العنف يضرب الحركة التجارية في العراق.. والحواجز الطائفية تعود إلى بغداد

تجار المحافظات السنية وسائقو الشاحنات يخشون الدخول إلى العاصمة

سائق شاحنة يمر أمام شاحنات في ساحة لتفريغ البضائع في حي الغزالية غربي بغداد (أ.ب)
TT

ترك التصعيد الأخير في أعمال العنف في العراق بصماته على مجمل نواحي الحياة لا سيما النشاط التجاري والوضع الاقتصادي عموما. إذ يخشى تجار من المحافظات السنية زيارة بغداد فيما يتفادى سائقو شاحنات العاصمة بعدما تلقوا تهديدات من ميليشيات.

عبيد مناع، سائق شاحنة سني، ينقل البضائع من الدول المجاورة إلى بغداد منذ سنوات، لكنه قرر عدم الاقتراب من بغداد بعد أن حذر أحد رجال الميليشيا زميلا سنيا له «لو دخلت بغداد مرة أخرى، سوف أقطع ساقيك». والآن، حسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس»، يقوم مناع بتسليم البضائع لسائقين شيعة حتى يقوموا بنقلها إلى بغداد. وخلال الأسبوع الماضي قتل 14 من سائقي الشاحنات الشيعة بعد إصابتهم برصاص في الرأس عند نقطة تفتيش وهمية أقامها نشطاء على طول طريق سريع في منطقة شمال البلاد.

في الوقت نفسه، باتت بعض الأحياء الشيعية في بغداد محظورة على السنة، ولا سيما بعد انتشار الشائعات بأن الميليشيات الشيعية تقيم نقاط تفتيش وهمية لاستهداف السنة. وفي حين نفت وزارة الداخلية تلك الشائعات، فإن هذه التهديدات تذكر العراقيين بالأيام السوداء التي عاشوها عامي 2006 و2007 عندما كانت أعمال القتل الانتقامية بين السنة والشيعة جزءا من روتين الحياة اليومية.

ووجد سائقو الشاحنات، مثل مناع، وسائل لتجنب العنف، إذ أقيمت منطقتان آمنتان في بلدتي أبو غريب والفلوجة إلى الغرب من بغداد، حيث يسلم السائقون السنة البضائع إلى نظرائهم الشيعة بسلام، كما أقيمت منطقة تفريغ أخرى في حي الغزالية الذي يهيمن عليه السنة غرب العاصمة العراقية.

وقال مناع، وهو شاب في الثالثة والثلاثين من العمر وأب لأربعة أطفال: «بعض السائقين السنة على استعداد لتحمل المخاطر ودخول بغداد للحصول على المال، ولكني لا أخاطر». ويحصل مناع على ما يتراوح بين 1200 دولار و1300 دولار عن كل شحنة من الأردن إلى بغداد، لكنه أشار إلى أن دخله قد انخفض الآن بنحو 80 في المائة، لأنه لا يفرغ الشحنات في بغداد.

وزادت حدة التوترات الطائفية منذ أشهر، عقب الاحتجاجات السنية التي بدأت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي ضد سياسات حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي. ولم يسافر التاجر السني أكرم خيري إلى بغداد من مدينة الموصل الشمالية منذ أن داهمت قوات حكومية ساحة الاعتصام في الحويجة في أبريل (نيسان) الماضي موقعة عشرات القتلى والجرحى. وكان خيري قد توقف عن السفر إلى بغداد عام 2006 أيضا، عندما كان العنف الطائفي في ذروته، قبل أن يعود عام 2008 عندما شهد الوضع الأمني بعض التحسن. وقال خيري، 41 عاما وأب لأربعة أطفال: «يمكن التعرف علي بسهولة من خلال لهجتي». ومنذ شهر أبريل الماضي، يطلب خيري البضائع عن طريق الهاتف ويرسلها تجار من بغداد إليه في شاحنات، وهو ما يجعل من الصعب عليه الحكم على جودة السلع واختيار السلع التي تكون أكثر رواجا.

ويقول التجار في بغداد إن التجارة لم تكن بهذا السوء منذ سنوات، مشيرين إلى أن اقتصاد البلاد، الذي بدأ في التحسن خلال السنوات الأخيرة بسبب طفرة النفط، بدأ يعاني من الركود مرة أخرى بسبب الاضطرابات. وقال حسن شاهين، الذي يتاجر في الجرانيت والرخام: «كنت أصدر 50 إيصالا كل أسبوع اعتبارا من العام الماضي، ولكن لم أصدر سوى 38 إيصالا منذ نهاية شهر ديسمبر». وأضاف أن الناس لا يزال لديها أموال، لكن «الزبائن خائفون من المستقبل»، مشيرا إلى أن المبيعات انخفضت بنحو 75 في المائة منذ بداية هذا العام مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

وبعد تراجع حاد في النشاط الاقتصادي أعقب الغزو الأميركي عام 2003، تحسنت الأوضاع بعض الشيء ابتداء من عام 2009 بعدما أصبحت الكثير من المدن أكثر أمنا، وتمكنت الحكومة من جذب الشركات الأجنبية المترددة في الاستثمار، ولا سيما في قطاع النفط الذي يمثل العمود الفقري للاقتصاد العراقي، وكانت هناك آمال كبيرة لبناء اقتصاد قوي وإنهاء الإرث الثقيل الذي خلفته الحرب. وبالفعل تم افتتاح الكثير من مراكز التسوق والفنادق والمطاعم وأصبح العراقيون يقضون ساعات أكثر في الأسواق حتى وقت متأخر من الليل.

ومن بين الشركات التي قامت بتوسيع أنشطتها كانت شركة «الوطنية لتصنيع السيارات»، التي تبيع سيارات بورش وأوديسي وفولكس فاغن. وافتتحت الشركة ثلاث صالات عرض ومراكز إصلاح منذ عام 2010. وقال مدير المبيعات، محمد الطويل، إن مبيعات العام الماضي بلغت نحو 30 سيارة في الشهر من كل معرض، ولكن منذ بداية هذا العام لم تبع ثلاث صالات عرض مجتمعة هذا العدد في الشهر. وأضاف الطويل وهو يتحدث من صالة عرض في بغداد: «لا أحد يجرؤ على شراء سيارة جديدة باهظة الثمن في ظل الأوضاع المقلقة للغاية في الشارع». علاوة على ذلك، انخفضت أسعار العقارات في بغداد بنسبة تتراوح بين 10 و15 في المائة في وقت مبكر من العام الجاري.

لكن فوزي رحيم، وهو تاجر جملة يوزع المواد الغذائية إلى أكثر من 50 متجرا في منطقة بغداد الجديدة (شرق)، إن الصورة ليست قاتمة لهذه الدرجة، مضيفا أن المبيعات قد ارتفعت بنسبة تتراوح بين 25 و30 في المائة منذ يونيو (حزيران) الماضي. واختتم رحيم حديثه قائلا: «العراقيون لن يتوقفوا أبدا عن شراء الغذاء مهما كانت الأزمة التي يعانون منها».