صراع الأكراد للحصول على الحكم الذاتي يقوض مساعي الثوار في الإطاحة بالأسد

الأكراد ينفذون خططهم بحذر خشية قطع المال من دمشق وإغضاب المعارضة

TT

تصاعدت حدة الاقتتال الداخلي في الأيام الأخيرة بين قوات الثوار في سوريا بعد اشتباك مقاتلي المعارضة مع الأكراد الساعين إلى اقتطاع منطقة إدارية مستقلة شمال شرقي سوريا.

ما يؤكد التوتر، تعهد ائتلاف جماعات الثوار الإسلاميين الأربعاء «بتطهير» بلدة رأس العين شمال شرقي سوريا، من المقاتلين التابعين لحزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي»، واتهامه الجماعات الكردية بالعمل لصالح الحكومة السورية، وهو الاتهام الذي نفاه زعيم الحزب.

ورغم تلقي قوات الرئيس بشار الأسد الدعم المسلح من إيران وحزب الله الشيعي اللبناني، للسيطرة على مناطق في وسط وجنوب سوريا، يبدو أن المتمردين سيضطرون إلى الدخول في مناورات استراتيجية ونزاعات بين الفصائل في المناطق الشمالية الخارجة عن سيطرة الحكومة.

ورغم انتشار القتال في جميع أنحاء سوريا على مدى العامين الماضيين، شكل أكراد سوريا، الذين يمثلون نحو 15% من السكان، والمعقل التقليدي للمعارضة الحكومية، بهدوء مؤسسات دولة خاصة بهم في أقصى المنطقة الشمالية الشرقية من الحسكة، بما في ذلك ميليشيا يقدر عدد أفرادها بآلاف المقاتلين. لكن زعيم حزب «الاتحاد الديمقراطي»، صالح مسلم محمد، اعترف بأن إضفاء الطابع الرسمي على خطط في الحكم الذاتي عبر دستور وإجراء انتخابات جديدة لمجلس محلي ستجلب عليهم مزيدا من الاشتباكات مع الجماعات الجهادية، التي تتطلع إلى الموارد النفطية في المنطقة والمعابر الحدودية.

وقال محمد عن الجهاديين: «لن نقبل بهم في المناطق الكردية، فهم يريدون إقامة حكم إسلامي، وهذا أمر غير مقبول للأكراد».

وكانت الولايات المتحدة وتركيا أعربتا عن مخاوفهما بشأن إقامة الحزب الكردي شبه دولة في سوريا، حيث يرتبط حزب «الاتحاد الديمقراطي» (بي واي دي) بصلات وثيقة مع حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه واشنطن وأنقرة كمنظمة إرهابية والذي يشن تمردا انفصاليا دام لثلاثة عقود من الزمن في تركيا. ووصفت وزارة الخارجية هذه الخطط هذا الأسبوع بأنها «استفزازية للغاية»، مشيرا إلى أنهم سيضيفون مزيدا من التوتر بين الأكراد والعرب.

وكان رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، صرح يوم الجمعة، بأن على أكراد سوريا ألا يحاولوا إقامة منطقة حكم الذاتي، محذرا من أن «هذه الخطوات التي يتخذونها (خطأ وجسيمة)»، حسبما ذكرت وكالة «رويترز» الإخبارية.

يدعي حزب «الاتحاد الديمقراطي» أن تركيا شجعت، خوفا من التحريض على سكانها الأكراد، جماعات الثورة السورية للعمل ضد مصالح الحزب. لكن بيان يوم الأربعاء الذي نشرته أربع مجموعات للمعارضة صورت الاشتباكات على أنها معركة ضد حزب «الاتحاد الديمقراطي» لا الأكراد ككل.

وقال البيان: «نحن لا نميز ضد العرب أو الأكراد في حربنا، نحن نقاتل كل من ساعد هذا النظام الإجرامي، ونعتبره هدفا مشروعا بالنسبة لنا». وأضاف البيان أن الميليشيا الكردية «تجاوزت الحدود» عندما استولت على رأس العين الأسبوع الماضي، مما دفع مقاتلين تابعين لـ«جبهة النصرة» إلى الاشتباك معهم.

إضافة إلى «جبهة النصرة»، وقع على البيان «تجمع أحرار الشام» الإسلامي، وكتائب «أحفاد الرسول» و«الجبهة الإسلامية» الكردية. وأظهر شريط فيديو نشر على الإنترنت أيضا قافلة عسكرية من «كتائب الفاروق»، الذي قال المصور إنها متوجهة إلى الحسكة لمحاربة «كلاب الأسد وأعوانهم» ـ رغم أنه لم يذكر صراحة الأكراد وحزب «الاتحاد الديمقراطي».

انتشر التناحر جغرافيا، ليشمل بلدة تل الأبيض في محافظة الرقة، حيث يقول حزب «الاتحاد الديمقراطي» إنه أجبر على إطلاق سراح أحد قادة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام المرتبطة بـ«القاعدة» في عملية تبادل للأسرى هذا الأسبوع بعد اختطاف مقاتلين من الجماعة مئات المدنيين الأكراد ردا على ذلك.

ويقول محللون إنه رغم أن كلا الجانبين يصورون المعركة باعتبارها صراع آيديولوجيا، فإنها معركة على الموارد التي تميزت بها الهجمات الانتقامية المتبادلة بين السنة والشيعة.

فيقول آرون لوند، محلل الشرق الأوسط المستقل والمقيم بالسويد: «إنها تتركز دون شك حول المعابر الحدودية في تركيا، ومؤسسات البنية التحتية الاستراتيجية وحقول النفط».

وقال محمد إن الحزب يخطط لتشكيل لجنة من 30 إلى 40 شخصا لتمهيد الطريق لإجراء انتخابات لتشكيل برلمان من 150 مقعدا، قال إنه سوف يمثل الأقليات في المنطقة بما في ذلك العرب والتركمان والآشوريون. ويقول محللون، إن الأكراد يتقدمون بحذر في خططهم صوب الحكم الذاتي لتجنب إغضاب الحكومة السورية أو المعارضة.

وقال جيمس دينسلو، زميل أبحاث مع مركز السياسة الخارجية في لندن: «إنهم يتبنون سياسة الانتظار والترقب. فإذا فعلوا أيا من ذلك، فإنهم يخاطرون بقطع المال الذي لا يزال يأتي من دمشق وإغضاب المعارضة».

أشار إلى أنه إذا كان أكراد سوريا يأملون أن يحذوا حذو الأكراد العراقيين وإقامة منطقة حكم ذاتي، فسوف يواجهون تحديات كبيرة.

ينتشر قول مأثور بين الأكراد أنهم «لا صديق لهم سوى الجبال»، ولكن الأكراد السوريين يفتقرون إلى ذلك. فسهل الجزيرة الذي يتركزون فيه لا يملك نفس التضاريس الوعرة التي استخدامها الأكراد العراقيون لصالحهم، أو منطقة حظر الطيران التي تحميهم من الغارات الجوية لصدام حسين.

ما يزيد من هذه المضاعفات الاقتتال الداخلي بين الأكراد السوريين. فقبل الاشتباك مع الإسلاميين، كان الغضب يختمر حول مقتل ستة متظاهرين أكراد مناهضين لحزب «الاتحاد الديمقراطي» في منطقة عامودا التي يسيطر عليها الأكراد واعتقال عشرات آخرين في البلدة باستخدام ما وصفته وزارة الخارجية الأميركية بـ«تكتيكات وحشية». وقال جواد ميلا، رئيس «المؤتمر الوطني» الكردستاني، وهو جماعة مستقلة سياسيا تعمل لإنشاء كردستان موحدة، إن منظمته تدعم خطط الانتخابات، ولكن خصوم حزب «الاتحاد الديمقراطي» السياسيين في سوريا منقسمون.

ويأمل حزب «الاتحاد الديمقراطي» أن يؤدي القتال مع فصائل الثوار إلى توحيد الأكراد. ووفقا لمحمد، فقد انضم 300 مجند إلى ميليشيا الحزب الأسبوع الماضي، وطالب الآخرين بحمل السلاح. وقال: «يجب علينا أن نحمي أنفسنا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»