استنفار سياسي في لبنان لتطويق تداعيات قرار أوروبا بشأن حزب الله

بري يطالب «الاتحاد» بالتراجع.. و«المستقبل» يدعو الحزب لسحب مقاتليه من سوريا

TT

لم يلق قرار الاتحاد الأوروبي إدراج الجناح العسكري لحزب الله على قائمته للمنظمات الإرهابية، ترحيبا من المسؤولين اللبنانيين الذين انقسموا بين مندد بالقرار مثل رئيس البرلمان نبيه بري، ومتخوف من انعكاساته على سمعة اللبنانيين ومصالحهم الحيوية، مثل «تيار المستقبل».

وقابل هذا الاستنفار السياسي اللبناني، تطمينات أوروبية، صدرت عن سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى لبنان أنجلينا إيخهورست، بتأكيدها «إننا سنعمل مع الحكومة التي تمثل جميع الأفرقاء، حتى لو كان حزب الله فريقا فيها». وأكدت بعد لقائها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، عدنان منصور، للبحث في القرار: «إننا نفرق بين الجناحين العسكري والسياسي، ونحن لا نتحدث عن أشخاص، بل عن الجناح العسكري». وبعثت إيخهورست برسائل تطمين إلى اللبنانيين، على خلفية إعراب وزير الخارجية عن قلق لبنان من القرار، إذ أكدت أن «الاتحاد الأوروبي يدعم الحوار بين جميع الأفرقاء في لبنان»، مضيفة: «سنستمر في الدعم». وأعربت عن أملها أن «يؤدي هذا الحوار إلى الاستقرار في لبنان»، لافتة إلى «إننا سنعيد النظر في هذا القرار كل 6 أشهر». وشددت على أنه «ستبقى علاقتنا بكافة الأفرقاء في لبنان عميقة، ونتمنى له الاستقرار والازدهار». كما أعلنت أن «عمل الـ(يونيفيل) والتنسيق مع الأفرقاء سيستمر».

ولاقى قرار الاتحاد الأوروبي، أمس، استنكارا وإدانة من مسؤولين لبنانيين، إلى جانب إدانة حزب الله له. واعتبر رئيس مجلس النواب، نبيه بري، أن «هذا القرار في توقيته ومضمونه واستتباعاته يعبر عن استخفاف بالعدالة التي لم تواكبها أي جهة قضائية بإصدار اتهام صريح، كما يشكل خدمة مجانية لإسرائيل». ورأى بري أن «التلطي الأوروبي خلف هذا القرار وإصداره بالترافق مع قرار باستثناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية من اتفاقات التجارة الحرة، أمر لا يمكن أن يقع في المقارنة، ولا أن ينزه الموقف الأوروبي الذي كان في موقع الانحياز أو التستر على الجرائم الإسرائيلية المستمرة ضد لبنان وفلسطين».

وانضم بري إلى الرئيس اللبناني بمطالبته الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر في القرار، إذ دعا إلى «التراجع عن قراره وإجراءاته لأنها ستطال دون شك، جميع اللبنانيين ومصالحهم في أوروبا، إضافة إلى التشويش على علاقات الجوار العربية - الأوروبية وخصوصا اللبنانية، وسيعطل الشراكة الأوروبية مع بلداننا، وستعرض الوضع اللبناني الهش لمزيد من التوتر والاضطراب والقلق».

ويؤمن المهاجرون اللبنانيون في العالم، قسما كبيرا من القدرة الشرائية اللبنانية، وتستقبل فرنسا، وحدها، أكثر من 60 ألف مهاجر لبناني، بينما يعمل الآلاف غيرهم في مدن ودول أوروبية. وتخوفت كتلة «المستقبل» النيابية، أمس، من أن يطال هذا القرار، بتداعياته، سمعة اللبنانيين ومصالحهم.

وأبدت كتلة «المستقبل» «أسفها وقلقها الشديدين» من القرار، داعية حزب الله إلى «العودة إلى التزام الثوابت الوطنية المتمثلة بالدولة وبمرجعيتها واحترام مؤسساتها وقرارات الشرعية الدولية وحصرية السلاح واستعماله في الدولة اللبنانية والالتزام بإعلان بعبدا». وقالت الكتلة، في بيان، إن ذلك يتحقق من خلال «سحب كل المقاتلين وفرق الميليشيا من سوريا، وتسليم المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري، من قبل المحكمة الخاصة بلبنان إلى العدالة الدولية، ووقف كل الأعمال والأنشطة والتورطات الأمنية والعسكرية الخارجية». وأعربت الكتلة عن اعتقادها أنه «كان بإمكان حزب الله تجنب الوصول إلى ما وصلت إليه الأمور»، مضيفة أن الحزب «تحول من سلاح مقاوم إلى ميليشياوي مخالف للدستور وللقوانين اللبنانية، ويهدد النسيج الوطني والتماسك الداخلي».

ويبدو الاستنفار السياسي اللبناني مؤشرا على محاولة حصر تداعيات القرار داخليا وخارجيا. وبات واضحا أن انعكاساته على الداخل، تتمثل في التأثير على مصالح اللبنانيين، وعلى الأمن والاستقرار الداخليين. ويرى سفير لبنان السابق في واشنطن، سيمون كرم، أن اللبنانيين «وقعوا بين مطرقة الحزب وسندان القرار». ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «اللبنانيين حاولوا تجنب التداعيات والتخفيف من وقع القرار، عبر محاولة إقناع حزب الله بالعودة عن التشدد في مواقفه تجاه لبنان وسوريا، لكن تلك المحاولات لم توصل إلى نتيجة». ويشير إلى أن «هذا المأزق، وقع فيه جميع اللبنانيين، وليس حزب الله وحده، لأن تشدد الخارج مع حزب الله سينعكس عليهم».

ومن الناحية الأمنية، يقول كرم إن «الحاجز العسكري والأمني والسياسي الذي وضعته الـ(يونيفيل) أمام حزب الله وعملياته العسكرية في الجنوب منذ عام 2006، حقيقي وقائم ومتماسك إلى حد كبير»، لافتا إلى أن وجود هذه القوات «منع التدهور الأمني الحدودي، الذي قد يتحقق إذا أثر القرار على وجود الـ(يونيفيل) في الجنوب».

ولم ينف كرم أن «الحزب مستفيد بشكل كامل من الهدوء على الحدود، ما خوله توجيه قدراته السياسية وإمكاناته العسكرية إلى الداخل اللبناني وإلى سوريا، علما بأن هذا الواقع محل شكوى بالنسبة للبنانيين». وأكد أن «أكثر المخاوف تتمحور حول هذه النقطة، لأن القرار الدولي 1701 ضمانة للاستقرار على الحدود، وفرها وجود الـ(يونيفيل)».

وأضاء النائب بطرس حرب على هذه النقطة، باعتباره أن «قرار الاتحاد الأوروبي لا يساعد اللبنانيين على تخطي المشكلات الإقليمية والداخلية التي يواجهون، بل سيؤدي إلى المزيد من التعقيدات التي نحن في غنى عنها». ورأى أن القرار «بمثابة إنذار وتحذير لحزب الله أكثر مما هو قرار ذو نتائج فاعلة على الحزب ونشاطه»، وجاء «ردا على مشاركة حزب الله في الحرب في سوريا».

وحذر من أن «التعاطي بخفة مع هذا الموقف الدولي الخطير سيؤدي إلى تعريض السلام في لبنان بالنظر للانعكاسات المحتملة لأي خلاف بين الحزب والاتحاد الأوروبي، ولا سيما على صعيد أمن الحدود الدولية بالنظر للموقف الذي يمكن أن تتخذه الدول الأوروبية المشاركة في قوات حفظ السلام الخاضعة عمليا لسطوة إسرائيل من جهة وحزب الله من جهة ثانية، التي تشكل منطقة أمان عازلة على الحدود اللبنانية، بالإضافة إلى الانعكاسات على صعيد العلاقات الدولية والسياسية للبنان كما على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي للبنان».

في المقابل، أبدى رئيس تكتل «التغيير والإصلاح»، النائب ميشال عون، ذهوله من القرار «لما فيه من تناقض مع شرعة الأمم المتحدة حول الدفاع عن النفس وتحرير الأرض»، معتبرا أنه «كنا نتمنى من دول الاتحاد الأوروبي أن تدعمنا في تحرير أرضنا، لا أن تتهم المقاومة بالإرهاب بناء على ادعاءات كاذبة».