الخرطوم تنفي ضلوعها في أحداث جوبا

وفد الحركة الشعبية في السودان يجري مباحثات مع أمبيكي في أديس أبابا

ممثلون لحكومة السودان (يسار) وزعماء من قبيلتي أبال وبني حسين يوقعون اتفاقية في منزل والي مدينة الفاشر شمال دارفور (أ.ف.ب)
TT

بعد مرور قرابة الأسبوع، نفضت الحكومة السودانية يدها عن الأوضاع السياسية الدراماتيكية التي حدثت في دولة جنوب السودان، وأدت لحل الحكومة وإقالة نائب الرئيس رياك مشار، ونفت أي دور لها في تلك الأحداث. فيما أكدت «فشل معارضيها» في إسقاطها، وأن نظام الخرطوم لن يتغير إلا عبر صندوق الانتخابات وقوائم الاقتراع.

ونفى وزير الاستثمار مصطفى عثمان إسماعيل، أية علاقة بالمشكلات الأمنية والسياسية في جوبا، وأضاف أن حكومته تقف مع استقرار الجنوب، وأن تحوله لدولة فاشلة لن يفيد السودان في أي شيء، وستكون نتيجته تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين وتعقيد الأوضاع الأمنية، وخلق عدم استقرار في المنطقة.

وراجت في الخرطوم تحليلات عن دور لعبته الأجهزة السودانية في التغييرات السياسية التي شهدها الجنوب مؤخرا، وقال محللون سياسيون سودانيون إنهم لا يستبعدون «يدا شمالية» في تلك الأحداث.

واستندت التحليلات إلى أن الرئيس الجنوبي سلفا كير يواجه كثيرا من العراقيل من قبل مجموعات لها ارتباطات بالمعارضة السودانية، وما زالت تدغدعها «أفكار السودان الجديد»، وأنه يرغب في إقامة علاقة طبيعية مع السودان، لكن لأن السلطة لم تكن كاملة في يده، وأن ذهاب تلك المجموعات التي تعرقل تنفيذ الاتفاقات بين البلدين، وتسبب في إفشالها دائما، يطلق يده في التوصل لحلول للمشكلات بين الحكومتين، وأن مصلحة حكومة الرئيس البشير تقتضي إسناد مجموعة الرئيس سلفا كير.

وقال عثمان في حديث بولاية كسلا (شرق البلاد)، نقلته وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا) إن حكومته أعطت الجنوب حرية الاختيار بين الوحدة والانفصال، مما يعني أنها لن تتدخل في شؤون الجنوب الداخلية.

وأوضح عثمان أن الاستقرار في دولة الجنوب يتيح فرصا أفضل للبلدين ليقيما علاقة تكاملية تقوم على المصالح المشتركة وحسن الجوار.

وأعلن عن حل السودان لمشكلاته مع كل دول الجوار، وتبقت فقط مشكلته مع جنوب السودان، وبالوصول لحل لها يكون السودان قد وصل لـ«تصفير» المشكلات الحدودية. وجدد تأكيد التزام السودان الكامل بتنفيذ بنود مصفوفة التعاون المشترك مع حكومة جنوب السودان، بيد أنه ألقى بالمسؤولية عن قرار وقف ضخ النفط على جوبا، لأنها تنكرت للاتفاق حسب تعبيره.

وحذر عثمان في حديثه مما أسماه محاولات تستهدف السودان، ومحاولات للتآمر عليه، وإن لم يحملها مباشرة لأطراف بعينها، لكنه قال إن المعارضة السودانية غير قادرة على إسقاط النظام، إلا من خلال صندوق الاقتراع والانتخابات، وأضاف أن التآمر على السودان مستمر، مما يتطلب يقظة واستعدادا، وتمكينا للقوات المسلحة ودعما الأجهزة الأمنية.

وكشف عثمان عن حوارات تجريها حكومته مع القوى السياسية السودانية، حول القضايا القومية والدستور والانتخابات القادمة والعلاقة مع دولة الجنوب، دون استثناء. ودعا لمناقشة قضايا الوطن وإعلاء شأنه بعيدا عن القبلية وإدارة الخلاف بشيء من القواعد السليمة، وإلى توسيع مواعين الشورى والمشاركة السياسية، وتقوية النسيج الاجتماعي وتوحيد الصف الوطني وإزالة الخلافات.

وفي الأثناء توجهت اللجنة الخاصة التي كونها الاتحاد الأفريقي، للتحقق الميداني أمس إلى حاضرة ولاية جنوب كردفان كادوقلي، لبدء تحديد خط الصفر للمنطقة الآمنة منزوعة السلاح بين السودان ودولة الجنوب عمليا، فيما أطلع الوسيط المشترك ثامبو أمبيكي مجلس الأمن والسلم الأفريقي على نقاط الخلاف بين البلدين.

من جهة أخرى، أجرى وفد عالي المستوى من الحركة الشعبية في السودان بقيادة رئيسها مالك عقار ونائبها عبد العزيز الحلو وأمينها العام ياسر عرمان، الذي وصل العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أمس على هامش اجتماعات مجلس السلم والأمن الأفريقي، مباحثات مطولة مع رئيس الآلية الأفريقية ثابو أمبيكي.

وقال الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان لـ«الشرق الأوسط» إن وفده حضر بهذا المستوى إلى أديس أبابا، لمواصلة إجراء الاتصالات التي كان قد بدأها خلال الشهرين الماضيين أفريقيا ودوليا، وأضاف أن تجديد التفويض لأمبيكي يجب أن يشمل قضية الحل الشامل في السودان، مشيرا إلى أن الوفد أجرى لقاءات مع أمبيكي ونائبه رئيس نيجيريا الأسبق عبد السلام أبو بكر، إلى جانب المسؤولين في الحكومة الإثيوبية ومجلس السلم والأمن الأفريقي وأطراف أخرى فاعلة في المجتمع الدولي.

وقال عرمان: «رسالتنا واضحة.. الشعب السوداني سئم الحلول الجزئية»، وأضاف أن الخيار المتوفر والوحيد هو الحل الشامل الذي يجمع كل السودانيين في مؤتمر دستوري للاتفاق حول كيف يحكم السودان والدخول في ترتيبات انتقالية جديدة تؤمن الديمقراطية والسلام العادل.

وحذر عرمان الحكومة السودانية من الاستمرار في خيار الحرب يعني أن الحركة الشعبية ستمضي في برنامجها الحالي الرامي لإسقاط النظام، قائلا: «على الباغي تدور الدوائر».

وقال عرمان إن النظام السوداني كان قد رفض دولة المواطنة في إعلان مبادئ الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيقاد) عام 1994 لحل القضية السودانية، وركز على حق تقرير المصير لجنوب السودان ورفض الكونفدرالية في المفاوضات التي جرت في أبوجا، وقبل بعدها بانفصال الجنوب. وأضاف: «نقول للنظام مجددا أن لا يراهن على الأوضاع الإقليمية والدولية»، موضحا أن «قضية السودان لا يمكن حلها إلا بالاعتراف بالأزمة الذي يفضي إلى التغيير.. ولا تحل بكشف تنقلات داخلية وتسويات بين أجنحة حزب المؤتمر الوطني؛ فهي أكبر من ذلك بكثير»، وتابع أنه «على النظام في الخرطوم إما أن يقبل بالتغيير أو أن يتم تغييره باستخدام كل الوسائل والآليات»، وأن «النظام شمسه قد غربت.. ولا مساومة ولا تراجع».