الجرائم تلاحق اللبنانيين على وقع الأمن المنفلت

ارتفعت وتيرتها بشكل ملحوظ.. والخبراء يردونها إلى «عوامل سياسية واجتماعية»

TT

بعد أسبوعين على مقتل المعارض السوري محمد ضرار جمو في منطقة الصرفند في جنوب لبنان، وبعد تسريب بعض المعلومات عن التحقيقات حول الفاعلين والأسباب التي أدت إلى ارتكاب الجريمة، كان أمس منزل جمو مسرحا لتمثيلها على أيدي ابن شقيق زوجته، الذي كرر مرات عدة «لن أخجل.. رأسي مرفوع وغير خائف، ولا أحد يعرف جمو».

وفي حين لا تزال زوجة جمو موقوفة لاتهامها بمشاركتها في التخطيط لمقتل زوجها لأسباب وصفت بـ«العائلية»، أكد المدعي العام في الجنوب القاضي سميح الحاج أنه «لا خلفيات سياسية لعملية القتل»، مؤكدا أنه «تم تمثيل الجريمة ليكون الناس على اطلاع وبينة بأن القضاء والأجهزة الأمنية عين ساهرة لملاحقة المجرمين».

لكن إذا كانت خيوط جريمة مقتل جمو قد اتضحت وأعلن عن هوية مرتكبيها بفضل «الأجهزة الأمنية الساهرة»، فإن مجرمين آخرين لا يزالون فارين من العدالة، بعدما أصبحت الجرائم على أنواعها، الخبز اليومي للبنانيين في مختلف المناطق عاكسة بذلك وبشكل واضح نتائج الأمن المنفلت على الخلافات السياسية والتمديد الذي يجتاح المؤسسات.

فلا يكاد يمر يوم على لبنان من دون سماع جريمة قتل هنا وأخرى هناك، إذ في نظرة سريعة للأخبار الأمنية التي باتت تفوق أهميتها السياسية منها، والتي وقعت خلال أقل من شهر واحد، يمكن التأكيد أنها تجاوزت العشر، باستثناء أخبار الخطف والسرقة التي باتت بدورها أخبارا عادية لا تلقى اهتمام اللبنانيين بعدما أصبحت أمرا شبه عادي. كذلك، فإن ما يدعو للخوف والقلق هو انتشار ظاهرة ما يمكن وصفها بـ«الجرائم العائلية» التي تكون ضحايا السواد الأعظم منها من النساء، فيما معظم التحقيقات بشأن الفاعلين لم تصل في أي منها إلى حقيقة واضحة.

وكانت جرائم قتل عدة وقعت في مناطق لبنانية مختلفة في الأسابيع الأخيرة هزت المجتمع، من مقتل رولا يعقوب من حلبا الذي اتهم زوجها بقتلها، وربيع الأحمد الذي أقدم أهل زوجته على تشويهه جسديا بسبب إقدامه على الزواج من ابنتهم التي تنتمي إلى طائفة غير طائفته، وبعد ذلك، قتلت المواطنة ماري طانيوس خليل في منطقة كسروان، إثر إصابتها بطلق ناري في رأسها، فيما هرب زوجها المتهم بالجريمة. كذلك، سجل في بداية الأسبوع الحالي مقتل نادين س (22 عاما) بعدما أقدم مجهول على إطلاق النار في منطقة صربا في كسروان. وفي جبل لبنان، وتحديدا في منطقة عرمون، ذبحت منذ يومين سيدة في وضح النهار في ظروف غامضة، فيما التحقيقات الأولية تشير إلى ضلوع زوجها بالجريمة وقد تم توقيفه على ذمة التحقيق أيضا.

ويوم أمس، تم العثور على جثة اللبناني حسن علوه (50 عاما) من سكان بلدة طليا في بعلبك في إحدى أقنية الري في منطقة الدلهمية في البقاع الأوسط وبعد كشف الطبيب الشرعي أكد أن الموت هو نتيجة طعنات بالسكاكين في معظم أنحاء جسمه.

أما الجريمة الأكثر غموضا والتي لا تزال ملابساتها عصية على التصديق أو التحقيق، فهي انتحار السيدة آمنة إسماعيل (31 عاما) الأسبوع الماضي على مرأى ومسمع من زوجها الذي كان يصورها وهي تلقي بنفسها من الطابق الثامن في منطقة الرملة البيضاء في بيروت. وقد جرى تصوير الحادثة بالهاتف من قبل الزوج كفاح أحمد (تاجر الماس) الذي بدا متوسلا زوجته عدم الإقدام على الانتحار. وقد تناقل اللبنانيون شريط الفيديو الذي سرب إلى موقع «يوتيوب» وظهر خلاله الزوج يرجو زوجته العودة عن قرارها فيما لم يسمع صوت آمنة التي يبدو أنها كانت تتكلم بصوت منخفض.

وتعتبر الدكتورة في علم الاجتماع منى فياض، أن استمرار الوضع السياسي والدستوري على ما هو عليه، إضافة إلى شعور المواطن بغياب المحاسبة، ومن المرجح أن تتجه الأمور نحو الأسوأ، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «في غياب السلطة والمرجعية وكل ما يتصل بهما من القوانين والمحاسبة يبقى من الطبيعي أن يصل المجتمع إلى حالة من الانفلات على مختلف الصعد». وتصف فياض هذا الواقع بالآتي: «حكومة مستقيلة يمعن وزراؤها في التجاوزات من دون حسيب أو رقيب، رئيس مكلف غير قادر على تشكيل حكومة، مجلس نيابي ممدد لنفسه لا يجتمع أو يقوم بمهامه التشريعية، حزب الله يملك السلاح ويحارب في سوريا وهو على يقين أن ما يقوم بها لا يصب في مصلحته ولا في مصلحة الشعب والبلد... كلها عوامل سياسية واجتماعية كفيلة بأن تنفجر في هذا المجتمع الذي يعاني أبناؤه من القلق والخوف والتوتر على مستقبلهم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تحول دون القدرة على تأمين لقمة العيش في أحيان كثيرة»، مشيرة إلى أن النتائج «تظهر بشكل رئيسي عند الفئة الأضعف، انطلاقا من أن الإنسان الذي يتعرض للقمع من قبل جهة أقوى منه يقوم بدوره بممارسة هذا القمع على جهة أضعف، وكل ذلك ينعكس خلافات عائلية واجتماعية وجرائم تكون ضحيتها الحلقة الأضعف التي تتمثل في كثير من الأحيان بالمرأة اللبنانية التي تناضل بدورها منذ سنوات طويلة لإقرار قانون يحميها».