رئيس مالي بالوكالة: انتخابات أمس الأفضل منذ الاستقلال

انتخابات باماكو عرفت إقبالا ضعيفا في مدن الشمال.. ومشاكل فنية واجهت الناخبين

لاجئون ماليون في مخيم امبره شرقي موريتانيا يبحثون عن أسمائهم في اللائحة الانتخابية («الشرق الأوسط»)
TT

تعيش مالي حالة من الترقب في انتظار اتضاح الرؤية ومعرفة النتائج الأولية للشوط الأول من الانتخابات الرئاسية التي جرت أمس، على عموم التراب المالي بما في ذلك مدينة كيدال، معقل المتمردين الطوارق في أقصى شمال شرقي البلاد، والتي كانت نسبة الإقبال فيها على مكاتب التصويت ضعيفة جدا، وعرفت خروج مظاهرة ومسيرة لرفض الانتخابات.

وظلت مكاتب التصويت في كيدال مفتوحة طيلة اليوم، في ظل إجراءات أمنية مشددة من طرف القوات الأممية والفرنسية؛ ولكن الإقبال كان ضعيفا جدا خاصة بعد تعذر تمكن الناخبين من معرفة مكاتب تصويتهم، إثر تمزق اللائحة الانتخابية التي علقت يوم الجمعة على جدران مكاتب التصويت، بعد هبوب عاصفة رملية قوية.

وكانت الأوضاع في كيدال واضحة منذ البداية حيث غابت عن المدينة أي مظاهر دعائية خلال الحملة الانتخابية، وانتشرت على الجدران كتابات مناهضة للانتخابات وللدولة المركزية في باماكو، معلنة رغبة سكان المدينة في استقلال إقليم أزواد»، بينما اتهم بعض الناخبين الحركة الوطنية لتحرير أزواد بوضع العراقيل أمامهم لمنعهم من الذهاب إلى مكاتب التصويت.

في أحد أحياء مدينة كيدال التي تسكنها أغلبية من قبائل الطوارق، نظم بعض السكان حفلا موسيقيا بالتزامن مع فتح مكاتب التصويت، وذلك من أجل جلب الناخبين ومنعهم من المشاركة في الاقتراع، هذا بالإضافة إلى قيام بعض الشباب الطوارق وهم يركبون دراجات نارية بالمرور من أمام مكاتب التصويت، وهم يحملون علم أزواد، ويرددون عبارة: «لا لمالي.. نعم لأزواد».

وعكس الوضع المتوتر في مدينة كيدال، كانت الأوضاع أكثر هدوءا في مدينة غاو، كبرى مدن الشمال المالي، حيث كان الإقبال كبيرا على مكاتب التصويت، في ظل توقعات بوصوله إلى رقم قياسي على المستوى الوطني، وهو إقبال يأتي في ظل ظروف أمنية صعبة بعد تهديد جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، التي كانت تسيطر على غاو لأكثر من نصف عام، باستهداف مكاتب التصويت، فكانت الإجراءات الأمنية مشددة حيث جرى التأكد من هويات الناخبين وتفتيشهم.

وفرض مئات من الجنود الفرنسيين طوقا أمنيا على مدينة غاو، بينما انتشر جنود من التوغو تابعون لقوات حفظ السلام الأممية، في المدينة لتأمين مكاتب التصويت، وهي إجراءات أمنية تزيد من صعوبة هذه الانتخابات الرئاسية التي تنظم في ظروف مناخية صعبة مع شهر رمضان الكريم وبداية موسم الأمطار الذي يرافقه ارتفاع كبير في درجات الحرارة.

أما في مدينة تمبكتو التاريخية والأشهر من بين مدن شمال مالي، فكان الإقبال على مكاتب التصويت ضعيفا، بسبب خلو المدينة من سكانها العرب الموجودين في مخيمات اللاجئين في شرق الأراضي الموريتانية، بينما عانى الناخبون المسجلون في تمبكتو من مشكلة عدم معرفة مكاتب الاقتراع، رغم رغبتهم الواضحة في التصويت.

ورغم التحديات التي واجهها الناخبون في شمال مالي، فإن بعض المراقبين يرى أن الشمال لم يكن كتلة انتخابية يمكن أن تؤثر في نتائج الانتخابات الرئاسية في مالي، خاصة أن عشرات الآلاف من اللاجئين الماليين في البلدان المجاورة ينحدرون من الشمال. ويرى الصحافي المالي عبد ول ديارا، أن «الشمال لا يشكل عمقا انتخابيا حقيقيا».

وأضاف ديارا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «المناطق التي تؤثر بشكل مباشر في نتائج الانتخابات هي منطقتا موبتي وسيكاسو، وسط البلاد، فعلى ضوء النتائج الأولية في هاتين المنطقتين يمكننا معرفة الفائز في هذه الانتخابات، أو على الأصح المرشحين اللذين سيذهبان إلى الشوط الثاني».

وفي سياق حديثه عن العاصمة باماكو، قال ديارا إن «باماكو لم تكن قط مؤثرة في النتائج الانتخابية، لأن نسبة المشاركة فيها دوما تكون ضعيفة، كما أن الناخبين فيها منقسمون ما بين المرشحين».

«الشرق الأوسط» زارت المدرسة رقم 2 في حي «أسي 2000» الواقع غرب باماكو، وذلك ساعات قبيل انتهاء التصويت مساء أمس، وتحدثت إلى رئيس المكتب بالا ممادو كيتا، الذي قال: «منذ الجمعة الماضي حصلنا على تجهيزات الاقتراع كاملة، ويوم السبت عرف الرؤساء مكاتب التصويت المسؤولين عنها، وعرضوا اللائحة الانتخابية، وقاموا بوضع العازل الانتخابي في مكاتب التصويت، ويوم الأحد صباحا اكتملت تجهيزات المكاتب، وبدأ التصويت في الثامنة صباحا من دون أي مشاكل أمام مناديب المرشحين ورؤساء المكاتب وأعضاء من اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات ومراقبين دوليين ومن المجلس الدستوري».

وأضاف رئيس مكتب التصويت أن «الإقبال كان كبيرا.. حيث تشكلت الصفوف أمام مكاتب التصويت منذ الساعات الأولى، واستمر على نفس الوتيرة حتى ساعات المساء؛ بالفعل بعض الناخبين واجهوا مشاكل في معرفة المكاتب التي يجب عليهم التصويت فيها، ولكننا حاولنا دائما أن نوجههم إلى مكاتبهم للإدلاء بأصواتهم في الوقت المناسب»، ورفض كيتا إعطاء قيمة تقريبية لنسبة المشاركة في هذه الانتخابات.

من جهته، قال دامبيلي فيلي، منسق المناديب في مكاتب التصويت عن المرشح سوميلا سيسي، من حزب الوحدة من أجل الجمهورية والديمقراطية، إن «عملية الاقتراع جرت في أجواء جيدة حيث لم تسجل أي أعمال عنف لفظي أو مادي، أو حتى توتر بين مختلف الناخبين»، مشيرا إلى أن «المشكلة الوحيدة التي لمسوها هي حالة بعض الناخبين الذين وجدوا صعوبة في العثور على مكاتب تصويتهم، بينما كانت المكاتب غير مجهزة بالإنترنت لتوجيه هؤلاء الناخبين بشكل سريع إلى مكاتبهم».

وأضاف دامبيلي لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أوصينا مناضلينا بعدم الانجرار وراء الحماس الانتخابي، وتحدثنا إليهم وشرحنا لهم أن مصلحة مالي تأتي قبل كل شيء، وبالتالي فإننا سنقبل بأي نتيجة تسفر عنها هذه الانتخابات، وذلك من أجل مصلحة مالي التي نعتبرها عائلتنا الكبيرة التي لا يمكن أن نضحي بها بالخروج إلى الشارع وخرق القانون».

وأعلن الرئيس المالي بالوكالة ديونكوندا تراوري، بعد إدلائه بصوته صباح أمس أن «هذه الانتخابات هي الأفضل منذ استقلال مالي سنة 1960»، مؤكدا أنه منح صوته للمرشح الذي أقنعه ببرنامجه خلال الحملة الانتخابية، رافضا الكشف عن هوية هذا المرشح.

يشار إلى أن عدد الناخبين الماليين يقدر بنحو سبعة ملايين شخص مسجلين على اللائحة الانتخابية، 85 في المائة منهم سحبوا بطاقات الناخب، في ظل خشية البعض من ضعف المشاركة في هذه الانتخابات بسبب بعض النواقص الفنية التي منعت الكثير من الناخبين من الوصول إلى المكاتب التي يمكنهم التصويت فيها؛ هذا بالإضافة إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية السابقة في مالي سنة 2007 كانت ضعيفة ولم تتجاوز 35 في المائة.