مزارعو المخدرات في لبنان يتحدون المسؤولين: قدموا التعويضات.. وإلا فسنقاتلكم

يشكون من أن الدولة تتحرك في موسم القطاف لتلفها ما يضاعف الخسائر

مزارعو المخدرات مستعدون للدفاع عن أراضيهم لصد أي محاولة إتلاف للمحصول
TT

تقارب السلطات اللبنانية ملف زراعة المخدرات في البقاع بحذر هذا العام، منعا للاصطدام مع المزارعين الذين يبدون استعدادهم للدفاع عن أراضيهم ومحصولهم بالأجساد الحية، لصد أي محاولة إتلاف للمحصول، ما يجعل المنطقة الواقعة شرق لبنان قاب قوسين من الانفجار، على غرار اشتباكات وقعت العام الماضي، وأسفرت عن جرح عسكريين، على خلفية إتلاف أراض مزروعة بالحشيش.

ومن غير الإعلان عن الخطوات التنفيذية الآيلة لإتلاف الأراضي المزروعة بالمخدرات، بحث المجلس الأعلى للدفاع في التدابير الميدانية التي تتخذها وزارة الداخلية والبلديات لمكافحة زراعة الحشيش والزراعات الممنوعة، وطلب من الوزراء المعنيين الاستمرار في معالجة هذا الموضوع واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتشجيع الزراعات البديلة التي تؤمن للمواطنين الرزق الكافي من استثمار أراضيهم والبقاء في قراهم، وتأمين الاعتمادات اللازمة لها. لكن أبناء قرى غرب بعلبك، الذين يزرعون عشرات آلاف الأمتار من الأراضي الزراعية بالحشيش، يتوعدون القوى الأمنية بصدها إذا حاولت الاقتراب من أراضيهم، بموازاة فشل الحكومة اللبنانية في تقديم البديل للمزارعين.

وباقتضاب، يبين وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل، أن المجلس الأعلى للدفاع لم يتخذ، في اجتماعه، قرارا بالتلف. ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن المجلس «أرجأ البحث بالقضية إلى اجتماع آخر يحدد بعد عيد الجيش اللبناني في الأول من أغسطس (آب) المقبل»، لافتا إلى أن البحث تطرق إلى «إمكان تحويل التعويضات إلى المزارعين الذين تلفت محاصيلهم العام الماضي». وكان الوزير شربل قد عمل العام الماضي على خط التسوية بين المزارعين والحكومة اللبنانية، حيث وعد المزارعين بتعويضات بدل الأراضي التي تلف المحصول فيها، وتأخرت وزارة المالية في تحويل المبالغ المالية إلى أصحابها نحو عام. وفيما وعد مزارعو المخدرات بأن يتم تحويل المبلغ بأكمله إلى المزارعين، يكشف شربل عن «أن وزارة المالية خصصت هذا العام 13 مليار ليرة (نحو 8.5 مليون دولار) كتعويضات، وهو جزء من المبلغ المتوجب عليها دفعه للمزارعين عن السنة الماضية».

واستبق المزارعون هذا العام خطوات الدولة اللبنانية لإتلاف المخدرات من الحقول، بمبادرة منهم، حيث «جالوا على مسؤولين لبنانيين في زيارة بدت تحذيرية بأن إتلاف المحصول من غير مقابل سيواجه بالقوة»، كما تقول مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط». لكن وزير الداخلية ينفي أن يكون وفد المزارعين قد وجه أي تحذير للسلطات اللبنانية، مؤكدا أن الوفد طالب الدولة بالإيفاء بالتزاماتها ودفع التعويضات.

وشكل أهالي بعلبك وفدا ضم رؤساء البلديات والمخاتير والفعاليات من غرب وشرق بعلبك، بينهم رئيس بلدية اليمونة محمد علي شريف، جال على وزير الداخلية ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس البرلمان نبيه بري، قدموا لهم عريضة حول زراعة المخدرات، أكدوا فيها أنهم عازمون على عدم زراعتها شرط التزام الحكومة بالبدائل والوفاء بالوعد. ونتيجة للقاء، حدد موعد مع رئيس الحكومة ما استدعى تأجيل عملية التلف إلى أجل غير مسمى تجنبا لأي احتكاك أو صدام مع المزارعين أو مع الأهالي الذين أكدوا على مطلبهم وهو تأمين البديل قبل أي عملية تلف تباشرها القوى الأمنية.

وعرفت المنطقة صداما متواصلا بين مزارعي المخدرات والقوى الأمنية، يمتد إلى ما قبل خمسين عاما. لكن وسائل صد القوى الأمنية في قرى غرب بعلبك، تغيرت. وكان اصطدام المزارعين مع الدرك محصورا بالتشابك بالأيدي، إلا نادرا. ويروي أبناء هذه المنطقة أنه في السابق، كان يخرج النسوة والأطفال للقول للقوى الأمنية: «يا عسكر غرب غرب، وعالحشيشة ما تقرب». اليوم، يتحدى المزارعون الحكومة بعدما فشلت بتأمين البديل والوفاء بوعودها، ويتحول الاشتباك مباشرة إلى صدام مسلح. واندلعت، في الصيف الماضي، اشتباكات على محور بوداي - السعيدة - العلاق في قضاء بعلبك، عندما أصيبت سيارة للقوى الأمنية كانت تقل عناصر مكتب مكافحة المخدرات. كما أصيب ثلاثة من سائقي الجرارات الزراعية في بلدة حوش بردى في كمين نصبه لهم مزارعون ومعارضون لعملية التلف، فضلا عن إطلاق قذائف صاروخية على الجيش اللبناني. وتمت تسوية القضية بعد زيارة قام بها وزير الداخلية مروان شربل إلى البقاع، عاملا على خط التهدئة.

وتزرع بعض عشائر البقاع الشمالي مساحات واسعة في غرب بعلبك وفي دير الأحمر، وصولا إلى مرتفعات الهرمل، فضلا عن قرى سهل بعلبك مثل جباب الحمر ومرجحين والسعيدة وبوداي والعلاق. وتقدر المساحات المزروعة بـ15 ألف دونم (1500 هكتار) من هذه المناطق، وقد عزز انتشار هذه الزراعة قبضة الدولة المتراخية وانشغالها في أكثر من مكان في قضايا أمنية.

وبلغ الاستياء عن مزارعي المخدرات أعلى درجاته، حيث يتوعد هؤلاء بالدفاع عن محاصيلهم بدمائهم. ويقول الناشط في الدفاع عن حقوق مزارعي المخدرات علي نصري شمص لـ«الشرق الأوسط»: «ممنوع التلف قبل تأمين البدائل. كنا ننوي عقد مؤتمر صحافي تصعيدي، لكننا أرجأناه بانتظار قرارات المجلس الأعلى». ويشير: «نرفض مبدأ التعويضات لأننا نريد بدائل دائمة، وإلا فالتلف ممنوع». وأضاف: «إذا أتلفوا أرزاقنا من دون بدائل فستدفع منطقتنا الثمن غاليا».

وينسحب التحذير على الجميع في هذه المنطقة. ويقول أحمد أسعد جعفر، وهو أحد وجهاء عشيرة آل جعفر في حي الشراونة في بعلبك، لـ«الشرق الأوسط»: «الناس غاضبون، وسمعت منهم أن لا عودة إلى الوراء، ومن سيقاتلهم فسيقاتلونه».

ويردد جعفر ما يسأله المزارعون: «لماذا لم تمنع هذه الزراعة في الربيع، حيث تكون الخسائر أقل؟»، مشيرا إلى أن الاستياء ينطلق من أن المسؤولين «يهملون القضية إلى حين زراعة الأراضي، قبل أن يتحركوا للتلف، في حين تريد كل الناس البدائل ولا يقبلون بالتعويض الرمزي».

وعادة، تتحرك السلطات لتلف الحشيشة في شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، فيما يجمع المحصول في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر (أيلول) ومطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول). ويعم الاستياء سائر عشيرة آل جعفر من معالجة الحكومة للملف.