أوباما شكل «مجموعة استشارية» حثته على خيارات عسكرية لحل الأزمة السورية.. لكنه لم يستمع لتوصياتها

أنشئت مطلع 2012.. وحلت عندما شعر الرئيس الأميركي أن الأسد أصبح «خارج الصورة»

TT

مع تحول الثورة السورية الساعية لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد إلى المنحى العسكري أوائل العامل الماضي، استدعى البيت الأبيض في هدوء مجموعة خاصة من كبار مهندسي السياسات لتقديم النصح للرئيس الأميركي باراك أوباما. كان التكليف الموجه لهم غير عادي وهو أن يفكروا في طرق غير تقليدية لإبعاد الأسد عن السلطة في ظل الصعوبات التي حالت دون توحيد المعارضة السورية المسلحة وتنظيم صفوفها.

وأسس هذه المجموعة وترأسها ستيفن سيمون، رئيس مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي، وضمت ما بين ستة وثمانية أعضاء، من بينهم فريدريك هوف، أحد أكبر مستشاري وزارة الخارجية فيما يخص سوريا، كما ضمت خبراء وزارتي الدفاع والخارجية ووكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه».

أجمع الكل على ضرورة أن يزن أوباما الخيارات العسكرية لتنحية الأسد، إلا أن الفكرة لم تخرج إلى حيز التنفيذ بفعل تصميم أوباما على تحاشي التدخل العسكري، ما أدى إلى حل «المجموعة الاستشارية» في يوليو (تموز) 2012. ويبرز فشل هذه المجموعة في مهمتها الخطوات المترددة والرسائل المتباينة التي كانت سمة أساسية لسياسة أوباما تجاه الأزمة السورية على مدى عامين تقريبا، في ظل اقتناعه بإمكانية الإطاحة بالأسد دون تدخل خارجي مباشر ورفضه جر الولايات المتحدة إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط.

ويرفض مسؤولو الإدارة الأميركية الانتقادات القائلة أنه لو أن أوباما اتخذ خطوات أقوى قبل ذلك لكان حال المقاتلين أفضل في قتال القوات الحكومية الأشد تسليحا. وقال مسؤول رفيع مشترطا عدم الكشف عن اسمه إنه «لم يكن من الممكن أن تنجح المعارضة في تقليص الفجوة نتيجة تلقيها دعما من مصادر خارجية ما دام لدى النظام دبابات وطائرات حربية».

يشار إلى أن أوباما دعا في 18 أغسطس (آب) 2011 الأسد للتخلي عن السلطة، وذلك بالتنسيق مع زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا وتركيا، قائلا: «من أجل الشعب السوري حان الوقت لكي يتنحى الرئيس الأسد جانبا». حينئذ، قال مستشارون متخصصون في أمور الشرق الأوسط إن «كلمات أوباما السحرية» بخصوص الأسد سترفع مستوى التوقعات بأن واشنطن ستقوم بدور نشط في الأزمة. وقال مصدر مطلع على سير المباحثات إن «ستيفن سايمون، كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، تساءل هل كان ينبغي أن يدلي أوباما بهذا التصريح في حين أن واشنطن ليست على استعداد للقيام بخطوة ملموسة». وأضاف المصدر أن سايمون جادل بأن الأسد، الذي تدعمه روسيا وإيران، ربما تكون لديه قدرة أكبر على البقاء مما تظهره الشواهد. إلا أنه في ذلك الوقت لم يكن أوباما مستعدا لبذل شيء يذكر أكثر من الجمع بين الدبلوماسية التي تهدف لتنحي الأسد والعقوبات الاقتصادية.

لكن «توجس» خبراء الشرق الأوسط الأميركيين قابله «حماس» بعض مستشاري أوباما الأصغر سنا، ومن بينهم سامانتا باور، التي وقع عليها اختيار الرئيس الأميركي كسفيرة في الأمم المتحدة، وبن رودز نائب مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية، اللذين قالا بأن حكم الأسد يزداد ضعفا فيما يبدو يوما بعد يوم وأن على الرئيس أن يقف على «الجانب الصحيح من التاريخ» ويطالب الأسد بالرحيل.

ومع اتساع رقعة الحرب أوائل 2012 وتفوق الجيش النظامي على المعارضة المسلحة بدأ بعض كبار أعضاء الكونغرس الأميركي، مثل السيناتور الجمهوري جون مكين يطالبون أوباما بدعم المقاتلين. ولم يقتصر التأييد لهذه الخطوة على الكونغرس. ففي مراحل مختلفة كان أغلب وزراء أوباما المسؤولين عن السياسة الخارجية ينصحونه بتقديم دعم أكبر لمقاتلي المعارضة بما في ذلك وزيرا الخارجية هيلاري كلينتون وجون كيري ورئيس الـ«سي آي إيه» السابق ديفيد بتريوس ووزير الدفاع السابق ليون بانيتا.

وفي خطوة غير معتادة، قدم بتريوس وكلينتون قبل عام اقتراحا مشتركا للبيت الأبيض أن تسلح واشنطن جماعات المقاتلين بعد فحص دقيق لكل منها بما يقلل من فرص وصول الأسلحة إلى أيدي الجماعات الإسلامية المتشددة. وحظي الاقتراح بتأييد بانيتا والجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة. وقال مسؤول أميركي إن مدير المخابرات القومية الأميركية جيمس كلابر كان مطلعا على الاقتراح ولم يعترض عليه.

لكن أوباما اعترض على هذه التوصية.

وأبرز هذا الرفض موقف أوباما الذي وصفه روس بالموقف المتشكك إزاء التدخل العسكري المصطبغ بما لاقته الولايات المتحدة من مصاعب في العراق وأفغانستان. وقال روس، الذي يعمل بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إنه «لا أعتقد أن بوسعك أن تنظر للأمر بمعزل عن العراق وأفغانستان. وخاصة أن هذه الأمور من السهل التورط فيها ومن الصعب الخروج منها».

وبحلول منتصف عام 2012 مالت الكفة في الميزان العسكري لصالح المعارضة، وازداد البيت الأبيض قناعة بأن الأسد في طريقه للخروج من الصورة. وقال المسؤول السابق إن البيت الأبيض طلب من وكالات حكومية أميركية التركيز على التخطيط لمرحلة ما بعد الأسد في سوريا. وفي 20 أغسطس (آب) من ذات العام أعلن أوباما أن نقل الأسلحة الكيماوية أو استخدامها «خط أحمر» سيؤدي تجاوزه إلى عواقب لم يحددها، وذلك بعد ورود تقارير من الـ«سي آي إيه» تظهر أن القوات السورية تحرك مخزون الأسلحة الكيماوية.

ولم يكن لتحذير أوباما أي أثر على الأرض، ما دفع بمستشاريه إلى تحفيزه على تقديم السلاح للمقاتلين، مع تزايد الأدلة على أن الأسد يتجاهل الخط الأحمر الذي رسمته له واشنطن. وقال توني بلينكن، نائب مستشار الأمن القومي في أحد الاجتماعات مع أوباما ومساعديه إن «القوى العظمى لا تلوح بتهديد أجوف».

ويوم الثامن من يونيو (حزيران) الماضي تلقت بيث جونز المسؤولة الأولى عن الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية مكالمة عاجلة من اللواء سليم إدريس، رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر، أكد خلالها أن الحكومة السورية ومقاتلي حزب الله استولوا على مدينة القصير، معقل المقاتلين وأصبحوا يهددون مناطق أخرى. وجادل في ذلك الوقت وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن المقاتلين يحتاجون دعما أميركيا أكبر، وألغى جولة خارجية للتعامل مع الأزمة السورية ومبادرته للسلام في الشرق الأوسط.

وفي 12 يونيو الماضي، قال كيري، خلال اجتماع لفريق الأمن القومي المصغر المرتبط مباشرة بأوباما، إن على الولايات المتحدة أن تفعل ما هو أكثر من تسليح مقاتلي المعارضة باستخدام الضربات الجوية، على حد قول مسؤول مطلع على ما دار في الاجتماع. واعترض الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان، بشدة على طرح كيري، قائلا إن هذه المهمة ستكون معقدة وباهظة التكلفة. وفي اليوم التالي أعلن البيت الأبيض أن الرئيس قرر تقديم مساعدات عسكرية مباشرة للمجلس العسكري الذي يرأسه إدريس. ويتشكك كثير من المراقبين داخل الإدارة وخارجها أن تكفي هذه الأسلحة لتغيير التوازن لصالح مقاتلي المعارضة.