باريس وأبوظبي توقعان عقد «عين الصقر» الدفاعي بقيمة نحو مليار دولار

وزير الدفاع الفرنسي خلال لقائه وولي عهد أبوظبي أمس («الشرق الأوسط»)
TT

بعد ست سنوات من الانتظار، وقعت فرنسا والإمارات العربية المتحدة أمس على عقد دفاعي بالغ الأهمية من الناحية العسكرية ومتميزا من الناحية التكنولوجية، يهدف لإطلاق قمرين صناعيين يستطيعان نقل صور دقيقة لكل أرجاء العالم، بحضور وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان وولي عهد أبوظبي وقائد القوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد ووزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد.

وبموجب العقد الجديد الذي تزيد قيمته على 700 مليون يورو، (900 مليون دولار) ستقوم مجموعتا «إستريوم» و«طاليس ألينيا سبيس» الفرنسيتان الأوروبيتان بتصنيع قمرين صناعيين للأغراض العسكرية بالغي الدقة من طراز «هليوس»، سيوضع القمران في مدار قطبي حول الأرض على علو 700 كلم بحيث يستطيعان نقل صور دقيقة عن كل مناطق العالم.

وقال لودريان لـ«الشرق الأوسط»، خلال رحلة العودة من أبوظبي إلى باريس أمس، إن العقد «يعكس درجة الثقة التي وصلت إليها العلاقات الاستراتيجية بين البلدين»، مضيفا أن العقد يحمل في طياته معنيين: الأول عسكري والآخر سياسي. وبحسب لودريان، فإن العلاقات مع الإمارات «تعود إلى تأسيس الدولة لكنها عرفت في السنوات الأخيرة مرحلة من التعقيدات ولذا فإن العقد الجديد الموقع يشكل إشارة ذات معنى للتعاون الثنائي على المستويين الاستراتيجي والصناعي». ويؤكد لودريان أنه «ليس فقط مجرد بيع قمرين صناعيين لزبون بل إنه انطلاقا من الإمكانيات الاستعلامية الكبيرة والصور التي يوفرانها يؤسس للتعاون في ميدان استغلال واستخدام الصور وبالتالي يفتح بيننا صفحة جديدة».

وقالت مصادر دفاعية فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، إن «باريس لا تبيع هذه التكنولوجيا لأي زبون بالنظر لحساسية الصور بالغة الدقة التي يمكن أن يلتقطها القمران». وأضافت هذه المصادر أن القمرين اللذين سيطلقان من قاعدة كورو في غويان الفرنسية بعد خمس سنوات يتمتعان بمدة عمرية تصل إلى عشر سنوات. ويذكر أن الإمارات هو البلد الخليجي الوحيد الذي وقع حتى الآن عقدا من هذا النوع. وكان مجلس التعاون الخليجي قرر شيئا مشابها قبل سنوات. لكن المشروع لم ير النور.

وبموجب العقد ستقوم المجموعتان بتصنيع القمرين وإطلاقهما وبناء محطة تحكم وتلق أرضية فضلا عن إعداد وتأهيل عشرين من المهندسين الإماراتيين.أما على المستوى الرسمي، فإن الطرفين وقعا اتفاقية يقوم بموجبها عسكريون فرنسيون بمساعدة زملائهم الإماراتيين على «تفسير» الصور الملتقطة وعلى تبادلها.

وينص أحد البنود السرية على التزام أبوظبي بعدم «تصدير» الصور «الحساسة» لأطراف رفضت المصادر الفرنسية تحديد هوياتها بدقة. ولم يكن الحصول على العقد أمرا سهلا بالنسبة لوزارة الدفاع والصناعيين الفرنسيين بسبب المنافسة القوية من شركات دولية أهمها الشركة الأميركية «لوكهيد مارتن».

وتعتبر باريس أن «عهدا جديدا» قد بدأ مع أبوظبي. وترتبط العاصمتان بمعاهدة دفاعية فيما عمدت فرنسا عام 2009 إلى إقامة قاعدة عسكرية لأسلحة الجو والبحر والبر قريبا من العاصمة الإماراتية الأمر الذي اعتبر حينها تعبيرا عن «التزام» فرنسي بأمن الإمارات وباستقرار الخليج. بيد أن ذلك لم يترجم عقودا دفاعية لفترة طويلة بسبب ما اعتبرته أبوظبي «ضغوطا» من السلطات الفرنسية السابقة لدفعها لشراء معدات وأسلحة فرنسية. وبعكس «المنهجية» السابقة، فإن وزير الدفاع الحالي حريص على التأكيد على طريقة عمل مختلفة تماما تقوم على «الاستماع» لما يريده الشريك الإماراتي وإبداء الاستعداد للاستجابة لطلباته. ويركز لودريان على عامل «الثقة» وعلى العلاقات الشخصية التي يمكن أن تسهل التعامل. وبالنسبة لباريس، فإن الإمارات «ليست زبونا بل شريكا» على المستويات الاستراتيجية والدفاعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

ويرى وزير الدفاع الفرنسي أن ما يحتاج إليه البلدان هو «حوار صريح يحترم فيه كل طرف الطرف الآخر ومصالحه» مضيفا أنه «لم يأت إلى الإمارات حاملا لائحة بما يريد تسويقه من أسلحة ومعدات عسكرية». وخلال 14 شهرا، زار لودريان أبوظبي أربع مرات. وبداية العام الحالي، قام الرئيس فرنسوا هولند بزيارة الإمارات رسميا.

وتطمح باريس لبيع الإمارات ما مجموعه 60 طائرة «رافال» التي لم تجد حتى الآن زبونا خارجيا لها. وحول هذا المشروع القديم الجديد، تبدو المنافسة أكثر شدة بين الطائرة الفرنسية وبين طائرة «يوفايتر» البريطانية الأوروبية وطائرة «إف 16» الأميركية. وقالت مصادر دفاعية فرنسية أن ثمة أربعة عوامل ستحدد مصير العقد المنتظر وهي: الميزات الفنية والعسكرية، الكلفة، العلاقات السياسية المصاحبة وأخيرا الاستجابة لطلب الزبون لجهة نقل التكنولوجيا والأوفست. كذلك تحتاج الإمارات لردارات إضافية للرقابة الجوية ولناقلات جند مصفحة كما أنها تسعى لتعزيز بحريتها وكلها قطاعات تعتقد باريس أن لها القدرات التي تمكنها من الاستجابة لحاجات أبوظبي.

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لـ«الشرق الأوسط» إن «رغبة أبوظبي في الحصول على قمرين عسكريين للمراقبة الأرضية لا يمكن فصلها عن المعطى الاستراتيجي الإقليمي وحالة عدم الاستقرار التي تهدد المنطقة». وجدير بالذكر أن أبوظبي زبون «تقليدي» للصناعات الدفاعية الفرنسية الجوية والأرضية منذ زمن رئيس دولة الإمارات السابق الشيخ زايد بن سلطان. ولا تستبعد باريس أن تكون الإمارات راغبة في الحصول على الطائرات الجديدة التي يفترض أن تبدأ بالحلول محل طائرات الميراج التي تملكها حاليا، «لأسباب سياسية ودفاعية على السواء» من مصدرين اثنين أوروبي وأميركي.

وفي أي حال، فإن العقد الجديد يأتي في وقته إذ إن تقريرا لوزارة الدفاع الفرنسية يفيد أن المبيعات الدفاعية الفرنسية لعام 2012 تراجعت بما نسبته 26 في المائة وأن فرنسا فقدت موقعها الرابع لصالح إسرائيل لتصبح في المركز الخامس بعد الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا. ويعزو التقرير هذا التراجع لازدياد المنافسة الأميركية حيث تسعى شركات الدفاع للتعويض عن تراجع الأسواق الداخلية ولوصول منافسين جدد مثل الصين وكوريا الجنوبية وتركيا والبرازيل التي تسعى لاقتطاع حصص لها على حساب كبريات الدول.