تفاؤل في الغرب بحل الملف النووي بعد تولي روحاني الرئاسة

المالكي أبلغ واشنطن باستعداد الرئيس المنتخب لمفاوضات مباشرة.. وإدارة أوباما أظهرت تجاوبا

الرئيس الإيراني حسن روحاني يتوسط محمد هاشمي شهرودي وعلي لاريجاني في اجتماع سابق لهم في طهران (أ.ف.ب)
TT

قبل عشر سنوات عندما تعثرت المفاوضات النووية مع القوى الأوروبية لنحو من 10 سنوات، فعل حسن روحاني شيئا لم يفعله دبلوماسي إيراني من قبل.

ويروي دبلوماسيون غربيون كانوا موجودين هناك، أنه أخرج هاتفه الجوال واتصل بصديقه وزميل دراسته، المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، وأقنعه بضرورة وقف إيران تخصيب اليورانيوم. وأسفرت مكالمة روحاني، الذي انتخب رئيسا في يونيو (حزيران) ويتولى مهام منصبه الأسبوع المقبل، في التوصل إلى اتفاق في أكتوبر (تشرين الأول) 2003، وكان الاتفاق النووي الوحيد بين إيران والغرب على مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية.

وقال ستانيسلاس دي لابولاي، المدير العام المتقاعد لوزارة الخارجية الفرنسية، الذي كان عضوا في الوفد الأوروبي خلال محادثات بين عامي 2003 و2005: «أظهر روحاني أنه لاعب محوري في المؤسسة السياسية في إيران. وكان الوحيد القادر على تسويق شيء لا يحظى بشعبية لدى القادة الآخرين».

وهناك حالة كبيرة من التفاؤل في إيران والغرب بأن روحاني (64 عاما) مستعد لاستئناف محادثات جادة حول القضية النووية؛ إذ أبلغ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الولايات المتحدة هذا الشهر بأن روحاني مستعد لبدء المحادثات المباشرة، فيما أبدت إدارة أوباما استعدادها للدخول في حوار مباشر ثنائي مع طهران بعد سنوات من المفاوضات متعددة الأطراف.

وكان روحاني قد أعاد التأكيد في الأسابيع الأخيرة على ما أعلنه في حملته الانتخابية من أنه يشعر بقلق بالغ إزاء المشاكل الاقتصادية المتنامية لبلاده وعزمه على تخفيف حدة النبرة المتشددة والتكتيكات المتعنتة التي انتهجها سلفه، محمود أحمدي نجاد، والتي تسببت في تعثر المفاوضات النووية وقطع العلاقات مع معظم دول العالم المتقدم. ولكن السؤال القائم، كما هو الحال دائما في إيران، هو: إلى أي مدى يمكن للرئيس روحاني تحقيق هذه الأهداف.

يقول ميرزا آغا مطهري نجاد، أستاذ الاتصالات الذي قاد حملة روحاني في محافظة سمنان: «من الواضح أن تحديات كثيرة تنتظره، فبقاؤه السياسي مرهون بخياراته لأعضاء وزارته. فكلما زاد تمثيل الفصائل المختلفة، زاد حجم الدعم الذي سيلقاه».

نادرا ما يدلي روحاني بمقابلات مع صحافيين؛ فعلى أي رئيس إيراني أن يجيب على تساؤلات المرشد الأعلى. ولكن هذا ليس هو القيد الوحيد على سلطته في السياسة والمعقدة للجمهورية الإسلامية؛ فالصعود والهبوط الحاد اللذان حدثا لأحمدي نجاد يمثلان تحذيرا للطبيعة العابرة لسلطة الرئيس في إيران.

تولى أحمدي نجاد الحكم ثم أعيد انتخابه - عن طريق التزوير، بحسب معظم المراقبين - مرشحا للتيار التقليدي المحافظ المتشدد من رجال الدين وقادة الحرس الثوري. وتمتع بالنجاح لسنوات، وكان يجد متعة خاصة في الإصرار على إنكار المحرقة وتحدي إسرائيل، لكنه بحلول نهاية فترة ولايته دخل في اقتتال داخلي مرير مع أنصاره السابقين، وانخفضت شعبيته على نطاق واسع مع الجمهور الذي ألقى باللوم عليه في المشاكل الاقتصادية التي تعرضت لها البلاد.

تعرض روحاني لهزيمة على يد المتشددين بعد فشل الاتفاق النووي عام 2005 دون أمل في العودة. وكان «خائنا» في عيون منتقديه لأنه ارتكب ذنبا لا يغتفر بإظهار الضعف - رغم وصف أنصاره لذلك بالاعتدال - في المفاوضات مع الأوروبيين.

وفي أحد التحولات الأكثر إثارة للذهول في تاريخ الجمهورية الإسلامية، نجح روحاني في استعادة مكانته السابقة، معتمدا على اتصالات تعود إلى الأيام الأولى لمقاومة رجال الدين للشاه. لكنه لتحقيق طموحاته في إعادة توجيه البلاد إلى مسار معتدل والتأكيد على الحريات الشخصية، وتخفيف حدة التوتر مع الغرب وإصلاح الاقتصاد الإيراني الضعيف - فسوف يتعين عليه أن يتعامل تحديدا مع القوى التي هزمته وهزمت أحمدي نجاد.

ولد حسن فريدون روحاني في عهد الشاه الموالي للغرب محمد رضا بهلوي، لعائلة من رجال الأعمال البارزين ورجال الدين في بلدة صحراوية صغيرة. بدأ الصبي الدراسة في الحوزة الدينية في مدينة قم في مرحلة مبكرة، في سن الثالثة عشرة، حيث رافق العديد من الرجال الذين أصبحوا لاحقا من الشخصيات الرئيسية في الجمهورية الإسلامية.

وكتب روحاني في مذكراته، أحد ستة كتب أصدرها: «منذ الصغر كنت أسمع أبي يحكي لأفراد العائلة أنني سأكون عالم دين. وكان ذلك قدري».

كانت قم مرتعا للمقاومة ضد الشاه، ووجد الشاب حسن ضالته فيها. وكتب السيد روحاني في المذكرات، عن اعتقال آية الله روح الله الخميني، عام 1963 الذي أدى في وقت لاحق إلى الثورة الإسلامية عام 1979: «نحن والطلاب كنا على استعداد للقتل أو السجن أو التعذيب. كانت لدينا العصي في غرفتنا، وعندما كنا نسمع سيارة كنا نهرب إلى زقاق لأننا كنا على يقين من أنه سيتم القبض علينا». وكان في ذلك الوقت في سن الرابعة عشرة.

ودرس فيما بعد القانون في جامعة طهران وأدى الخدمة العسكرية الإلزامية في مدينة مشهد حيث كان صديقا مقربا لخامنئي.

في عام 1978 انتقل روحاني إلى بريطانيا لتدريس الفقه الإسلامي في جامعة لانكستر، وكان من المقرر أن يلتحق بجامعة هارفارد باعتباره طالب دراسات عليا عندما اندلعت الثورة. بدلا من الذهاب إلى كمبردج بولاية ماساتشوستس، توجه إلى باريس للانضمام إلى آية الله الخميني في المنفى.

لطالما عرف روحاني بذكائه، وذاع صيته بعد الثورة لقدرته على التكيف في نظام تهيمن عليه أصحاب الآيديولوجيات، وبناء توافق آراء بين العديد من القوى المعارضة. ويصفه القريبون منه بالفتى الذهبي لفريق الجمهورية الإسلامية المتماسك من القادة وصانع اتفاق كان له تأثير مباشر في معظم قرارات السياسة الخارجية الرئيسية في إيران على مدى العقود الثلاثة الماضية.

كان واحدا من ثلاثة مسؤولين إيرانيين التقوا مع مستشار الأمن القومي السابق روبرت ماكفرلين عندما زار طهران سرا عام 1986 لترتيب صفقة السلاح مقابل الرهائن التي تطورت في وقت لاحق إلى فضيحة إيران كونترا. لكنهم يحذرون من أنه، قبل كل شيء، رجل دين مسلم شيعي كرس حياته للثورة الإسلامية، التي لن يخونها على الإطلاق.

وقال أحد مساعديه المقربين السابقين خلال مقابلة في طهران، طلب عدم ذكر اسمه لأن روحاني طلب منه ألا يتكلم باسمه: «خصومنا مخطئون في توقع الحصول على تنازلات من روحاني، فالعقوبات والضغوط الأخرى لن تجعلنا نغير من مواقفنا. روحاني مهتم بالحوار، لا بحديث ممل مع الغرب. وقال إنه على استعداد للوصول إلى أرضية مشتركة، ولكن فقط إذا كان الجانب الآخر مستعدا للتوصل إلى أرضية مشتركة».

وكتب روحاني في كتبه حول السياسة الخارجية، أن الحداثة فشلت، وأن المسيحيين في الغرب استسلموا للعلمانية دون قتال. وبحسبه، فإن الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية في صراع دائم. وكتب أن إسرائيل هي «محور جميع الأنشطة المعادية لإيران». ولكنه أثار أيضا قضايا مثل هجرة الأدمغة في إيران وارتفاع أعداد البطالة، واقترح نيل عضوية منظمة التجارة العالمية. وقال: «نحن بحاجة للحفاظ على علاقة جيدة مع الشعب، ومعهم فقط سنتمكن من الاستمرار في مقاومة ومواجهة الولايات المتحدة الأميركية». كما كتب في أحد كتابين له حول «السياسة الخارجية والفكر الإسلامي».

رغم ذلك فإن الدبلوماسيين الذين واجهوه في المفاوضات أشادوا بمهاراته ومرونته. وقال بول فون مالتزان، السفير الألماني السابق لدى إيران الذي التقى روحاني عدة مرات: «إنه يحتل مكانة متميزة في نظام القوة الإيراني»، مشيرا إلى «أنه شخص لا يسهل التلاعب بها بسهولة وحازم».

كانت المرة الأخيرة التي التقيا فيها خلال زيارة خاصة لوزير الخارجية الألماني السابق، يوشكا فيشر. وأشار فون مالتزان: «تناولنا جميعا العشاء. وتحدث روحاني حول غلاسكو، حيث كان يدرس في التسعينات. كان يلقي النكات، وهو رجل مستقيم لا شخصا مخادعا».

وخلال 16 عاما عمل فيها وزيرا للمؤسسة صاحبة القرار الأهم في إيران، مجلس الأمن القومي، منع روحاني المتشددين من تشكيل تحالف مع صدام حسين بعد غزو العراق للكويت عام 1990. وبدلا من ذلك، ظلت إيران محايدة. أدار رد فعل إيران المحترم بشكل غير متوقع على هجمات 11-9 الإرهابية، وكان له دور فعال في مساعدة الولايات المتحدة في التنسيق مع قوات المعارضة في أفغانستان والعراق عندما غزت الولايات المتحدة تلك البلدان.

كانت أصعب مفاوضاته - تلك التي أدت إلى اتفاق 2003 - والتي أدت إلى توجيه انتقادات واضحة له. فهل هو على استعداد للمحاولة مرة أخرى؟ يقول محللون إنه يجيد ذلك، وقال نادر كريمي جوني، كاتب عمود في الصحف الإصلاحية، وهو جندي ديناميكي لهذا النظام منذ شبابه، إنها بنات أفكاره، وهو يشعر بالمسؤولية. وأي حلول ستصدر عنه سوف تكون في حدود نظام الجمهورية الإسلامية.

ويقول بعض الدبلوماسيين الأوروبيين إنهم يخشون أن روحاني كان متفائلا جدا عام 2003، وربما اجتاز معظم القيادات. وقال مفاوض أوروبي، طلب عدم ذكر اسمه لأنه لا يريد أن يضر بفرص نجاح أي محادثات مقبلة: «بعد حين بدأنا نشعر بالقلق مما إذا كان هو أو فريقه قد أطلع بشكل تام الزعماء الآخرين». لكن زميلا لروحاني، لديه معرفة كاملة بالمحادثات، رفض ذلك بالقول: «كان خطؤنا هو أن أعطينا الأوروبيين مزيدا من الثقة والأمان، لكنهم كانوا على اتصال مع الأميركيين طوال الوقت. ما يهم الآن هو أنه مع انتخاب السيد روحاني فتح نافذة جديدة من الفرص حتى بالنسبة للغرب. وأقترح أن يغتنموا هذه الفرصة».

* خدمة «نيويورك تايمز»