جيل جديد من الأفغان يتحدى الحروب بالدراما التلفزيونة وكرة القدم

رحلة محسني مالك إمبراطورية «تولو» (روبرت ميردوخ أفغانستان).. طويلة وشاقة

سعد محسني تبنى دوري كرة القدم الأفغاني الجديد في استاد رياضي كان قبل 15 عاما مسرحا دمويا لتنفيذ حكم الإعدام من قبل حركة طالبان (نيويورك تايمز)
TT

في المباراة الافتتاحية لدوري كرة القدم الأفغاني الجديد في كابل في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وقف سعد محسني على خط الملعب وهو يرتدي زيا غربيا ويبتسم ابتسامة عريضة قائلا: «نعم، عليكم أن تصدقوا ما ترونه الآن».

وكان يقف حوله نحو 4000 مشجع أفغاني يأخذون قسطا من الراحة من المشكلات التقليدية والعنف الذي بات شيئا أساسيا في حياتهم اليومية، لكي يلوحوا بالأعلام ويزأروا لفرقهم التي تم تكوينها في الآونة الأخيرة. وفي المدرجات المتهالكة وراءه، كانت هناك مجموعة من الشخصيات الأفغانية المهمة بزيها التقليدي تصفق بهدوء على الإنجاز الذي حققه محسني والمتمثل في إقامة وإذاعة مباراة كرة قدم في بلد فقير لا يزال في حالة حرب وفي موقع استاد رياضي كان قبل 15 عاما تقريبا مسرحا دمويا لتنفيذ حكم الإعدام العلني من قبل حركة طالبان.

وقال محسني (47 عاما) وهو يرتدي نظارته الأنيقة: «ألا يعد هذا شيئا ممتعا؟»، ونجح محسني في إدخال قدر من الحياة الطبيعية إلى أفغانستان، حيث لا يعدو دوري كرة القدم الجديد الذي أقامه سوى جزء من إمبراطوريته الإعلامية الأكبر في أفغانستان والمتمثلة في شركة «موبي غروب» القابضة التي أنشأها هو وعائلته بعد عودتهم إلى كابل من أستراليا عام 2002. وكشركة خاصة، لا تعلن «موبي غروب» عن أرباحها، ولكن بعض الأشخاص المطلعين على أدائها يقولون إنها قد تحقق أرباحا تتجاوز 60 مليون دولار خلال السنة المالية الحالية.

وفي بلد كانت حركة طالبان تحظر فيه التلفزيون في الماضي وحيث يصل سعر جهاز التلفزيون إلى نحو ربع متوسط الدخل السنوي للمواطن الأفغاني وفي ظل عدم وجود التيار الكهربائي بانتظام، أقام محسني أعماله في «فقاعة» من الأمن والرخاء التي يوفرها الوجود الدولي في البلاد. لقد فعل ذلك بمساعدة من الولايات المتحدة الأميركية وبدعم مالي من مؤسسة «نيوز كوربريشن» المملوكة لصديقه إمبراطور الإعلام روبرت ميردوخ.

والآن، يقف محسني على أعتاب المرحلة المقبلة من التنمية والتطور، مثله في ذلك مثل أفغانستان نفسها التي تواجه العام المقبل انسحاب معظم القوات الدولية والانتقال السياسي المتوتر عقب الانتخابات الرئاسية. وخارج ملعب المباراة ووراء حراس الشرطة الموجودين في الأبراج القريبة، فإن الواقع هو أن أفغانستان لا تزال دولة فقيرة ومضطربة تعمها الفوضى، ويخشى البعض من انزلاقها لوضع أسوأ عندما يواجه جيشها حركة طالبان من دون الدعم الدولي، في الوقت الذي تتضاءل فيه المساعدات المالية.

وقد تشهد السنوات القادمة خطرا جامحا على محسني وإمبراطوريته من حركة طالبان وغيرها من الجماعات السياسية التي اصطدم معها خلال العقد الماضي. وبالفعل، تلقى العاملون بشركة «موبي» تهديدات بالقتل والاعتقال بسبب انتهاكهم لبعض المحرمات مثل ظهور النساء في التلفزيون وانتقاداتهم للحكومة والجماعات المتمردة.

عودة حركة طالبان إلى السلطة أو صعود حكومة أكثر تشددا، أو حتى مجرد حدوث مشكلات أمنية كبيرة لا يمكن التنبؤ بها، سوف تجعل الحياة شيئا مؤلما لأمثال محسني، وقد تصبح إنجازاتهم وثروتهم وحتى حياتهم في خطر كبير.

ومع انحسار دور الولايات المتحدة في أفغانستان، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ماذا سيكون الوضع عقب رحيل القوات الأميركية؟ في الواقع، تعد صناعة إعلام مستقل ومزدهر بمثابة ركن مهم من الاستراتيجية الأميركية لإعادة بناء البلاد، وأصبحت شركة «موبي» جزءا مهما من المشهد الإعلامي هناك. وبعد إطلاق ثلاث قنوات تلفزيونية واثنتين من الشبكات الإذاعية وشركة إنتاج ووكالة إعلانات وشركة تسجيلات وخدمة بث الهواتف الجوالة ومجلة، بدأ محسني يركز على التوسع خارج أفغانستان.

ويعمل في شركة «موبي» نحو 1000 موظف، معظمهم في كابل، ولكنها ستفتتح قريبا نحو 20 مكتبا في ستة بلدان. وتتخذه هذه الشركة من دبي مقرا لها، وتكمن استراتيجيتها في الاستمرار في النمو في أفغانستان واقتحام بلدان أخرى في المنطقة مثل إيران والعراق وليبيا. وفي محادثة هاتفية معه في الآونة الأخيرة، قال محسني: «نموذج الأعمال الآن هو مجموعة متنوعة لوسائل الإعلام في جميع أنحاء المنطقة. تكمن الاستراتيجية في الذهاب إلى البلدان عالية المخاطر والتي يتراوح معدل النمو بها بين 20 في المائة و30 في المائة. إنها مثل محفظة من السندات مرتفعة العائد كبيرة المخاطر».

وفي الحقيقة، كانت رحلة محسني الذي يطلق عليه البعض لقب «روبرت ميردوخ أفغانستان» طويلة وشاقة، فهو نجل دبلوماسي أفغاني وكان يضع صورة والده أعلى طاولة في مكتب صغير وسط العاصمة كابل يخضع لحراسة مشددة من حراس أمن مدججين بالسلاح. ولد محسني في لندن ونشأ في ملبورن، التي انتقل إليها والده في الثمانينات من القرن الماضي عقب الاحتلال السوفياتي لأفغانستان. واتجه محسني للعمل في مجال الخدمات المصرفية، وبالتحديد في السلع والأسهم في أسواق رأس المال.

وعقب الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، عاد مرة أخرى إلى موطنه الذي دمرته الحروب مع شقيقيه وشقيقته. وكان محسني قد عاش في أفغانستان فترتين منفصلتين، الأولى من الثالثة وحتى السابعة من عمره، والثانية من التاسعة وحتى الثانية عشرة من عمره. وعن ذلك يقول محسني: «شعرنا بأنه يتعين علينا العودة والمساهمة بأي شيء. في البداية، كان الأمر وكأنني أريد أن أعود فقط لأشم رائحة المكان».

وفكرت العائلة في إنشاء شركة رأسمال استثماري للعمل في صناعات مثل تجارة اللوز في شمال البلاد، ثم حصلت على رخصة البث وأطلقت محطة إذاعية، ثم توجهت لإطلاق قنوات تلفزيونية، حيث أطلقت قناة «تولو» التي تحظى بشعبية طاغية في كابل وغيرها من المدن. ووفقا لتقرير صادر عن مؤسسة «التاي» للاستشارات، تصل قنوات «موبي» إلى نحو 50 في المائة من مشاهدي التلفزيون، ووفقا لبعض التقديرات، يمكن أن تزيد هذه النسبة إلى 60 في المائة.

ولا يتفق الجميع على المواد التي تبثها تلك القنوات، حيث يرى بعض النقاد أنه من غير المناسب تماما إذاعة أعمال درامية ومباريات كرة قدم في بلد فقير لا يزال يفتقر للرعاية الصحية الأساسية والتعليم وغيرها من الاحتياجات الأساسية، في حين يرى آخرون أن وجود قطاع إعلامي مستقل أمر مهم للغاية، وأن البرامج التي تقدمها «موبي» ما هي إلى جزء من هذا القطاع. إن وجود محطات «موبي» وأكثر من 70 محطة تلفزيونية أخرى قد خلقت جيلا يؤمن بأن يرى شيئا آخر غير الحروب التي دمرت البلاد.

* خدمة «نيويورك تايمز»