البرلمان التونسي يعلق أنشطته.. واستهداف عن بعد لدورية حرس وطني

الترويكا تتوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية ووزراء في حكومة العريض يلوحون بالاستقالة

TT

أبدت أحزاب الائتلاف الثلاثي ليونة تجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية تطلق عليها المعارضة تسمية «حكومة إنقاذ وطني» أو «حكومة كفاءات» مقابل المحافظة على المجلس التأسيسي (البرلمان) الهيكل الوحيد المنتخب. وأعلن مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي يوم أمس عن تعليق جلسات المجلس التي كانت مبرمجة بداية من اليوم (الخميس) وقال في بلاغ إن استئناف الأنشطة سيكون بداية الأسبوع القادم، وذلك على خلفية الأزمة السياسية الحاصلة والعملية الإرهابية التي جدت في جبال الشعانبي.

وتتفق كل الأطراف السياسية سواء الأحزاب التي تتخذ موقع المعارضة أو تلك التي تقود الحكومة حول ضرورة مراجعة تركيبة الحكومة بعد سلسلة الاغتيالات السياسية التي جدت في تونس باغتيال البراهمي وعملية اغتيال ثمانية عسكريين في جبال الشعانبي وسط غربي تونس.

ويقود الحكومة التونسية منذ الإعلان عن نتائج أول انتخابات في أكتوبر (تشرين الأول) 2011، ائتلاف سياسي ثلاثي يجمع حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية بحزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وهما حزبان لهما توجهات علمانية.

وفي تصريح غير مسبوق، دعا أمس المهدي مبروك وزير الثقافة إلى استقالة جماعية لكل أعضاء الحكومة. وقال في حوار بثته إذاعة «شمس إف إم» المحلية، إنه يود لو أن هذه الفترة هي آخر أيامه في تسيير الوزارة. وكان وزير الداخلية لطفي بن جدو قد صرح بدوره بأنه ينوي الاستقالة وقال في حوار إذاعي، إن الوازع الوطني هو الوحيد الذي يجعله يواصل مهامه على رأس الوزارة.

ومن ناحيته، صرح سالم الأبيض وزير التربية (من التيار القومي الذي ينتمي له محمد البراهمي) بأنه طلب الاستقالة من منصبه غداة اغتيال البراهمي وأنه سيواصل تسيير الوزارة إلى حين إجابة رئيس الحكومة علي العريض عن طلبه.

وتأتي عمليات التلويح بالاستقالة أو الإعراب عنها بعد اجتماع مجلس الوزراء يوم الاثنين الماضي وهي مخالفة لتصريح نور الدين البحيري المنسق العام للحكومة الذي قال إن كل الوزراء متآزرون وإن الحكومة ستواصل مهامها لإنجاح مسار الانتقال الديمقراطي.

وحول الدعوة إلى مراجعة التشكيلة الحكومية، قال عماد الدايمي الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية لـ«الشرق الأوسط» إن حزبه يساند مقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية. وقال إن هذا المقترح قد طالب به حزب المؤتمر منذ الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، وأشار إلى استعداد الحزب للمشاركة في هذه الحكومة الجديدة حفاظا على مصالح التونسيين على حد تعبيره.

وفي مقابل الموافقة عل تحوير حكومي، أبدى الدايمي رفضا تاما للدعوات المتتالية المنادية بحل المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان)، وقال إنه الهيكل الدستوري الوحيد الذي انتخبه التونسيون وهو الضامن الوحيد لإنهاء مرحلة الانتقال الديمقراطي بصياغته للدستور الجديد.

وتنتظر الأحزاب السياسية إنهاء مدة الحداد الوطني الذي أقرته رئاسة الجمهورية لمدة ثلاثة أيام للدخول من جديد في مفاوضات تفضي إلى تشكيلة حكومية تحاول حركة النهضة التخفيف من وطأتها على الحقائب الوزارية التي احتفظت بها منذ إعلان نتائج الانتخابات بعد 23 أكتوبر 2011، في حين تسعى المعارضة بشقيها الليبرالي واليساري إلى اكتساب أكثر ما يمكن من المغانم في ظل وضع سياسي متأزم.

وفي هذا الشأن قال زبير الشهودي القيادي في حركة النهضة لـ«الشرق الأوسط»، إن الحركة لن تخضع لتعبئة الشوارع بالمعتصمين أو إلى التأجيج الإعلامي عند جلوسها للتحاور مع بقية الأطراف السياسية، بل ستبدي استعدادا كبيرا لتوسيع دائرة الحكم وتشريك بقية الأحزاب في إدارة الشأن العام وفق ما أعلن عنه علي العريض رئيس الحكومة. وأضاف أن الحركة منفتحة على كل المقترحات وهي تنتظر تعزيز الفريق الحكومي بكفاءات وطنية قادرة على اختصار المرحلة الانتقالية وإضفاء النجاعة المرجوة على أداء الحكومة.

ولم يستثن الشهودي أي طرف سياسي من مائدة الحوار خلافا لفترات سابقة، حيث قاطعت حركة النهضة وحزب المؤتمر، مؤتمرا للحوار الوطني دعا له الاتحاد العام التونسي للشغل يومي 17 و18 أكتوبر 2012 بعلة وجود حركة نداء تونس ضمن أطراف الحوار. وأشار كذلك إلى ضرورة الوحدة الوطنية في مواجهة غول العنف والإرهاب وأن حركة النهضة لن تستثني أي طرف سياسي من الحوار، بما في ذلك حركة نداء تونس المنافس الرئيس للحزب الإسلامي الذي يقود تونس منذ نحو سنة ونصف السنة.

وذكرت مصادر إعلامية في حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات لـ«الشرق الأوسط» أن التكتل دعا إلى حل الحكومة الحالية وهو متمسك بتشكيل حكومة وحدة وطنية لإنقاذ الوضع السياسي المتأزم في تونس. كما ذكرت أن الحزب هدد بالانسحاب من الحكومة و«الترويكا» معا في صورة رفض شريكيه في الحكم حركة النهضة وحزب المؤتمر لهذا المقترح. وقال إن التكتل على استعداد من جديد للمشاركة في هذه الحكومة وإنجاحها ففي هذا النجاح نجاح لمسار الانتقال الديمقراطي على حد تعبيره.

في غضون ذلك، فجرت فجر أمس مجموعة إرهابية عبوة ناسفة تقليدية الصنع عن بعد مستهدفة دورية للحرس الوطني في منطقة المحمدية الواقعة في الضاحية الجنوبية للعاصمة ولم تخلف أضرارا. وقالت مصادر أمنية إن التفجير تم من قبل أطراف إرهابية من مسافة مقدرة بنحو 80 مترا ولكن تركيز القنبلة لم يكن مصوبا بدقة ضد الدورية الأمنية مما جعل القنبلة تنفجر في اتجاه معاكس لمكان وجودها. وهذه هي المرة الثانية التي يقع استهداف دورية الأمنية، حيث تم تفجير قنبلة مماثلة ضد سيارة للحرس البحري بمنطقة الكرم نهاية الأسبوع الماضي.

من جهة أخرى، دعت وزارة الدفاع التونسيين إلى «اليقظة» إثر مقتل العسكريين الثمانية، وقالت الوزارة في بيان أصدرته أمس (الأربعاء)، إن «أمن تونس مسؤولية مشتركة يتقاسمها الجميع كل من موقعه»، وهو ما يدعو إلى «ملازمة اليقظة والابتعاد عن حملات التشكيك والمزايدات والعمل على استثمار معاني الوطنية الصادقة ووضع المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار». وأكدت الوزارة، أن «المؤسسة العسكرية منذ انبعاثها ظلت ولا تزال مؤسسة جمهورية في جوهرها ومبادئها وعقيدتها وملتزمة بالحياد التام بعيدة عن التجاذبات السياسية وعلى نفس المسافة من كل الأحزاب السياسية. وشكرت الوزارة للتونسيين عما أبدوه من «مظاهر التضامن مع الجيش الوطني من طرف مختلف الشرائح الاجتماعية ومكونات المجتمع المدني إثر استشهاد العسكريين الثمانية». وميدانيا، قصف الجيش التونسي أمس (الأربعاء) بقذائف الهاون أماكن في جبل الشعانبي، يشتبه بأن المجموعة المسلحة التي قتلت العسكريين الثمانية تتحصن بها، واندلع حريقان كبيران في الجبل بسبب القصف.