البرلمان الليبي يستعين بالجيش بعد تحذير أبو سهمين من انقلاب على الشرعية

استقالة وزيرة احتجاجا على أحداث بنغازي.. وزيدان يؤكد بقاء حكومته

ليبيون يتجمعون حول سيارة للجيش الليبي فجرت أمس في بنغازي (رويترز)
TT

عقد نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في ليبيا اجتماعا هو الأول من نوعه مع ضباط وقادة الجيش الليبي باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية، ومن جهته دافع الدكتور علي زيدان رئيس الحكومة الانتقالية عن حكومته ونفى ضمنيا اعتزامه الاستقالة، متهما أعضاء في المؤتمر بمحاولة عرقلة عمل الحكومة التي استقالت منها أمس وزيرة الشؤون الاجتماعية احتجاجا على تردي الوضع الأمني في البلاد.

وتزامنت هذه التطورات مع وصول فريق تحقيق دولي يضم خبراء من فرنسا والشرطة الدولية (الإنتربول) إلى العاصمة الليبية طرابلس لمساعدة السلطات المحلية على كشف ملابسات موجة الاغتيالات التي طالت مؤخرا عددا من الناشطين الإعلاميين والمسؤولين العسكريين في بنغازي.

وكشف ناشطون سياسيون وإعلاميون بالإضافة إلى أعضاء في المؤتمر الوطني الذي يعتبر أعلى سلطة تشريعية في ليبيا النقاب عن تلقيهم تهديدات بالقتل والتصفية الجسدية. وقال أكثر من صحافي وإعلامي ليبي إنه تلقى رسائل تهديد عبر بريده الإلكتروني أو هاتفه النقال بأنه «قد يكون الضحية التالية على قوائم الاغتيالات».

وأقر مسؤول حكومي ليبي رفيع المستوى في اتصال هاتفي من طرابلس مع «الشرق الأوسط» بصحة وجود عشرات الأسماء على قوائم يتم تداولها منذ يومين، لكنه قال في المقابل إن أجهزة الأمن الليبية لم تتوصل إلى الجهة التي تقف وراء هذه التهديدات أو القوائم.

إلى ذلك، قال مسؤول في الحكومة الليبية إن كلا من الحبيب الأمين وزير الثقافة وصلاح الميرغني وزير العدل كانا على وشك إعلان استقالتيهما من منصبيهما لكنهما تراجعا في اللحظات الأخيرة دون أي تفسير، بينما أعلنت وزيرة الشؤون الاجتماعية الليبية كاملة خميس المزيني استقالتها من حكومة زيدان، احتجاجا على موجة جديدة من التفجيرات والعمليات الإرهابية التي استهدفت مكتب الادعاء العام ومحكمة شمال بنغازي، ما أدى إلى سقوط عشرات الجرحى وتدمير بعض المنازل المجاورة.

وقدمت الوزيرة استقالتها مساء أول من أمس أمام حشد من الليبيين أمام فندق «تيبستي» بوسط مدينة بنغازي إحياء للذكري الثانية لاغتيال الفريق عبد الفتاح يونس رئيس أركان جيش التحرير الليبي خلال أحداث الثورة في عام 2011.

وقال مسؤول ليبي طلب عدم تعريفه إن قوات الجيش والشرطة في العاصمة طرابلس أعلنت حالة الاستنفار القصوى وسط معلومات عن تحركات غامضة لبعض الميلشيات المسلحة داخل المدينة.

وقال بيان مقتضب للمؤتمر الوطني إن اجتماع أبو سهمين مع ضباط الجيش الليبي تطرق إلى عدة نقاط وتوصيات تهتم بمصلحة أمن الدولة وحفظ سيادتها، لكنه لم يفصح عنها، بينما كشفت مصادر ليبية مطلعة النقاب عن إعلان حالة الاستنفار في مختلف الوحدات العسكرية التابعة للجيش الليبي وتشديد إجراءات الأمن حول المقار الحكومية والمصالح الحيوية والاستراتيجية.

وكان أعضاء المؤتمر الوطني قد عقدوا صباح أمس اجتماعا طارئا بمقر المؤتمر الرئيس في العاصمة طرابلس لمناقشة الوضع الأمني والعسكري في البلاد، وسط انقسامات بين المؤتمر والحكومة حول كيفية معالجة التدهور الأمني الراهن.

وعبر رئيس الوزراء الليبي الدكتور علي زيدان عن هذه الانقسامات بعدما اتهم بعض أعضاء المؤتمر من دون أن يسميهم برفضهم لأي مشروع للحكومة حتى قبل الإعلان عنه، تحقيقا لما سماه بمكاسب سياسية خاصة.

وفي محاولة للدفاع عن أداء حكومته، قال زيدان إن أجهزة الرقابة معطلة، لافتا إلى أن رئيس ديوان المحاسبة مستقيل ولم يكلف بديل له، كما أن رئيس الأركان تم إقالته ولم تفلح الحكومة في تكليف بديل له وكشف النقاب عن أنه تم أمس التوافق على تسمية وزير جديد للدفاع خلفا للوزير المقال محمد البرعثي، مشيرا إلى أنه التقى 35 شخصية لتكليفهم بالمنصب إلا أن الجميع رفض أو امتنع.

وقال زيدان: «المؤتمر الوطني ليس حلبة صراع، وينبغي أن لا يكون إلا ذلك، وعلينا مساعدته جميعا «شعبا وحكومة»، لافتا إلى أن كثيرا من التشويشات داخل المؤتمر تعيق عمل الحكومة، إضافة إلى ما واجهته من اعتصامات واقتحامات».

وأوضح أنه أجرى اتصالات بمسؤولي عدد من القنوات التلفزيونية والفضائية لوقف ما سماه بالتصعيد وتأجيج الشارع. وجاءت تصريحات زيدان تالية لإعلان رئيس المؤتمر نوري أبو سهمين أن المؤتمر سيضع الحكومة أمام مسؤولياتها تجاه الأحداث المتلاحقة التي شهدتها بعض المدن الليبية.

وقال أبو سهمين في كلمة وجهها إلى الشعب الليبي فجر أمس: «أيها الشعب الليبي الكريم، إننا نضع الحكومة أمام مسؤولياتها في حفظ الأمن والتحقيق في الحوادث المروعة التي شهدها وطننا والكشف عن ملابساتها وتقديم مقترفيها إلى العدالة». وقال: «إننا ندرس وضع هذه الحكومة ونبحث في الخيارات العملية لتصحيح وضع الحكومة بما يلبي تطلعات شعبنا»، داعيا كل وسائل الإعلام الليبية للقيام بدورها المسؤول تجاه الوطن وما تستوجبه هذه المرحلة من متطلبات.

ودعا إلى المحافظة على المسار السلمي الديمقراطي المتمثل في انتخاب المؤتمر وإقرار قانون انتخاب الهيئة التأسيسية للدستور التي سيتم انتخابها بعد أشهر، محذرا من أن تعكير هذا المسار أو قطعه ليس في مصلحة الوطن لأن البديل الوحيد له هو العنف والفوضى مما يزيد في معاناة الشعب الليبي ويدخله في نفق مظلم لا يعلم إلا الله عواقبه، على حد قوله.

من جهة أخرى، اعتقلت السلطات الليبية نحو 100 سجين من بين ما يزيد على ألف هربوا في أعمال شغب شهدها سجن الكويفية على مشارف مدينة بنغازي مهد انتفاضة عام 2011 التي باتت الآن بؤرة لأعمال العنف.

وقال وزير العدل صلاح الميرغني للصحافيين في العاصمة طرابلس بعد عودته من زيارة إلى بنغازي إن «الحراس فتحوا الأبواب عندئذ للسماح لهم بالهرب من النيران، وساعد السكان الحرس في اعتقال بعض الهاربين».

وتشهد بنغازي موجة من العنف منذ العام الماضي وقعت خلالها هجمات على قوات الأمن وأهداف أجنبية من بينها هجوم على السفارة الأميركية في سبتمبر (أيلول) الماضي قتل فيه أربعة أميركيين بينهم السفير.

وهاجم مئات المحتجين الغاضبين من اغتيال الناشط السياسي البارز عبد السلام المسماري المعارض للإخوان المسلمين مقرات لجماعة الإخوان المسلمين في بنغازي وطرابلس ومقرا لتحالف القوى الوطنية في العاصمة.