رحلة البابا إلى البرازيل «بداية قوية» في إحياء الكنيسة

تجسيد حي لطموح الفاتيكان في منع تحول المزيد من المسيحيين إلى الكنائس البروتستانتية والتيار العلماني

إقبال على صلوات الأحد في منتجع كاباكابانا في البرازيل (نيويورك تايمز)
TT

أقام البابا فرانسيس القداس الختامي في رحلته إلى البرازيل يوم الأحد قبل أن يحتشد أكثر من مليون شخص على الشاطئ في هذه المدينة، وترفرف الأعلام الوطنية للكاثوليك من حول العالم في الهواء، مع ترديد مجموعة من القساوسة البرازيليين الأغاني أمام الحشود. كان هذا تجسيدا حيا لطموح الفاتيكان في منع تحول المزيد من المسيحيين إلى الكنائس البروتستانتية والجاذبية المتزايدة للتيار العلماني.

من مقاييس عدة، كانت أولى رحلات فرانسيس الدولية منذ أن تم تعيينه بابا هذا العام، ناجحة. تمت تحية الأرجنتيني البالغ من العمر 76 عاما، أول بابا من أميركا اللاتينية، كما لو كان أحد نجوم موسيقى الروك من قبل الحاضرين لمؤتمر للشباب الكاثوليكي. وحث الناس على مكافحة الفساد، أحد أبرز المظالم في المظاهرات التي تزلزل البرازيل، وطالب الأساقفة بالتركيز على الاحتياجات البراغماتية لأفراد الطائفة، محولا التركيز من الفضائح المخجلة التي وصمت الفاتيكان على مدى أعوام.

«لو كان لهذه الرحلة أي دلالة، فإنها تدشينه بداية جديدة نحو إحياء الكنيسة»، هذا ما قاله أندرو تشيستنت، خبير في الأديان بأميركا اللاتينية في جامعة «فيرجينيا كومونولث» والذي أتى هنا لمشاهدة زيارة البابا عن قرب. يقول: «كان بارعا جدا في التركيز على المآسي اليومية للفقراء، آخذا صفحة من البروتستانت أنفسهم».

قبل أن ينتقد رجال الدين البرازيليين في موضع ما أثناء زيارته التي استمرت لمدة أسبوع لفقدانهم التواصل مع المصلين، بظهورهم بمظهر «البعيدين جدا عن احتياجاتهم»، عرض فرانسيس مثال زيارة مركز طبي، حيث يتلقى مدمنو المخدرات العلاج. لكنه أذعن لوجهة النظر السائدة بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية عن المخدرات، منتقدا أنصار إخراج تعاطي المخدرات من دائرة الجرائم، ومظهرا كيف أن بابا يمكن أن يبدو في الوقت نفسه مهتما ومعارضا لتحول جوهري يجري مجراه في أجزاء من العالم.

«فرانسيس أكثر تعاطفا من جون بول الثاني، وبالطبع أكثر ودا من بنديكتوس، لكن تغيير الكنيسة يتطلب ما هو أكثر من مجرد لفتات تتعلق بالعلاقات العامة، التي ربما تبدو جذابة»، بحسب بيتر ماكدونو، وهو باحث في الأديان ألف الكثير من الكتب عن اليسوعيين، مقارنا فرانسيس بسابقيه. «من المثير للشك، بعيدا عن أي زيادة إيجابية في طلبات التقدم للكهنوت، وربما السيل الهائل من الاعترافات، أن زيارة البابا فرانسيس للبرازيل سوف تحد من تحول الأفراد المنتمين إلى الطائفة الكاثوليكية إلى الطائفة البروتستانتية أو غيرها من الطوائف الأخرى أو تقلب دفة الاتجاه إلى العلمانية».

غير أنه إن كان هناك أي مكان يمكن فيه المضي قدما من خلال استراتيجيات تهدف إلى دعم الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، فسيكون أميركا اللاتينية. تمثل ثلاث دول فقط في المنطقة – البرازيل والمكسيك وكولومبيا – نحو ربع إجمالي الكاثوليك في العالم، بحسب دراسة عن السكان الكاثوليك في العالم أعدها منتدى «بيو» للدين والحياة العامة. تضم البرازيل عددا من الكاثوليك يفوق أي دولة أخرى، 123 مليون بحسب التقديرات.

غير أن البرازيل أيضا تجسد التهديدات الموجهة للمذهب الكاثوليكي. 65% فقط من البرازيليين كاثوليك، مقارنة بنسبة 85% من المكسيكيين. تحولت نسبة تقدر بنحو 25% من البرازيليين الآن إلى الطائفة البروتستانتية، ارتفاعا عن المستويات في سبعينات القرن العشرين، وينبذ عدد متزايد من الناس تعاليم الدين بالكامل، مفضلين انتهاج أسلوب حياة علماني تماما.

في الوقت نفسه، كانت هناك مظاهرة لنساء يبدين فيها اعتراضهن على رفض الكنيسة الكاثوليكية الإجهاض القانوني وعمل النساء كقساوسة وزواج المثليين.

لكن فيما ساد مناخ احتفالي في بعض ضواحي ريو دي جانيرو، تجلى مناخ أكثر هدوءا في الكثير من أجزاء المدينة خلال زيارة البابا. فقد جاب الزائرون من شتى بقاع العالم الشوارع. بعضهم عزفوا على أوتار الجيتار وأنشدوا ترتيلات من أوطانهم. واحتشد الآلاف على الشاطئ، مبدين استياءهم من أخطاء المنظمين المحليين، مثل إغلاق عارض في أحد الأيام لنظام مترو الأنفاق.

«لن أنسى هذه اللحظة في حياتي»، هذا ما قاله وائل سامي، وهو عراقي كاثوليكي سافر إلى هنا قادما من بغداد، يوم الأحد. وواصل سامي، وهو طالب متخصص في البرمجة: «زرت الكثير من الدول، لكني أعتقد أن هذه أروعها. حينما يرون علمنا ويعرفون أن هناك مسيحيين في العراق، تنتابهم حالة من البهجة الشديدة».

مع تحويل انتباهه إلى أميركا اللاتينية وأجزاء أخرى من العالم النامي، رحب فرانسيس بشكل ملحوظ بالمشاركة أثناء «كتلة تجديد الكاثوليكية الكاريزمية»، وهي حركة لقساوسة مغنين، بعضهم يسعى لجذب أفراد الطائفة بالأنغام الموسيقية، وهي استراتيجية مماثلة لتلك وظفتها كنائس بروتستانتية سريعة النمو.

يقول ساولو بالاسيو، 35 عاما، وهو فني أجهزة كومبيوتر، حضر طقوسا دينية يوم الأحد في كنيسته البروتستانتية هنا «نوفا فيدا»، التي تعني حياة جديدة: «أعتقد أن هذا البابا يكسر البروتوكول. لا نتفق على كل شيء، ولكنني أراه مختلفا، ربما لكونه من أميركا الجنوبية. بإمكانه تغيير مسار الأمور في الكنيسة الكاثوليكية، لكنني لن أعود مجددا إلى الطقوس الكاثوليكية، فكنيستي مكان أكثر بهجة».

* خدمة «نيويورك تايمز»