المفرقعات النارية: «لعنة» اللبنانيين في الأفراح والأتراح

تتفوق على إطلاق الرصاص.. وملاحقة مطلقيها «مهمة مستحيلة»

TT

لا تمر مناسبة سعيدة، وأحيانا حزينة، على اللبنانيين إلا ويرافقها دوي الألعاب النارية في سماء بلد بات سماع أي دوي فيه حتى لو كان ناجما عن انفجار إطار شاحنة كبيرة مرادفا لوقوع انفجار أمني. وفي الأسبوعين الأخيرين، ربما لم يبق لبناني واحد إلا وثارت ثائرته بسبب المفرقعات النارية التي لم ترحم منطقة دون سواها، والسبب أعياد دينية ومناسبات تربوية بالجملة.

لكن الوضع بلغ ذروته مع صدور نتائج الشهادات الرسمي لطلاب المتوسطة والثانوية والذين يبلغ عددهم نحو 106 آلاف طالب، وفق ما أعلنه وزير التربية والتعليم العالي اللبناني حسان دياب في وقت سابق. ثلاثة أرباع هؤلاء نجحوا وليس بمبالغة القول إن نصف الناجحين على الأقل احتفلوا بنجاحهم عبر إطلاق المفرقعات النارية، إذ لساعات متواصلة ليلة صدور كل شهادة أضيئت السماء بالمفرقعات وامتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالتذمر والانزعاج بعدما أصبح الوضع لا يطاق. ويبدو أن الاحتفاء بالنجاح لم يقتصر على إطلاق المفرقعات فحسب، بل إن البعض عمد إلى إطلاق الرصاص ابتهاجا، وهي عادة لبنانية بامتياز، غالبا ما ترافق إطلالة كل زعيم سياسي، الأمر الذي دفع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله خلال خطاب له منتصف يونيو (حزيران) إلى الإعلان عن فتوى دينية تحرم إطلاق رصاص الابتهاج.

ويروي أحد القاطنين في منطقة طريق الجديدة في بيروت أن ابنة جاره بعد أن نجحت في شهادة البريفيه وحصلت على تقدير، أرادت أن تحتفل بإطلاق المفرقعات، لكن والدتها لم تسمح لها. ومع مجيء والدها إلى البيت، وجد ابنته حزينة وعندما علم السبب عاجلها بالقول باللهجة اللبنانية: «تكرم عينك، عياران ناريان بعد الإفطار أفضل من المفرقعات».

واللافت أن إطلاق المفرقعات هذا يخالف القوانين اللبنانية لكن أحدا لا يلتزم بالتعميمات الصادرة عن وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، خصوصا بعد أن باتت هذه العادة جزءا من «برستيج» المهرجانات وحفلات الزفاف، التي قد تصل ميزانية بعضها، بحسب شركات تنظيم الأفراح إلى قرابة 100 ألف دولار أميركي مقابل دقائق عدة. وكان مهرجان مدينة جونية، شرق بيروت، لافتا هذا العام، إذ أعلن افتتاح فعالياته بداية الشهر الحالي بعرض متناغم من الألعاب النارية أضاءت سماء المدينة الواقعة على البحر على امتداد مساحة ثمانية كلم، واستمر لخمس دقائق متواصلة.

ولا يتجاوز عدد الشركات المرخصة لبيع الألعاب النارية وفق مدراء إحدى الشركات أصابع اليد الواحدة، لكن شركات أخرى تعمل في هذا المجال بطريقة غير شرعية ومن دون ترخيص قانوني، علما أن استيراد أو تصدير مثل هذه الأنواع محظور جوا ويسمح به عبر البر أو البحر حصرا. ويقول مصدر إداري داخل إحدى الشركات المرخصة لـ«الشرق الأوسط» أن استيراد المفرقعات يتم بشكل رئيس من الصين، الرائدة في تصنيع الألعاب النارية، فيما يصدر لبنان جزءا مما يستورده إلى دول الخليج لا سيما تلك التي تشهد مهرجانات واحتفالات كبرى، علما أن عددا كبيرا من شركات تنظيم الحفلات والمناسبات في الدول العربية هي شركات لبنانية تتعاقد مع مؤسسات الألعاب النارية.

ويوضح المصدر ذاته أن ثمة مواسم تحرك السوق اللبنانية، أبرزها موسم الزفاف، وتحديدا من نهاية مايو (أيار) وصولا إلى نهاية سبتمبر (أيلول) من كل عام، مشيرا إلى أن البعض ينفق ما يعادل 500 دولار أميركي خلال زفافه والبعض الآخر ينفق 10 آلاف دولار وقد تصل تكلفة المفرقعات إلى عشرات آلاف الدولارات في الحفلات الأسطورية. ويضاف إلى موسم الزفاف بعض الأعياد الدينية لا سيما عيد الفطر المبارك.

وبحسب دليل الصادرات والصناعات اللبنانية على موقع الإنترنت، استورد لبنان من المفرقعات والألعاب النارية في عام 2009، 1840 طنا بقيمة ثلاثة ملايين و800 ألف دولار، وصدر تسعة أطنان بقيمة 107 آلاف دولار. أما في عام 2010، فقد استورد لبنان 1461 طنا بقيمة ثلاثة ملايين و144 ألف دولار، مصدرا 13 طنا بقيمة 140 ألف دولار. وفي عام 2011، استورد لبنان 1858 طنا بقيمة ثلاثة ملايين و403 آلاف دولار، وصدر 24 طنا بقيمة 207 آلاف دولار.

وتبدو مهمة ضبط إطلاق المفرقعات من قبل القوى الأمنية شبه مستحيلة، لأن حالات إطلاقها غالبا ما تكون جماعية وفي مناسبات محددة، مما يجعل ملاحقة الفاعلين مهمة «مستحيلة»، إذ يتطلب توقيف الفاعلين مثلا توقيف أطفال حي أو قرية أو بلدة بأكملها! وكانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي قد اعتبرت في بيان صادر عنها الأسبوع الماضي أن «ظاهرة استخدام المفرقعات والألعاب النارية من قبل بعض المواطنين في مناسبات إعلان نتائج الامتحانات والأفراح والمباريات الرياضية والأعياد الدينية، تسبب إزعاجا وتزرع الخوف في النفوس، مع ما يرافقها من إصابات جسدية قد ينتج عنها إعاقات دائمة إضافة إلى تجاوزات يتعرض لها المارة فضلا عن الأضرار والحرائق التي تلحقها بالممتلكات والأحراج، وحصول إشكالات بين أبناء الحي الواحد والتسبب بما لا تحمد عقباه، مخالفين بذلك أحكام القوانين والأنظمة المرعية الإجراء».

لكن هذا التعميم كما تعميم آخر سبقه صدر منتصف الشهر الحالي عن المديرية العامة للدفاع المدني، التابعة لوزارة الداخلية اللبنانية، لم يجد نفعا. وحذر «الدفاع المدني» في بيانه من «استخدام مفرقعات تصدر أصواتا مزعجة»، ودعا إلى «عدم استخدام أسهم نارية تسبب الحرائق»، وإلى «عدم إطلاق المفرقعات والأسهم على الشرفات وفي الأزقة والشوارع الضيقة، ومنع تجمع الأولاد في محيط الإطلاق بل إبعادهم إلى مسافة آمنة». لكن هذا التعميم وما تضمنه من نقاط أخرى لم يأخذه أحد على محمل الجد.