الحكومة المغربية تقرر وقف التعامل مع القوانين التنظيمية المقدمة من البرلمان

الشوباني عدها «تأسيسية» ويجب عرضها على مجلس الوزراء برئاسة الملك

TT

حسمت الحكومة المغربية رسميا موقفها بشأن القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور الجديد، وقررت تجنب التعامل مع القوانين التنظيمية المقترحة من قبل البرلمان، مؤكدة أنها من اختصاص الحكومة فقط.

وأثار موقف الحكومة الجديد الذي أعلن عنه أمس الحبيب الشوباني، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) كان مخصصا للتصويت على القانون التنظيمي للجان تقصي الحقائق المقدم من قبل نواب المجلس، جدلا كبيرا، وعارضته بشدة الفرق النيابية الممثلة للغالبية والمعارضة، على حد سواء، وعدته خرقا للدستور وقررت مواصلة مناقشة قوانينها بشكل عادي، إلى حين الحسم في الجدل من قبل المجلس الدستوري.

وأوضح الشوباني أن الحكومة راجعت تأويل المادتين 85 و86 من الدستور، واقتنعت أن القوانين التنظيمية لها خصوصية وطبيعة تأسيسية في مرحلة ما بعد التصويت على الدستور، ورأت أن هذه القوانين لا بد أن تمر وجوبا عبر المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك، مشيرا إلى أن الحكومة لا تجد أي حرج في اختيارها لهذا التأويل، وأكد في المقابل أن الجدل الذي أثير بين الحكومة والبرلمان سيحسمه المجلس الدستوري الذي سيقرر ما إذا كان اجتهاد الحكومة صحيحا أم لا.

وكانت الحكومة قد صادقت الخميس الماضي على مشروع قانون تنظيمي يتعلق بلجان تقصي الحقائق في الوقت الذي كان هناك قانون مماثل قدمه فريقا حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار في مراحله النهائية قبل التصويت عليه، الأمر الذي أحدث جدلا واسعا، واضطر الشوباني للتوضيح خلال الجلسة العامة لمجلس النواب الاثنين الماضي على أن الحكومة قدمت قانونها بعدما طلب كريم غلاب رئيس مجلس النواب إيقاف مناقشة القانون المقدم من النواب، وهو ما زاد المشهد ارتباكا.

وفي هذا السياق، قال الشوباني أمس إنه عندما قال: إن غلاب هو من طلب إيقاف مناقشة القانون لم يكن يقصد كشف سر، أو توجيه اتهام، بل أن يقدم معلومة، وهي أن هذا الأمر جرى ضمن «تفاعل بين مؤسسات الدولة»، في إشارة ضمنية إلى أن غلاب كان على علم بالموقف الجديد الذي اتخذته الحكومة بشأن القوانين التنظيمية.

وقال الشوباني إن الأمر يتعلق «بنازلة لا سابق لها». وأعاد التأكيد على أن الحكومة انخرطت منذ البداية، وتابعت مختلف المراحل التي قطعها قانون لجان تقصي الحقائق المقدم من قبل النواب.

وكان الشوباني أكثر الوزراء المتحمسين لتفعيل دور البرلمان في الدستور الجديد، وطلب أكثر من مرة من النواب المبادرة إلى تقديم مقترحات القوانين التنظيمية طالما لديهم حق التشريع، وتفادي انتظار قوانين الحكومة، وذلك ردا على الانتقادات التي كانت توجه إلى الحكومة بشأن تأخرها في إصدار هذه القوانين.

وفي هذا السياق، قال أحمد الزايدي، رئيس الفريق النيابي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض، إن موقف الحكومة الجديد يبدو أنه فاجأ الشوباني نفسه، الذي نوه كل من رئيس اللجنة والنواب بدوره في متابعة قانون لجان تقصي الحقائق أثناء مناقشته داخل اللجنة.

وتعليقا على قرار الحكومة وقف تعاملها مع القوانين التنظيمية المقدمة من قبل البرلمان، قال الزايدي «نحن أمام وضع شاذ، لا يليق بدستور 2011»، وتساءل هل هناك خلل في الدستور يتطلب إعادة الاستفتاء عليه، أم أن هناك توجها نحو تجاوز الدستور، مشيرا إلى أن موقف الحكومة يعتبر «انتكاسة حقيقية واعتداء على حق البرلمان»، مؤكدا على أنه لا يوجد أي نص في الدستور يمنع البرلمان من اقتراح القوانين التنظيمية.

من جهته، قال عبد الله بوانو، رئيس الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية متزعم الائتلاف الحكومي، أن استناد الحكومة في موقفها على الفصل 86 من الدستور يعد تأويلا غير ديمقراطي له، واقترح أن تتابع اللجنة أشغالها والتصويت على قانون لجان تقصي الحقائق الذي ما زال أمامه مسار طويل قبل المصادقة عليه بشكل نهائي، طالما أن الحكومة لم تحل القانون الذي أعدته على مجلس النواب، وطالما لم يتوصل المجلس بنص مكتوب يوضح موقف الحكومة الجديد حتى يتسنى عرضه على المجلس الدستوري للحسم بين الموقفين.

بدوره، قال عبد اللطيف وهبي، رئيس الفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة المعارض، إن «الحكومة تعيش مأزقا سياسيا وأخلاقيا يسمى تفسير الدستور».

وأضاف وهبي أن مضمون الفصل 85 من الدستور واضح «ولا اجتهاد مع النص»، ودعا الحكومة إلى أن «تعود إلى رشدها وتتراجع عن خطئها».

وينص الفصل 85 من الدستور على أنه «لا يتداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه». أما الفصل 86 فينص على أنه «تعرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان، في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور». ويبدو واضحا من خلال الفصلين أن الدستور منح البرلمان والحكومة معا حق تقديم القوانين التنظيمية.