الله حسن نصر الله، الجناحين بتصريحاته، إذ يتحدث في القضايا السياسية، والمناورات والتحالفات والمشاركة بالحكومة والمجلس النيابي، كما يتحدث بالشأن العسكري، ويطلق التهديدات العسكرية للأعداء. وعلى غرار نصر الله، يتحدث نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم بالسياقين، كذلك رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين.

في القانون الدولي، بات كل ما يتعلق بالجناح العسكري لحزب الله، محظورا في دول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي، يقول صفير، «إذا ما ثبت أن شخصا يتبع الجناح العسكري المحظور لحزب الله، فإنه يمنع عليه التنقل في أوروبا، ويحظر من إجراء تحويلات مالية». ويشير إلى أن هذا القرار «يعني فرض قيود على حرية التنقل، وفرض عقوبات مالية وتجميد أرصدة مالية في المصارف الأوروبية، والحد من النشاطات التجارية ومنع التحويلات المالية».

ويمكن أن يتسع القرار، بحسب القانون الدولي، ليشمل دولا تتعاطى مع الجناح العسكري لحزب الله، ظهرت في السابق إشارات إليها مثل النظام السوري، بحكم قتال الحزب إلى جانبه ضد المعارضة، وإيران التي ترتبط بمصالح استراتيجية مع الحزب. ويتخوف مراقبون من أن ينعكس هذا القرار على ملاحقة الحكومة اللبنانية نفسها، ومصالح اللبنانيين في أوروبا، مثل منع أسفارهم إلى هذه الدول، وتجميد الحسابات المصرفية، وعدم التعاطي الاقتصادي معها، وعدم السماح لفتح فروع لشركات فيها.

ويوضح الخبير في القانون الدولي أنطوان صفير أنه «لم يتخذ قرارا تطبيقيا للقرار لنعرف من يمكن أن يلاحق، لكن إذا زادت العقوبات، ستصل إلى الدول التي تتعاون مع هذا الجناح»، من غير أن ينفي إمكانية إلحاق الحكومة اللبنانية بها.

وتبرئ الحكومة اللبنانية العمل العسكري لحزب الله ضد إسرائيل، فيما يدين رئيسها نجيب ميقاتي، كما الرئيس اللبناني ميشال سليمان، مشاركة الحزب في القتال في سوريا. وأصدرت الحكومات اللبنانية في بياناتها الوزارية، منذ عام 1996، تأييدا لأعمال حزب الله العسكرية المقاومة في جنوب لبنان. وقد لحظ البيان الوزاري لعدة حكومات سلاح حزب الله، كما ورد في البيان الوزاري لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي في عام 2005 أن «المقاومة اللبنانية وسلاحها هما تعبير صادق وطبيعي عن الحق الوطني للشعب اللبناني في الدفاع عن أرضه وكرامته في مواجهة الاعتداءات والتهديدات والأطماع الإسرائيلية، من أجل استكمال تحرير الأرض اللبنانية». أما في البيانات الوزارية للحكومات الأخرى، فقد اعتمدت عبارة «جيش وشعب ومقاومة».

وكان لافتا بالنسبة إلى عدد كبير من المراقبين، تمايز الموقف الفرنسي والبريطاني، وبعض الدول الأوروبية عن سواها. ويقول عربيد، الأستاذ السابق في معهد الدراسات الدبلوماسية في باريس، إن هذه الدول «لديها مخاوف من انعكاسات إدراج الحزب على قوات حفظ السلام الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، من الناحية الأمنية». ويشير إلى أن السؤال الذي تطرحه الدول الأوروبية المشاركة في بعثة اليونيفيل في معقل حزب الله في الجنوب، هل ستتخذ إجراءات ضد قوات حفظ السلام القادمة من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا؟».

وتشارك أوروبا بالحصة الأكبر من القوى العسكرية التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان، والبالغ عددها 15 ألف جندي. وتعتبر البعثة الإيطالية والإسبانية والفرنسية، من أكبر البعثات الأوروبية في جنوب لبنان، وقد تعرضت لعدة احتكاكات مع المدنيين من سكان الجنوب، أدت إلى اشتباكات بالأيدي بين الجنود والأهالي.

أمام هذه الهواجس، يرى عربيد أن «القرار يستخدم للضغط على حزب الله للعودة إلى الساحة اللبنانية كطرف سياسي يمثل شريحة واسعة من اللبنانيين»، كما يهدف، «إلى حث الحزب على التفاعل مع الأفرقاء اللبنانيين لإيجاد حكومة في البلد، والتراجع عن القتال في سوريا، ويتخلى عن العمل العسكري لصالح العمل السياسي». ويعرب عربيد عن اعتقاده أنه لا مصلحة لفرنسا أن تربطها علاقة ملتوية مع حزب الله، خصوصا بعدما قدمت الدولة اللبنانية دفاعا دبلوماسيا وقانونيا عن الحزب، لافتا إلى أن الضغوط التي تعرض لها الأوروبيون، دفعتهم لاتخاذ قرار، يحفظ ماء الوجه أمام اليونيفيل من جهة، وأمام الولايات المتحدة من جهة أخرى.

وكان الرئيس اللبناني قد كلف وزير الخارجية عدنان منصور، الخميس الفائت، بالطلب إلى ممثل لبنان لدى الاتحاد الأوروبي وإبلاغ المفوضية العامة للاتحاد والدول فيه إبلاغ الحكومة اللبنانية عدم إدراج حزب الله، وهو مكون أساسي من مكونات المجتمع اللبناني، على لائحة الإرهاب، خصوصا إذا اتخذ القرار بصورة متسرعة، ومن دون الاستناد إلى أدلة موضوعية ودامغة.