المعارضة الموريتانية تهدد بمقاطعة الانتخابات التشريعية.. وتتوعد بإفشالها «سلميا»

قيادي في الحزب الحاكم: الأزمات السياسية تحل ديمقراطيا عن طريق الاحتكام إلى إرادة الناخب

TT

في ظل المساعي الحثيثة للجنة الموريتانية المستقلة للانتخابات من أجل تنظيم الانتخابات التشريعية والبلدية ما بين شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (كانون الأول) المقبلين؛ لا تزال الساحة السياسية في موريتانيا تشهد تجاذبا قويا بين معارضة تصف الانتخابات بالأحادية وترفض المشاركة فيها دون توفر بعض الشروط؛ وموالاة تتهم المعارضة بالخوف من صناديق الاقتراع لأنها ستظهر حجمها الحقيقي؛ وبين هذا وذاك تلتزم الحكومة الموريتانية الصمت فيما يرى البعض أن قرارات اتخذتها أخيرا أظهرت إصرارها على تنظيم الانتخابات قبل نهاية العام الحالي.

منسقية المعارضة الديمقراطية التي تضم أحد عشر حزبا سياسيا وتطالب برحيل نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز؛ أصدرت في أكثر من مرة وثائق وضعت فيها شروطا اعتبرتها ضرورية لضمان شفافية ونزاهة وحيادية الانتخابات؛ ولكنها حتى الآن لم تصدر موقفا مشتركا يؤكد أو ينفي مشاركتها في الانتخابات، مما جعل بعض المراقبين يتحدث عن خلافات داخل هذه الأحزاب.

وقال الصحافي الموريتاني محمد سالم ولد الشيخ لـ«الشرق الأوسط»، إنه «رغم غياب أدلة قوية تؤكد هذا الخلاف الداخلي بين زعماء وقادة منسقية المعارضة، إلا أن هنالك بعض المعطيات التي تؤكد إمكانية بروز هذه الأدلة إلى العلن مع اقتراب الانتخابات، وهو ما قد ينتهي بالطلاق السياسي». وأضاف: «عندما نعود إلى التاريخ القريب نجد أن هذه الأحزاب التي اجتمعت أول مرة على رفض انقلاب 2008، ثم عادت لتجتمع لمعارضة الرئيس ولد عبد العزيز بعد نجاحه في انتخابات 2009؛ انقسمت أكثر من مرة منذ 2008؛ وكانت الانتخابات دوما عاملا من عوامل تفجير تحالفاتها».

ونفى رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض، محمد ولد مولود، بشدة وجود أي خلافات داخل منسقية المعارضة؛ وقال، إن «منسقية المعارضة الديمقراطية ستبقى موحدة في خيار مقاطعة الانتخابات ما لم تتوفر الشروط الضامنة لنزاهة وحياد وشفافية الانتخابات»، مضيفا أن «الشائعات التي تتحدث عن انقسامات المنسقية لا أساس لها من الصحة».

وقال ولد مولود، إن «موقف المنسقية موحد وتركيزها منصب على مساعي النظام القائم نحو تنظيم الانتخابات التشريعية والبلدية بطريقة أحادية»؛ وأكد أن «جميع أحزاب المنسقية ستبذل كل ما في وسعها لإفشال هذه الانتخابات بطريقة سلمية».

وذكر ولد مولود، الذي يتزعم أحد أبرز أحزاب المعارضة الراديكالية في البلاد، أن «نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز يسعى لتنظيم هذه الانتخابات من طرف واحد، مما يجعلها فاقدة للمصداقية ومرفوضة بشكل تلقائي لأنها لن تؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، مما يضعها على حافة الانهيار».

وفي هذه الأثناء اعتبر مسؤول السياسيات في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، محمد محمود ولد جعفر؛ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «منسقية المعارضة برفضها للانتخابات وإصرارها على رحيل النظام تسعى جاهدة إلى افتعال أفق غير ديمقراطي في البلد؛ في وقت تدعو فيه الأغلبية لتحيكم إرادة الناخب من خلال الاستحقاقات المقبلة».

وانتقد مسؤول السياسيات في الحزب الحاكم دعوة المعارضة إلى رحيل النظام، وقال إنها تقليد ومحاولة لإسقاط الربيع العربي على موريتانيا؛ وزاد قائلا: «على المعارضة أن تراجع بصفة نقدية هذه المواقف، خصوصا أن المقاربة التي قدمتها في الحالة الموريتانية كانت مستغربة، فعلى الأقل بلدان الربيع العربي شهدت ثورات كردة فعل على واقع من الحرمان والقصور الكبير في مجال الحريات وغياب الديمقراطية، وهي أمور بعيدة عن الحالة الموريتانية».

وعد ولد جعفر النخبة الحاكمة في موريتانيا بأنها استطاعت من خلال الحوار أن تعزز مناخ التداول السلمي على السلطة؛ مشيرا إلى أن «خيار الحوار والتداول السلمي على السلطة، أفضل ألف مرة من الخيارات المجهولة التي تسعى إليها بعض الأطراف؛ خاصة في ظل الفشل الذريع للربيع العربي في بلدانه الأصلية، إضافة إلى ما يحمله من مخاطر على بلدنا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الواقع الإقليمي، وطبيعة التحديات التنموية والأمنية».

وخلص مسؤول السياسيات في الحزب الحاكم إلى القول إن «مسعى الإخوة في المنسقية إلى افتعال أفق آخر، هو مسعى غير موفق وغير وارد ويحمل من المخاطر الكثير بالنسبة للبلد، وذلك ما جعلنا في الأغلبية نتصدى له بكل حزم».

وأضاف ولد جعفر: «هنالك انتخابات مقبلة، ونحن مستعدون لمناقشة كل مقترح من شأنه أن يعزز من نزاهتها وشفافيتها وحيادها، أما أن يكون الأمر يتعلق بتأجيلها إلى ما لا نهاية، فذلك ما نرفضه لأنه سيفاقم الأزمات في البلاد»، مشيرا إلى أن «الأزمات السياسية تحل ديمقراطيا عن طريق الاحتكام إلى إرادة الناخب، وهذه الانتخابات فرصة سانحة لحسم التجاذبات السياسية القائمة بصفة ديمقراطية ومتحضرة ومن ينال ثقة الشعب ينبغي على الجميع أن يحترمه، وأن يمارس حقه في القيام بالمسؤولية التي خولها له الشعب الموريتاني».

ويأتي إصرار حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم على تنظيم الانتخابات في موعدها رغم تهديد منسقية المعارضة بمقاطعتها، بعد اكتمال تطبيق نتائج حوار وطني نظم سنة 2011، ما بين الأغلبية الحاكمة والحكومة وكتلة المعاهدة من أجل التناوب السلمي التي دخلت في الحوار بعد انشقاقها عن المنسقية التي قاطعت الحوار مطالبة برحيل النظام.

وفي غضون ذلك، تتواصل الاتصالات ما بين الحكومة وكتلة المعاهدة من أجل الإشراف على التحضير الجيد للانتخابات المقبلة؛ ولكن بعض قادة المعاهدة انتقدوا في الآونة الأخيرة أداء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات خاصة فيما يتعلق بتنظيم الإحصاء الإداري ذي الطابع الانتخابي، الذي سيمكن من وضع لائحة انتخابية على ضوئها سينظم الاقتراع.

وقال رئيس حزب الصواب المنضوي في كتلة المعاهدة من أجل التناوب السلمي، عبد السلام ولد حرمه، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «الفترة الزمنية التي خصصتها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات لتنظيم الإحصاء الإداري ذي الطابع الانتخابي غير كافية، حيث لا تتجاوز شهرا ونصف الشهر»؛ مشككا في إمكانية إنهاء الإحصاء الإداري في هذه الفترة، ومن ثم اللائحة الانتخابية، خصوصا أن سحب البطاقة الوطنية ضعيف؛ وبالتالي نرى أن اللجنة لم تتخذ كامل الاحتياطات لحماية هذا القرار من المخاطر الكبيرة التي تهدد إمكانية إنجازه في الآجال المحددة.