انضمام كرواتيا إلى الاتحاد الأوروبي: إضافة أم عبء؟

الفساد المستشري في أحدث دولة تلتحق بالركب يثير مخاوف المتشائمين

رفع علم كرواتيا (يمين) إلى جانب أعلام الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي منذ انضمامها مطلع الشهر الحالي أمام مقر البرلمان الأوروبي (إ.ب.أ)
TT

مع وجود شحنة بضاعة عالقة في الجمارك، اكتشفت جادرانكا بوبان بيجيتش، التي تدير شركة للأغذية العضوية، أنها بحاجة إلى تشحيم عجلات البيروقراطية القديمة. ومن ثم، على حد قولها، وافقت على مضض على صفقة جانبية صغيرة بمن أجل الإسراع بوتيرة الإجراءات: مواد بقالة سعرها نحو 130 يورو لزوجة موظف الجمارك.

تبدو الحادثة التي وقعت العام الحالي أمرا بسيطا، لكنها كانت واحدة من العقبات الكثيرة التي واجهتها شركتها: «بيوفيغا»، وهي مشكلات تجسد الفساد المستشري والبيروقراطية الأشبه بالمتاهة التي جعلت كرواتيا، على حد قول بيجيتش، غير مستعدة على النحو المطلوب للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، الذي انضمت إليه في الأول من يوليو (تموز) الحالي.

تقول بيجيتش: «الفساد موجود في كل المستويات. حتى لو كان سلوكك أخلاقيا، أحيانا لا يكون لديك خيار آخر». وأشارت إلى أن الكرواتيين ليسوا مستعدين لعاصفة قوانين ولوائح جديدة. وتضيف: «ليس لدينا وقت للاستعداد، وهناك حالة من الفوضى الآن».

استعداد كرواتيا مهم، ليس فقط لأصحاب الأعمال، مثل بيجيتش، بل أيضا للدول الأخرى السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ومنذ انضمام رومانيا وبلغاريا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2007. تنامت المخاوف من أن هذين البلدين، وهما أفقر دولتين في الاتحاد، انضما قبل الأوان. استمرت كلتاهما في الصراع ضد حكومات غير مستقرة وفساد، حتى مع محاولتهما استغلال مبلغ قيمته 35 مليار دولار ممثل في صورة دعم تطوير إقليمي ممنوح من قبل الاتحاد الأوروبي منذ عام 2007.

أثنى المسؤولون الأوروبيون على دخول كرواتيا كرمز للجاذبية المستمرة للاتحاد، رغم أزمتها الاقتصادية، لكن البعض يخشى من أن تصبح كرواتيا جبهة ضعيفة أخرى مع إجبار أزمة اليورو الحكومات على تقليص الميزانيات وغرس بذور عدم الاستقرار بين الأعضاء الأكثر ثباتا، الذين يواجهون مشكلات فساد خاصة بهم. كثير من الأمور تعتمد على نجاح كرواتيا، حسبما يتفق محللون ومسؤولون بالاتحاد الأوروبي، وما إذا كان بإمكانها أن تظهر لدول البلقان الأخرى، التي تنتظر عضويتها، بما فيها مونتينيغرو (الجبل الأسود) وصربيا، أن منطقة عصفت بها الحرب في تسعينات القرن العشرين يمكن أن تجد مستقبلا أفضل بانضمامها إلى عضوية الاتحاد.

يقول ديميتار بيتشيف، وهو زميل سياسة رفيع الشأن بـ«المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»: «المعلومة المدركة عن رومانيا وبلغاريا هي أن قبول عضويتهما بالاتحاد كان قرارا سابقا لأوانه. إذا كان ينظر لكرواتيا بوصفها نموذجا ناجحا، فإن هذا يمكن أن يدعم توسيع الاتحاد الأوروبي».

خلال الشهر الحالي، زار رئيس البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، سوما تشاكرابارتي، أحدث دولة انضمت إلى الاتحاد الأوروبي ليعاين بشكل مباشر جانبا من أعمال منظمته هنا. تم إنشاء البنك، الذي تملكه 64 دولة، من بينها الولايات المتحدة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي، عقب انهيار جدار برلين لمساعدة دول الكتلة الشرقية سابقا في التحول إلى اقتصاد السوق – وذلك جزئيا بدعم المشروعات الخاصة مثل المشروع الخاص بيجيتش. وكانت بيجيتش قد حصلت على جائزة من البنك بوصفها واحدة من رائدات الأعمال به لعام 2011. ومع تشجيعه لتوقعات انضمام كرواتيا إلى الاتحاد، حذر تشاكرابارتي في مقابلة أجريت معه من أن «كرواتيا بحاجة واضحة للتعامل مع الفساد». واستشهد بأحد مؤشرات منظمة «الشفافية الدولية»، وهي منظمة تراقب الفساد عبر أنحاء العالم، ووضعت كرواتيا في المرتبة الثانية والستين بين 176 دولة. كان ذلك أفضل من بعض دول الجوار ودول الاتحاد الأوروبي الأقدم، لكنها جاءت خلف بولندا، التي حلت في المركز الحادي والأربعين.

في عام 2012. حكم على رئيس وزراء كرواتيا الأسبق، إيفو سانادر، بالسجن لمدة 10 سنوات بسبب تلقيه رشاوى. وأشرفت الحكومة الحالية على انضمام كرواتيا للاتحاد بعد أن توفرت في البلاد شروط صارمة عن أي دولة أخرى تقدمت حديثا بطلب للانضمام لعضوية الاتحاد، غير أنه هناك عددا محدودا من الناس يعتقد أنه تم اقتلاع الفساد من جذوره.

وبالنظر إلى مشكلاتها الاقتصادية، يتشكك كثيرون في قدرة كرواتيا على الاستفادة بأقصى درجة من مساعدات قيمتها نحو 14 مليار دولار يمكن أن تتلقاها من الاتحاد الأوروبي في الفترة من 2014 إلى 2020. وقال تشاكرابارتي إن جزءا هائلا من اقتصاد كرواتيا ما زال غير تنافسي ويخضع لسيطرة الحكومة، سوق العمل تتسم بالجمود إلى درجة كبيرة، وهناك حاجة ماسة للخصخصة من أجل تسريع وتيرة العمل. لا أعتقد أنها حشدت استراتيجيتها بالدرجة الكافية.

يتفق كثيرون آخرون مع هذا الرأي. وتقول روزا توماسيك، السياسية اليمينية الجريئة التي تلقت واحدا من أكبر إجمالي الأصوات الشخصية في انتخابات كرواتيا للانضمام إلى عضوية البرلمان الأوروبي في مطلع هذا العام: «كلا، لم نكن مستعدين». وتضيف: «كان المفترض أن نتوجه إلى الاتحاد الأوروبي رافعين رؤوسنا لأعلى ونحن نقول: انظروا إلينا – اقتصادنا رائع وصادراتنا رائعة، وليس لدينا عدد هائل من العاطلين ونحن نقدم لكم شيئا ما. بهذه الطريقة، ينظرون إلينا بأننا انضممنا فقط لأننا بحاجة إلى معونة».

وقال وزير مالية كرواتيا، سلافكو لينيتش، في مقابلة أجريت معه إن البلاد تواجه مشكلات، ولكنه يعتقد أن عضوية الاتحاد الأوروبي ستؤدي إلى تطوير. وقال: «نحن واضحون جدا بشأن محاولتنا محاربة أي نوع من الفساد»، مضيفا أنه أقال مؤخرا تسعة موظفي ضرائب بارزين لهذا السبب فقط. ولكن حتى بعد قمع الفساد في مكتب الجمارك، على حد قول بيجيتش، فإنه تم احتجاز آخر شحنة واردات لشركة الأغذية العضوية الخاصة بها مجددا. وقالت: إن التبرير هذه المرة كان أنه في حال اعتقال 15 مسؤولا، لن يبقى أحد لمعالجة المستندات.

* خدمة «نيويورك تايمز»