أعداد المقاتلين الأجانب في سوريا تفوق المتوجهة إلى العراق وأفغانستان

10% منهم قدموا من أوروبا وأميركا.. ومخاوف غربية من «قنبلة موقوتة» لدى عودتهم

TT

يثير تزايد أعداد المسلمين المتشددين، الذين يحملون جوازات سفر غربية ويسافرون إلى سوريا للمشاركة، في القتال مع المعارضة ضد نظام بشار الأسد مخاوف مسؤولي الاستخبارات الأميركية والأوروبية من تهديد إرهابي جديد، عندما يعود هؤلاء المتشددون إلى أوطانهم.

وقال مسؤولون إن أعداد المقاتلين الغربيين في سوريا تفوق الأعداد التي شاركت في القتال في العراق وأفغانستان والصومال واليمن، حيث ذهبوا إلى سوريا مدفوعين برغبتهم في مساعدة الشعب السوري في الإطاحة بالأسد، ولكن هناك مخاوف متزايدة من عودتهم ومعهم شحنات من الحماس الجهادي، وما يشبه الانضباط العسكري، ومهارات استخدام الأسلحة والمتفجرات، وربما في أسوأ الحالات أوامر من جهات تابعة لتنظيم القاعدة لتنفيذ هجمات إرهابية.

وخلال مؤتمر للأمن في مدينة آسبن بولاية كولورادو الأميركية خلال الشهر الحالي، قال مدير المركز القومي الأميركي لمكافحة الإرهاب ماثيو أولسن: «أصبحت سوريا بالفعل أكبر ساحة للمعارك الجهادية في العالم، وما يزيد قلقنا هو أن هناك أشخاصا يسافرون إلى سوريا، ويصبحون أكثر تطرفا وتدريبا ثم يعودون بعد ذلك ليكونوا جزءا من الحركة الجهادية العالمية في أوروبا الغربية، وربما الولايات المتحدة».

وتفيد إحصائيات سرية لوكالات الاستخبارات الغربية وتقديرات سرية لخبراء حكوميين ومستقلين بأن أعداد المقاتلين الغربيين في سوريا منذ بدء القتال هناك عام 2011 قد وصلت إلى أكثر من 600 مقاتل من أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا، وهو ما يمثل 10 في المائة من عدد المقاتلين الأجانب المقبلين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذين وصل عددهم إلى 6000. ويقول خبراء في الإرهاب إن معظم هؤلاء الغربيين متطرفين سافروا من تلقاء أنفسهم إلى تركيا، ثم يقوم وسطاء من الثوار بضمهم لمجموعات محددة، وقد انضم كثير منهم لصفوف جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، التي يصنفها مسؤولون أميركيون على أنها جماعة إرهابية.

وقال منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دي كيرشوف خلال مؤتمر آسبن: «هذا العدد من المقاتلين يختلف تماما عما عهدناه في الماضي».

وأفاد خبراء في مجال الإرهاب بأنه لا توجد وثائق تفيد بأن هناك مؤامرات إرهابية ذات صلة بالمقاتلين الغربيين في سوريا حتى الآن، إلا أن وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس وصف التهديد الذي يمثله المقاتلون الغربيون بأنه «قنبلة موقوتة». وتكثف أجهزة الأمن الأوروبية جهودها في المراقبة والبحث عن سبل لجعل السفر إلى سوريا أكثر صعوبة بالنسبة للأشخاص المشتبه في كونهم جهاديين. وتسارع وكالات الاستخبارات الغربية والأوروبية إلى العمل معا من أجل تعقب الأفراد الذين يسعون لعبور الحدود إلى سوريا من تركيا، على الرغم من أن كثيرا من المسؤولين الأميركيين عبّروا عن إحباطهم من عدم اتخاذ تركيا لخطوات أكثر قوة لوقف تدفق الأوروبيين للقتال في سوريا.

ويضغط وزير الداخلية الألماني هانز بيتر فريدريش من أجل تسجيل جميع الأجانب الذين يدخلون الاتحاد الأوروبي، كأحد التدابير التي من شأنها أن تساعد على تعقب المتطرفين العائدين بصورة أفضل.

وعلى الرغم من أن هذا التسجيل سوف يستغرق وقتا طويلا حتى يتم تطبيقه، فإن هذه الخطوة تعكس مدى قلق الدول الأوروبية، وإدراك القيادات الأمنية الألمانية أن جهود أي دولة بمفردها لن تكون فعالة دون مساعدة من شركائها الأوروبيين، نظرا للحدود المفتوحة في معظم أنحاء أوروبا.

وتركّز السلطات الألمانية حتى الآن جهودها المحلية على منع الأشخاص المشتبه في أنهم متطرفون من مغادرة البلاد. وفي ولاية شليسفيغ هولشتاين الشمالية، حددت السلطات الأمنية هذا الشهر 12 شخصا يُعتقد أنهم متطرفون، وقالت إن هناك «مؤشرات ملموسة» على أنهم كانوا يعتزمون الرحيل إلى سوريا.

وقال الادعاء العام في هولندا إنه على الرغم من أن السلطات لا يمكنها إيقاف الجهاديين من مغادرة البلاد، إلا أنه يمكنها مكافحة تجنيدهم، الذي يعد انتهاكا للقانون، ويعاقب عليه بالسجن لمدة تصل إلى أربع سنوات وغرامة تتجاوز 100000 دولار.

وقال مسؤولون في مجال مكافحة الإرهاب ومسؤولون استخباراتيون إنه من الصعب تحديد عدد المقاتلين الغربيين في سوريا، ولكن هناك تقديرات تشير إلى وجود نحو 140 فرنسيا و100 بريطاني و75 إسبانيا و60 ألمانيا، علاوة على عشرات الكنديين والأستراليين. وهناك أيضا مقاتلون من النمسا وبلجيكا والدنمارك وفنلندا وآيرلندا وإيطاليا والنرويج والسويد وهولندا، حسب دراسة تم إعدادها في شهر أبريل (نيسان) الماضي من قبل المركز الدولي لدراسة التطرف، وهو عبارة عن مجموعة من المؤسسات الأكاديمية التي تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا لها، والتي تشير إلى أن أعداد الأوروبيين الذي ذهبوا إلى سوريا تتراوح بين 140 و600.

وقال مسؤولون في الاستخبارات الأميركية إن نحو عشرة أميركيين قد ذهبوا إلى سوريا للقتال هناك. وكان نيكول لين مانسفيلد، وهو شاب في الـ33 من عمره من ولاية ميتشيغان الأميركية، اعتنق الإسلام في الآونة الأخيرة، قتل في شهر مايو (أيار) الماضي، بينما كان يقاتل إلى جانب الثوار السوريين في محافظة إدلب.

وواجه اريك هارون، وهو جندي سابق في الجيش الأميركي من مدينة فينيكس ويبلغ من العمر 30 عاما، واجه اتهامات في ولاية فرجينيا من قبل هيئة محلفين اتحادية الشهر الماضي، تتعلق بمزاعم بأنه قاتل إلى جانب جبهة النصرة. وفي شهر فبراير (شباط)، تفاخر هارون باشتراكه في الحرب ونشر صورة على صفحته على موقع «فيس بوك»، قائلا: «أسقطنا مروحية سورية، ثم حصلنا على جميع الأسلحة!».

وقد عاد نحو 30 مواطنا فرنسيا من خطوط الجبهة في سوريا، وفقا لماثيو غودير، وهو أستاذ بجامعة تولوز وخبير في مجال الإرهاب. وقال غودير إن معظم هؤلاء الأشخاص تم توقيفهم من قبل جهاز المخابرات المحلية، وخضعوا لاستجوابات مطولة بموجب قانون تم إقراره العام الماضي، يسمح بتوجيه التهم لمن يسافر إلى معسكرات التدريب أو مناطق القتال، عندما يتعلق الأمر بجماعات إرهابية.

وقال غودير إن منهم من عادوا لأنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى الجبهة أو العثور على مقاتلين لتسليحهم أو تدريبهم. وكثير منهم انتهى به الحال تائها بين اللاجئين على الحدود التركية والأردنية، وبعد الانتظار لبعض الوقت يعود إلى الوطن. وقال إن آخرين يرفضون من قبل الجيش السوري الحر، الذي لا يريدهم. وأشار إلى أن كثيرين منهم ينتهي به المطاف للبقاء، والانضمام إلى جبهة النصرة، والتي غالبا ما تقسمهم إلى مجموعات حسب الجنسية.

واعتقلت السلطات الهولندية مؤخرا فتاة تبلغ من العمر 19 عاما يشتبه في أنها تعمل على تجنيد الشباب الهولندي المسلم للقتال في صفوف المتطرفين في سوريا.

وذكر إريك فان دير سيب المتحدث باسم المدعي العام الاتحادي، في اتصال هاتفي، الجمعة، أن السلطات البلجيكية داهمت في أبريل (نيسان)، 48 منزلا في أنحاء البلاد، واعتقلت ستة رجال متورطين فيما وصفه الادعاء بأنه حملة تجنيد جهاديين لحركة التمرد في سوريا، وقد أفرج عن بعضهم. وأشار فان دير سيب إلى أن السلطات البلجيكية اعتقلت مؤخرا رجلا آخر بعد عودته إلى بلجيكا من سوريا، لكنه امتنع عن تقديم مزيد من المعلومات، مشيرا إلى أن التحقيق لا يزال جاريا، وقال: «ما زلنا نتابع ظاهرة ذهاب الأفراد إلى سوريا عن كثب»، مشيرا إلى سكان مناطق في بلجيكا مثل أنتويرب في فيلفورده، شمال بروكسل، شاركت في مجموعة تعرف باسم «الشريعة لبلجيكا».

* خدمة «نيويورك تايمز»