هولاند يعيد طرح مشروع إقامة ممرات آمنة ويتحاشى تفاصيل التسليح أثناء لقائه وفد المعارضة السورية

الائتلاف يفشل في توفير الضمانات التي يريدها من باريس.. ويتجه لاجتماعات في الأمم المتحدة تحضرها موسكو

TT

وصف رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض نتائج اجتماعه والوفد المرافق له مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وهو أول رئيس غربي يلتقيه منذ انتخابه في منصبه الجديد، بأنها «مثمرة وإيجابية»، لأنه سمع منه «كل خير للشعب السوري» و«ما يثلج الصدر في موضوع الإغاثة والممرات الإنسانية ودعم الائتلاف السياسي الكامل في أوروبا والأمم المتحدة ومجلس الأمن وكل المحافل».

بيد أن أحمد عاصي الجربا لم يشر للطلب الأساسي الذي جاء به إلى باريس وهو الحصول، إلى جانب الدعم السياسي والإنساني، على أسلحة نوعية للجيش السوري الحر الذي مثله في الاجتماع رئيس الأركان اللواء سليم إدريس، تمكنه من «إعادة التوازن الميداني»، وتاليا الذهاب إلى مؤتمر «جنيف 2» من موقع قوة. لكن علم أن وفد المعارضة «أثار» حاجة الجيش السوري الحر إلى التسليح الحديث الذي يعتبره ضروريا لمواجهة النظام والقوى التي تدعمه.

وفي لفتة ذات معنى، رافق الرئيس هولاند رئيس الائتلاف للتحدث إلى الصحافيين إلى ساحة قصر الإليزيه للتحدث إلى الصحافة عقب انتهاء الاجتماع، وليؤكد أن بلاده تسعى لتحقيق هدفين اثنين في ما يخص الملف السوري، أولهما دعم الائتلاف حتى يتمكن من «تمثيل كل القوى الديمقراطية في سوريا»، وثانيهما الاستمرار في ممارسة الضغط السياسي والعسكري «الذي هو من مسؤولية الائتلاف وجيشه»، لإنجاح مؤتمر «جنيف 2». وأكد هولاند أن باريس «تريد دعم ومواكبة الائتلاف وتوفير كل العناصر التي تمكنه من الذهاب إلى المؤتمر في أفضل الظروف». وفي باب تفاصيل الدعم، أشار الرئيس الفرنسي إلى الدعم السياسي والإنساني، وأعاد إلى الواجهة مشروع إقامة «ممرات آمنة يمكن أن تفتح لتوصيل المساعدات الضرورية للسكان المحتاجين». أما في موضوع توصيل السلاح إلى المعارضة السورية فقد امتنع هولاند عن إعطاء أي تفاصيل، مكتفيا بالقول إن باريس «تعمل مع الأوروبيين للوصول إلى موقف مشترك»، كما أنها تعمل مع الأميركيين وأصدقاء الشعب السوري وتحديدا العرب منهم.

وحرص الرئيس الفرنسي على إبعاد شبهة التطرف والأصولية عن الائتلاف الذي «يقاتل نظام الأسد وليست له أي صلة بالمجموعات المتطرفة التي توظف الوضع في سوريا لتحقيق مصالح ليست هي مصالح الشعب السوري».

وقالت مصادر فرنسية إن استقبال الجربا والوفد المرافق له «مؤشر سياسي لرغبة باريس في توفير الدعم للائتلاف ورئيسه الجديد والصيغة التي رسا عليها بعد توسيعه وضم ممثلين ليبراليين وآخرين عن الجيش السوري الحر».

وينتظر أن يخطو الائتلاف خطوة جديدة في اجتماع سيعقده يومي 3 و4 أغسطس (آب) للبحث في تشكيل حكومة انتقالية قالت مصادر الوفد إنها ستكون من عشرة أعضاء، وستتركز في جزء منها في الخارج والآخر على الحدود الداخل.

ولم تفهم في الآن أبعاد ما أعلنه الرئيس هولاند عن إقامة «الممرات» الآمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية، علما بأن باريس تدعو إلى استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي حول الوضع الإنساني في سوريا ووضع النازحين واللاجئين داخل وخارج البلاد. ويبدو واضحا أن إقامة ممرات كهذه ستواجه العقبات نفسها التي واجهتها محاولات سابقة أجهضتها روسيا والصين باستخدام حق النقض «الفيتو»، مما يعني أن الفكرة الفرنسية الجديدة - القديمة لن ترى النور من غير توافق مع موسكو. ورهان باريس أن معالجة الجانب الإنساني المحض قد تحظى بـ«ليونة» روسية. لكن أمرا كهذا سيحتاج لمفاوضات شاقة في مجلس الأمن وسيواجه بشروط وشروط مضادة. أما في موضوع تسليح المعارضة الذي كانت فرنسا من أوائل رواده فيبدو أن المسؤولين الفرنسيين ما زالوا في وضع «الانتظار» المتعدد الأشكال رغم رفع الحظر الأوروبي منذ نحو الشهرين. وكان الأوروبيون التزموا احترام فترة الشهرين بعد رفع الحظر رغم زوال العائق القانوني. وهذه الفترة تنتهي بنهاية الشهر الحالي.

غير أن مسؤولا دفاعيا فرنسيا عالي المستوى قال لـ«الشرق الأوسط» إن الأمور «واضحة بالنسبة لفرنسا، إذ إننا لا نقدم أسلحة قاتلة، وهذا الأمر غير مطروح في الوقت الحاضر». لكن المسؤول المشار إليه لم يغلق الباب نهائيا، إذ اعتبر أن الفرنسيين والأوروبيين «وفروا لأنفسهم إمكانية تقديم السلاح، وبالتالي فإن الأمور مرهونة بتقييم الأوضاع»، أي بالحصول على «ضمانات» أكيدة بأن السلاح المعطى «لن يذهب إلى الأيدي الخطأ».

وأفادت مصادر حضرت جلسة الاستماع للجربا وإدريس أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي بأن النواب الحاضرين «لم يتوافر لديهم انطباع بأن الائتلاف قادر على توفير الضمانات التي تريدها باريس»، من أجل توفير السلاح الفرنسي للمعارضة. وبحسب المصادر الدفاعية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» فإن الشعور السائد اليوم في فرنسا هو أن الحرب «يمكن أن تدوم لسنوات وسنوات» قبل أن تنتهي. ولذا فإن الحل يجب أن يكون سياسيا «جامعا وموفرا الفرصة لكل الأطراف حتى تجد مكانها في سوريا الغد». لكن فرنسا، وفق مصادرها، ترى أن الإرادة الضرورية من أجل تحقيق هذا الهدف «غير متوافرة لا لدى السوريين ولا لدى الآخرين، الأمر الذي يعني أن شروط انعقاد (جنيف 2) غير متوافرة» في الوقت الحاضر. وأكدت هذه المصادر أن باريس توفر للمعارضة السورية دعما عسكريا ولكن «لا تعطيها أسلحة قاتلة».

ويدعو المسؤول الدفاعي المعارضة السورية إلى توحيد صفوفها العسكرية وإقامة قيادة مشتركة للتخطيط والتنفيذ. وبرأيها أن ما ينقص المعارضة ليس السلاح الذي «يصل إليها من مصادر مختلفة» لكن توحيد قيادتها العسكرية الذي اعتبرته «الحد الأدنى الضروري» لتحقيق تقدم ميداني. وبحسب باريس، فإن الدور العسكري الذي تقوم به لدى المعارضة من تدريب وتأهيل وتوصيل معدات وتجهيزات ولكن غير قاتلة وتوفير المعلومات وخلافها «بالغ الأهمية» وبالمستوى نفسه لتقديم الأسلحة.

وأشار عضو الهيئة السياسية ولجنة الشؤون الخارجية في الائتلاف الوطني أنس العبدة، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «جلسة مهمة جمعت وفد الائتلاف أول من أمس مع أعضاء البرلمان الفرنسي، إذ ألقى رئيس الائتلاف أحمد عاصي الجربا كلمة أوضح فيها أهداف الثورة السورية وغاياتها، كما شارك في الجلسة رئيس هيئة الأركان في الجيش السوري الحر، اللواء سليم إدريس». وأوضح أن «النقاش مع أعضاء البرلمان الفرنسي تمحور حول احتياجات الثورة الإغاثية والتسليحية والإنسانية». ولفت إلى أن «هذه الزيارة إلى فرنسا تأتي في توقيت دقيق، إذ يشهد الرأي العام الفرنسي تراجعا في تأييده للثورة السورية بسبب (البروباغندا) التي يستعملها إعلام النظام السوري لتشويه صورة الثورة وتصويرها على أنها صراع ضد المتطرفين، مما يجعل مسؤولية وفد الائتلاف كبيرة جدا في هذا السياق».

وفي حين أكد العبدة أن «اللقاء الذي جمع قيادة الائتلاف مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تطرق إلى جميع الملفات السياسية والإنسانية والعسكرية المتصلة بالثورة السورية»، أشار إلى أن «الوجهة الثانية للمعارضة السورية ستكون إلى نيويورك حيث سيلتقي وفد قيادي من الائتلاف يضم رئيسه، وكلا من عضويه ميشال كيلو وبرهان غليون، إضافة إلى رئيس هيئة الأركان اللواء سليم إدريس، أعضاء مجلس الأمن في جلسة غير رسمية».

وفي هذا السياق، قال الناطق باسم هيئة أركان الجيش الحر، العقيد قاسم سعد الدين، لـ«الشرق الأوسط»، إن «اللواء سليم إدريس سيشارك في جميع الجولات العربية والدولية لتقديم الطروحات الدقيقة حول تسليح المعارضة»، مؤكدا أن «أبرز الأسلحة التي سيطلبها اللواء إدريس خلال لقاءاته مع ممثلي الدول والرؤساء، مضادات طيران ودروع». ورجح سعد الدين أن «يطلب إدريس من الأميركيين تزويد مقاتلي المعارضة بصواريخ (ستينغر) ذات الفعالية الكبيرة». وقال مبعوث بريطانيا لدى الأمم المتحدة مارك ليال غرانت، أمس، إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سيعقد اجتماعا غير رسمي مع أعضاء الائتلاف الوطني السوري المعارض هذا الأسبوع. وقال المبعوث البريطاني إن الاجتماع سيعقد يوم الجمعة ويضم ممثلين سياسيين وعسكريين من المعارضة السورية. وأشار إلى أن الطبيعة غير الرسمية للاجتماع «ستوفر منتدى لأعضاء مجلس الأمن للتحدث بصراحة وبشكل غير رسمي مع الائتلاف الوطني لمناقشة قضايا أساسية تتعلق بالصراع السوري». وأكد متحدث باسم بعثة موسكو لدى الأمم المتحدة أن روسيا ستنضم إلى دول المجلس الـ14 الأخرى خلال اجتماع الجمعة.

وأعلن اللواء سليم إدريس رئيس أركان الجيش الحر في باريس أنه لن يشارك في اجتماع الجمعة مع مجلس الأمن. وقالت مريم جلبي من الائتلاف الوطني السوري «رغم رغبته في الانضمام للوفد المتجه إلى الأمم المتحدة فإن الأوضاع في سوريا تتطلب من اللواء إدريس البقاء هناك، لذا فإنه لن ينضم للوفد المسافر إلى نيويورك». ورغم أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري سيكون في نيويورك يومي الخميس والجمعة لحضور جلسة خاصة لمجلس الأمن بشأن منطقة البحيرات العظمى الأفريقية، فإن البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة قالت إنه لا توجد خطط في الوقت الراهن له للاجتماع مع المعارضة السورية.

وعبر رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الجنرال أفيف كوخافي، عن قلق جيشه الشديد من التطورات في سوريا. ولمح إلى أن إسرائيل قد تصبح طرفا رابعا في الحرب. واعتبر أن الحرب الأهلية الحالية بين جيش النظام وبين المعارضة «سوف تطول كثيرا جدا، ربما سنوات. وستتسع لتصبح بين ثلاثة أطراف، حيث إن تنظيمات القاعدة والجهاد الإسلامي العالمي تشن حربا ضد نظام الأسد، وأيضا ضد المعارضة العلمانية والقوى الدينية المعتدلة».

وأبلغ روبرت سيري، مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط، مجلس الأمن بأن سوريا «تتحول بشكل متزايد إلى ساحة حرب إقليمية إن لم تكن عالمية». وقال «يجب ألا تعطي أنباء الانتصارات العسكرية التي تحققها الحكومة ثقة خادعة في أن الصراع يمكن حسمه عسكريا». وأضاف «المطالب المشروعة للشعب في سوريا لا يمكن تحقيقها بالأسلحة ولكن من خلال التحلي بالرؤية الثاقبة وروح الزعامة».