مفخخات بغداد تحشر الحكومة في زاوية ضيقة

لجنة الأمن البرلمانية: المبادرة أصبحت بيد «القاعدة»

TT

لم يفق العراقيون، قادة ومواطنون، بعد من صدمة «موقعة السجون» التي جرت أواخر الأسبوع الماضي في سجني التاجي وأبو غريب في بغداد وأدت إلى هروب المئات من السجناء من تنظيم القاعدة حتى فوجئوا بعشرات السيارات المفخخة التي ضربت صباح أمس العاصمة بغداد وعددا من المحافظات الوسطى والجنوبية.

ورغم الإجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي بطرد مدير السجون وعدد من معاونيه وإحالتهم مع عدد من كبار الضباط في وزارة الداخلية من المسؤولين عن حماية السجون وقواطع التاجي وأبي غريب فإن البرلمان العراقي فشل في وقت سابق من هذا الأسبوع في استضافة قائدي عمليات بغداد ودجلة بسبب عدم موافقة المالكي على حضورهما أمام البرلمان. وكان المالكي قد برر في وقت سابق عدم موافقته على حضور كبار القادة الأمنيين إلى البرلمان بسبب أن هناك أعضاء في البرلمان يدعمون الإرهاب وينسقون مع الجماعات المسلحة وبالتالي فإن حضور القادة الأمنيين يعني الكشف عن معلومات أمنية واستخبارية قد يستفيد منها العدو.

لكن لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، التي أكدت المعلومات التي أفادت بإقالة مدير الاستخبارات العسكرية، قالت، إن «المشكلة لم تعد في كيفية الحصول على المعلومة الأمنية بل في كيفية التعامل معها». وقال عضو اللجنة عن كتلة التحالف الكردستاني، حسن جهاد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «التدهور الأخير في الملف الأمني لا سيما بعد حادثتي سجني التاجي وأبو غريب أكد حقيقة أساسية وهي أن تنظيم القاعدة استغل بشكل يكاد يكون مثاليا الوضع المزري الذي تمر به المنظومة الأمنية بسبب عدم وجود خطة أمنية أو وحدة قرار وتشتت في كل شيء بحيث أصبح زمام المبادرة بيده وهو ما جعله يضرب في الوقت الذي يختاره والأماكن التي يختارها».

وردا على سؤال بشأن طبيعة الأهداف وهي كلها مدنية وفي مناطق ذات غالبية شيعية، قال جهاد إنه «بصرف النظر عن الأهداف التي ترمي إليها مثل إحداث فتنة طائفية أو غيرها فإننا عندما نتحدث بأسلوب مهني وعلمي فإن التراخي الأمني لدى أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية يوفر لـ(القاعدة) البيئة المناسبة لكي تضرب بكل قوة مما يجعل هذه الأجهزة تمضي من فشل إلى فشل وهو ما يحقق لها هدفا لوجيستيا مهما في عملها». وبشأن ما تردد عن إقالة قائد الاستخبارات العسكرية قال جهاد، إن «المعلومات المتوفرة تشير إلى إقالته بالفعل لأن المشكلة التي بدأت تواجهها الأجهزة الأمنية العراقية هي ليس نقص المعلومات الاستخبارية بل في عدم القدرة إما على التعامل معها أو عدم وصولها في الوقت المناسب».

من جانبه أكد عضو البرلمان العراقي عن القائمة العراقية والضابط السابق في الجيش العراقي برتبة لواء حامد المطلك في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «المشكلة الأساسية هي أن الحكومة بكل ما لديها من أجهزة عسكرية وأمنية غير قادرة على حماية الناس وهو الهدف الأول لأي حكومة ومنظومة أمنية في العالم». وأضاف المطلك أن «الفشل هنا مركب فهناك فشل سياسي ينعكس بالضرورة على الأداء الأمني وفشل أمني بسبب عدم بناء المنظومة الأمنية على أسس مهنية صحيحة وهو ما يجعل الأمور دائما في وضع بالغ الحراجة». واعتبر المطلك أن «المطلوب إعادة النظر بكل شيء من السياسة إلى الأمن وإعادة بنائه بطريقة مهنية حرفية وليست عرقية طائفية لم نجن منها طوال السنوات العشر الماضية سوى الخراب والدمار».

وكان رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي اعتبر في بيان أمس أن ما جرى أمس من تفجيرات هدفه «بث الفرقة وإثارة النعرات الطائفية بين أبناء الشعب الواحد». وأكد النجيفي أن هذا مؤشر خطير يؤكد العجز الواضح في أداء الأجهزة الأمنية، وعدم قدرتها على حماية المواطنين، لا سيما بعد توالي الهجمات وارتفاع عدد الخروقات في الكم والنوع مما أدى إلى وقوع خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات، ودون أن يقابل ذلك أي تطور نوعي ملموس يمكن من خلاله طمأنة الشعب بقدرة المؤسسات الأمنية على التصدي ومواجهة هذا الخطر الدائم.

من جانبه أكد وزير الدولة لشؤون العشائر السابق وزعيم الكتلة البيضاء في البرلمان العراقي جمال البطيخ أن «النظام السياسي الحالي في العراق لديه الكثير من الأعداء ممن حاولوا إسقاطه بشتى السبل ولكنهم لم يتمكنوا بالوسائل التقليدية وهو ما جعلهم يعملون على إثارة السخط من خلال اختيار أهداف سهلة لكي تحشر الحكومة في أضيق زاوية وتبدو عاجزة عن حماية الناس». وقال البطيخ لـ«الشرق الأوسط»، إن «الوضع الأمني في العراق يتعرض الآن إلى مخاطر كبيرة حيث إن ما حصل في السجون جرس إنذار كبير وما حصل اليوم إنما هو جزء من المسلسل الذي يبدو أنه لا أحد يريد الاتعاظ منه وهو أمر لا يمكن تخطيه حيث إن الأوان قد حان لاتخاذ إجراءات صارمة وإلا فإن الحكومة ستكون محرجة تماما أمام الشعب وأمام حلفائها ممن يساندونها ويقفون إلى جانبها». وأوضح أن «الجزء المهم الآن للحفاظ على السلم الأهلي والمجتمعي في العراق يتحمله شيوخ العشائر وأطراف المجتمع المدني» كاشفا عن «عقد اجتماع اليوم الثلاثاء مع نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي لتفعيل مبادرة السلم الاجتماعي في العراق وعرضها على الطبقة السياسية من أجل وضع حد لهذا التناحر السياسي الذي بات يشكل خطرا على العملية السياسية والبناء الاجتماعي بكل نسيجه العشائري والديني والمذهبي».