لبنان: «لعنة» التمديد تجتاح المؤسسات.. والاحتجاج يقتصر على الناشطين المدنيين

بعد تعطيل المجلس الدستوري والتعيينات الإدارية والإطاحة بالانتخابات

TT

يبدو أن لعنة التمديد تنتقل كالعدوى من مؤسسة لبنانيّة إلى أخرى. بعد تمديد ولاية البرلمان اللبناني نهاية شهر مايو (أيار) لمدة 17 شهرا بذريعة أن الأوضاع الأمنية لا تسمح بإجراء انتخابات نيابيّة في لبنان، والتمديد بالنتيجة لرئيس البرلمان نبيه بري، الذي يرأس المجلس النيابي منذ عام 1992. بعد تعطيل عمل المجلس الدستوري، وبموازاة شلل الحكومة التي يعجز الرئيس المكلف تمام سلام عن إحراز أي تقدم في المشاورات بشأنها مع الفرقاء اللبنانيين، يسلك التمديد طريقه إلى المؤسسات الأمنية، إذ بات شبه محسوم التوجه لتمديد ولاية قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي إضافة إلى رئيس الأركان اللواء وليد سليمان ومدير المخابرات العميد إدمون فاضل.

ولا تسري حالتا التمديد أو التعطيل على البرلمان والحكومة والمؤسسات الأمنية فحسب. حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يتولى منصبه حتى اليوم بعد التجديد له لثلاث دورات متتالية. التعيينات في الإدارة اللبنانية معطلة، علما بأن نحو 180 موقعا شاغرا في أكثر من وزارة ومؤسسة لبنانية. مؤسسة قوى الأمن الداخلي بلا مدير عام، بعد إحالة اللواء أشرف ريفي إلى التقاعد خلال شهر مايو الفائت.

يربط كثيرون بين حالة التمديد والتعطيل التي تجتاح المؤسسات اللبنانية وبين المشهد السوري. «إذا أردت أن تعرف ما سيحصل في لبنان، عليك أن تنتظر ما سيحصل في سوريا». عبارة تتردد بصيغ عدة على لسان مسؤولين لبنانيين وعلى لسان عامة الشعب اللبناني. انغماس حزب الله في القتال في سوريا مقابل دعم الإسلاميين اللبنانيين لمعارضي النظام السوري والعجز عن ضبط الحدود إضافة إلى التدفق الكبير للنازحين السوريين إلى لبنان، يجعل الترابط بين الملف اللبناني وإيقاع الأزمة السورية أكثر ترابطا.

في سيارة الأجرة، كما في المحال والشارع وفي الجلسات العائليّة ومع الأصدقاء، يجمع قسم كبير من اللبنانيين على أنه «لا رغبة حقيقية لدى المسؤولين ببناء الدولة ومؤسّساتها». لكنهم، أي اللبنانيين، لا يحركون ساكنا للتمرد على هذا الواقع. تبقى حالة الامتعاض مقتصرة على مواقع التواصل الاجتماعي. تعليقات وصور ورسوم كاريكاتورية لا تعد ولا تحصى تنتقد التمديد حينا والتعطيل حينا آخر، فيما ناشطو المجتمع المدني ينظمون تحركات احتجاجية، كان آخرها رفضا لتعطيل الانتخابات النيابية وتمديد ولاية البرلمان اللبناني. لكن هذه التحركات لم تدم أكثر من أسبوع ولم تنجح في إقناع عدد كبير من اللبنانيين بالالتفاف حولها ومواكبة اعتراضها.

ويقول أمين سر الحملة المدنية للإصلاح الانتخابي ورئيس جمعية «متطوعون بلا حدود» الناشط المدني رياض عيسى لـ«الشرق الأوسط» إن «الطبقة السياسية نجحت بتحويل اللبنانيين من مواطنين لهم حقوق وعليهم وواجبات إلى أزلام وأتباع». ويعرب عن اعتقاده بأن «المواطن اللبناني بات معنيا بزعيم الطائفة ويتكل على توجيهاته، فيما زعماء الطوائف أقنعوا الناس أخيرا بأن الوضع الأمني لا يسمح بإجراء انتخابات وترافق ذلك مع تفجيرات أمنية في الشمال والجنوب لتبرير هذا التأجيل».

لا يستغرب عيسى تقاعس اللبنانيين عن النزول إلى الشارع دفاعا عن الدولة ومؤسساتها وتداول السلطة. ويرى أن «اللبناني الذي يصل إلى وظيفته بـ(وساطة) من الزعيم، ويدخل أولاده إلى المدارس بـ(وصاية) من الزعيم ويدخل إلى المستشفى الحكومي بـ(تسهيل) من الزعيم، لن ينزل بالتأكيد إلى الشارع إلا بإشارة من الزعيم»، لافتا إلى أنه «عوض أن يسأل المواطن اللبناني ما الذي أقدمه لوطني، يسأل: ماذا يقدم لي وطني».

قبل التمديد لولاية البرلمان اللبناني برز فريق النائب ميشال عون كأبرز المعترضين عليه والداعين إلى إجراء الانتخابات في موعدها. لكن محازبي ومناصري عون لم ينزلوا إلى الشوارع ولم يشاركوا في التحركات المدنية وإن كان بشكل رمزي.

وكان النائب ميشال عون قد وجه نداء إلى اللبنانيين أمس أشار فيه إلى أن «الدلائل والبراهين على ارتكاب المخالفات الدستورية وتجاوز القوانين والإقدام على الإجراءات الارتجالية كثيرة»، داعيا إلى أن «نتحد معا، على اختلاف انتماءاتنا، لمواجهة تفكيك الدولة ومؤسساتها وإلغاء الوطن».

ولا يستبعد محللون سياسيون في هذا السياق أن يصل قطار التمديد إلى رئاسة الجمهورية، علما بأن الرئيس اللبناني ميشال سليمان كان قد أعلن في مقابلات صحافية في الفترة الأخيرة أنه كما رفض تمديد ولاية البرلمان اللبناني سيرفض تمديد ولايته الرئاسية.

وبرغم أن مبدأ التمديد على المستويات كافة يلقى معارضة لبنانية واسعة، لكن ما يقرره زعماء السياسة يبدو غير قابل للتعديل أو الإلغاء. يقول عيسى، الذي شارك في التحركات الاحتجاجية ضد تمديد ولاية البرلمان اللبناني: «سبعة زعماء في لبنان يقررون عن كل اللبنانيين، ويحولون الانتخابات إلى عملية استفتاء بين مشروعين. عام 2009. كان الخيار تأييد المقاومة أو المحكمة الدولية واليوم الاستفتاء حول الموقف السوري، وفي الحالتين لا مكان أو صوت للمستقلين».

وفي موازاة تأكيده على أن «التمديد غير قانوني وغير دستوري، في المؤسسات كافة وأن الأولوية يجب تنصب على احترام المهل الدستورية»، يسأل الناشط المدني: «الناس يدركون جيدا أن المجلس فشل بالتعاطي مع كل الملفات خلال 4 سنوات، ومن ضمنها قانون انتخاب، فكيف سيتم الاتفاق على قانون انتخاب خلال 17 شهرا، مدة تمديد ولاية البرلمان؟ ومن يضمن أن تسمح الأوضاع الأمنية بإجراء انتخابات خلال 17 شهرا وما الذي يمنع من إيجاد ذريعة مماثلة لتعطيل الانتخابات مجددا؟».

ورأى نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي أمس أن «تبرير التمديد على أنه يحفظ الاستقرار أمر غير دقيق»، وحذر من أن «نظام القيم في لبنان ينهار من خلال طرح موضوع التمديد في كل المواقع والمناصب»، متسائلا: «ألا يوجد شخصيات تتمتع بمواصفات تؤهلها تسلم هذه المواقع؟».