روسيا تعلن الحرب على «الجريمة العرقية»

اعتقال نحو 500 قوقازي بعد 213 اعتداء خلال ستة أشهر

TT

تصدر نشرات الأخبار في موسكو، أمس لليوم الثاني على التوالي، أخبار صدام نشب في سوق ماتييفسكي إحدى أكبر أسواق غرب العاصمة في أعقاب محاولة أحد رجال المباحث الجنائية اعتقال متهم باغتصاب فتاة في الخامسة عشرة من عمرها. فلم يكد رجل الشرطة يقترب من المشتبه به محمد محمدوف الداغستاني الأصل حتى فوجئ بأكثر من عشرين من أقارب هذا الأخير يتكالبون عليه وطرحوه أرضا للحيلولة دون اعتقال قريبهم الذي لاذ بالفرار. وكانت تلك البداية التي أعقبها كيل اللكمات وتوجيه الإهانات لممثل الشرطة التي كانت هرعت إلى المكان لإنقاذه ونقله إلى المستشفى.

وقد أثار الحادث الكثير من الجدل الذي يتواصل حول مدى مشروعية «التعامل اللطيف» مع أمثال هؤلاء «الوافدين» ممن يقول بعض الروس إنهم لا يراعون القانون ولا يحترمون القائمين عليه. وقال عدد من رجال الشرطة إن رجل المباحث أخطأ لعدم استخدام سلاحه لتفريق من تكالبوا عليه، حسبما تنص التعليمات ويسمح القانون في إطار «الطلقة الأولى في الهواء والثانية في أسفل القدمين إذا لم يمتثل المتهم أو المجرم للأوامر الصادرة إليه».

وتوقف المسؤولون في موسكو عند عدم مشروعية وجود الكثير من الأسواق الشعبية التي قالوا إنها تحولت إلى أوكار للجريمة المنظمة ومراكز لإيواء الكثيرين من الوافدين من جنوب روسيا وبلدان آسيا الوسطى ممن استوطنوا العاصمة وضواحيها بشكل غير شرعي.

وفي محاولة لاحتواء المزيد من التصعيد والحد من سطوة ممثلي الجريمة والهجرة غير الشرعية أصدر وزير الداخلية الجنرال فلاديمير كولوكولتسيف أمرا بتمشيط أسواق العاصمة وإغلاق الكثير منها واعتقال كل المشتبه فيهم ومنهم المتهمون في حادث الاغتصاب الذين بلغ عددهم خلال اليومين الماضيين ما يقرب من خمسمائة.

وفيما أكد سيرغي سوبيانين القائم بأعمال عمدة موسكو إغلاق 30 من هذه الأسواق، أشارت مصادر الداخلية الروسية إلى أن العمل جار لملاحقة عناصر الجريمة وتقصي الحقائق حول مدى مسؤولية الكثيرين من رجال الشرطة ممن يقولون بسقوطهم في شرك الفساد والتربح من علاقاتهم المشبوهة مع الكثيرين من رموز الجريمة وقيادات مافيا الهجرة غير الشرعية.

وكشفت المصادر الأمنية عن خطة بعيدة المدى تشارك فيها قوات الأمن المركزي والقوات الخاصة لإبعاد كل مجموعات الجريمة العرقية ومافيا الهجرة غير الشرعية من العاصمة وضواحيها. وقد أثار الحديث عن «مجموعات الجريمة العرقية» الكثير من اللغط بسبب ما يتعلق بذلك من حملات عنصرية تستهدف النيل من كل ممثلي القوميات القوقازية، سواء من الذين استوطنوا العاصمة موسكو مقرا دائما للعمل والسكن، أو الوافدين في زيارات خاصة، أو بحثا عن الرزق والعمل. وشدد قسطنطين رمضانوفسكي رئيس الوكالة الفيدرالية للهجرة على عدم جواز ذلك، مشيرا إلى أن «ذلك أمر لا يطاق ولا يمكن السكوت عليه»، في إشارة غير مباشرة إلى أصوله القوقازية.

ورغما عن ذلك أعلن الكثيرون من ممثلي السلطات الأمنية والإدارية عن ضرورة المضي قدما في «تطهير» العاصمة من كل العناصر المشبوهة التي يشكل القوقازيون وأبناء جنوب روسيا والفضاء السوفياتي السابق الغالبية العظمى منها.

وكان الجنرال كولوكولتسيف سبق وأشار إلى «أن 70 في المائة من الجرائم التي تقع في العاصمة الروسية يرتكبها أشخاص قدموا من مدن أخرى»، مشيرا إلى أن الشرطة وحدها غير قادرة بأساليبها وأدواتها على حل هذه المشكلة، لأن الأمر يتطلب، إضافة إلى ترسانتها، اتباع سياسة متوازنة من جانب هيئات الهجرة وسلطات مدينة موسكو بوجه عام. وأكد المسؤول الأمني الكبير على ضرورة التركيز بصورة خاصة على الجرائم من هذا النوع، مشيرا إلى أن «الجرائم على أساس إثني لها طابع أكثر وقاحة من غيرها»، فيما سبق وأشار إلى ضرورة إنشاء «إدارة خاصة تعنى بمكافحة الجرائم على أساس إثني في منظومة البحث الجنائي».

وكانت إحصائيات شرطة العاصمة كشفت عن أن الأشهر الستة الأخيرة سجلت 213 اعتداء على قوات الشرطة منها الاعتداءات التي قام بها ممثلو المعارضة خلال محاولات اعتقالهم خلال المظاهرات التي جرت خلال الفترة الماضية.

وفي إطار الحديث عن مجموعات الجريمة ومحاولات رموزها التغلغل إلى السلطتين التنفيذية والتشريعية أشارت المصادر الأمنية إلى «وجود ما يزيد على أربعمائة من عصابات الجريمة المنظمة في روسيا تنتشر في مختلف أرجاء روسيا الاتحادية لكنها تتركز بالدرجة الأولى في موسكو وضواحيها».

وكان الرئيس فلاديمير بوتين حذر أكثر من مرة من ظاهرة محاولات التغلغل من جانب هذه الرموز إلى أجهزة الدولة والحكومة، فيما أشار فاليري زوركين رئيس المحكمة الدستورية في مقال نشرته «نيزافيسيمايا غازيتا» (الصحيفة المستقلة) إلى أن ما تشهده البلاد من تزاوج بين السلطة والجريمة بات يهدد استقرار الدولة الروسية ويعرضها لمزيد من التخلف والانحطاط. وأكد زوركين أن مستقبل الدولة الروسية خلال الأعوام العشرة المقبلة بات مرتبطا ارتباطا وثيقا بمدى فعالية مكافحة الجريمة.