شباب أفغانستان متمسكون بالتقاليد رغم جهود الغرب «للتحديث»

مدونة أفغانية: عقليات تشكلت على مدى قرن تحتاج لأكثر من عشر سنوات حتى تتغير

شبان وشابات خلال نشاط اجتماعي نظم برعاية السفارة الأميركية في كابل
TT

إذا سرت في شوارع كابل، سترى التأثيرات الغربية الناجمة عن حرب مندلعة منذ عشر سنوات مضت، على الشباب الأفغاني: ملصقات أميركية تزين قمصانهم وسراويلهم الجينز، ونظارات شمسية أنيقة يرتدونها وهواتف جوالة يمسكون بها لنشر كل ما يطرأ على حياتهم على موقعي «تويتر» و«فيس بوك».

بالنسبة لأولئك الذين يروق لهم الاعتقاد أن الوجود الأجنبي هنا قد خلف ما هو أكثر من قذائف ومبان مجوفة، فإن ما يرتديه شبان كابل ويقدرونه يمكن أن يمنحهم شيئا من الراحة. لكن مقابلات مع عشرات من الشبان الأفغان ترسم صورة لجيل جديد متمسك بالأساليب المحافظة لمجتمعه، خاصة فيما يتعلق بحقوق النساء، أحد أهم جهود الغرب هنا. وتبقى محاولات تغيير أدوار المرأة في المجتمع مثارا للجدل بين الجيل الأصغر سنا، وهو ما يعد مثالا واضحا على محدودية التأثير الذي خلفه الغرب مع استعداد قوات التحالف للانسحاب العام المقبل.

تقول أمينة مستقيم جويد، مديرة «ائتلاف النساء الأفغانيات ضد الفساد»: «إذا كان ثمة أحد يعتقد أن الشباب قد تغير، فينبغي أن يفكروا مرتين. يشب هؤلاء الرجال الشباب في بيئة حرب. إنهم لا يعرفون شيئا عن حقوقهم؛ فكيف يمكن أن نتوقع منهم أن يعرفوا حقوق شقيقاتهم أو أمهاتهم أو زوجاتهم؟ إذا ارتدوا بناطيل جينز وقصوا شعرهم على النمط الغربي، فإن هذا لا يعني أنهم باتوا تقدميين».

حتى في كابل، إحدى أكثر المدن تحررا في أفغانستان، يعبر كثير من الرجال والنساء الشباب عن أفكار مناقضة للرسائل المقبلة من جهود الانتشار من قبل السفارة الأميركية. فكثيرون في العاصمة ينظرون إلى الديمقراطية كأداة يستخدمها الغرب ضد بلادهم، ولا تزال الأغلبية العظمى من الأفغان تعتمد على العدالة القبلية، وتنظر إلى المحاكم بوصفها لا تعدو أن تكون أكثر من مجرد أماكن للابتزاز.

في ظهيرة أحد الأيام القريبة، احتشدت نساء شابات بالطابق الثالث من قاعة زفاف، في ظل الحرارة القائظة وهن يرتدين النقاب الأسود احتجاجا على قانون تم اقتراحه مؤخرا يهدف إلى حماية حقوق النساء الأفغانيات. ظل الرجال بالخارج، مشكلين حاجزا على طول الشارع المزدحم لمنع الغرباء من دخول القاعة.

يوفر ركوب سيارات الأجرة الجماعية، التي تعمل كنظام حافلات فعلي في كابل، رؤية غير واضحة للمنظور المحلي. ففيها، يتحدث الرجال من جميع الأعمار بكل صراحة عن كل شيء من السياسة حتى المرور، ويكون ذلك عادة في وجود النساء.

وفي عشية أحد الأيام القريبة، تحرك جمع ببطء بوسط المدينة على طول شارع انهسارات، في انتظار سيارات وسط الأصوات المتنافرة للأبواق والمحركات. احتشد بضعة رجال في سيارة «ميني فان» متربة متجهة إلى منطقة تايماني 2، الكائنة في غرب كابل. ومع ترنح السيارة الميني فان على طول الطرق المجدورة، تبادلوا الدردشة حول معركة قذف بالأحذية جديدة بين عضوتين بالبرلمان.

يقول رجل مسن ذو شعر أحمر وعينين زرقاوين: «من سمح لهاتين السيدتين بدخول البرلمان؟. يجب أن تجلس النساء في بيوتهن». أومأ رجل شاب جالس بجانبه يضع كتبا على فخذيه ويرتدي قميصا رياضيا أزرق وبنطالا رماديا، تعبيرا عن موافقته.

وفي رحلة أخرى، من ضاحية كولولا بوشتا إلى وسط المدينة، ظهر مشهد مماثل. طالب شاب من معهد التدريب المهني الأفغاني الكوري، يرتدي سترة رياضية وسروالا، أقام مشروعا فنيا عاما غربيا مؤخرا، حيث وزع الرجال والنساء الشباب بالونات وردية على المارين. سأل هذا الشاب مسافرا آخر: «هل شاهدت ما كانت ترتديه تلك الفتيات؟»، في إشارة إلى ما كن يرتدينه من ملابس بأكمام قصيرة وسراويل ضيقة. وواصل قائلا: «إذا ارتدت شقيقتي مثل هذه الثياب، فسوف أقتلها».

وفي حقيقة الأمر، هناك أمور كثيرة يُنظر إليها باعتبارها جزءا من الشريعة في أفغانستان بينما هي مجرد تقليد قبلي. وبعض الممارسات الحادة، مثل بيع فتيات شابات لتسديد دين، ليست سوى عناصر نظام بشتوني لا يمكن قبوله في معظم الدول الإسلامية الأخرى.

ويقول دين محمد غران، عميد كلية الشريعة الإسلامية بجامعة كابل: «هذه مشكلة كبرى. بعض الناس لديهم تفسير خاطئ للإسلام تعلموه من مصادر خاطئة». وفيما يسهل العثور على أصوات محافظة في العاصمة وفيما حولها، فإن كابل لا تخلو من جماعات تقدمية. فعادة ما يشار إلى جماعات مثل «أفغانستان 1400»، وهي مجموعة من القادة الأفغان الملتزمين بإحداث تغيير اجتماعي وسياسي، بوصفها طليعة لنشاط مدني.

ويعكس هذا جزئيا ما يراه بعض المراقبين فجوة بين السلوك العام والخاص لكثير من الأفغان، الذين ليسوا محافظين مثلما يبدون. ويقول سعد محسني، مؤسس «تولو نيوز» إحدى أكبر المؤسسات الإخبارية التلفزيونية في البلاد: «تقاليدنا وعاداتنا تخبرنا بشيء، والحقائق على الأرض تخبرنا بشيء آخر». ويضيف: «الناس يتصرفون بالفعل بطريقة مختلفة جدا عن الطريقة التي يتحدثون بها».

لقد أخذت بعض النساء الأفغانيات الموضوع في صورة مواجهة مباشرة، مؤثرات الحديث بشكل علني عن حقوقهن. وبينما يدركن أن صراعهن يكمن على طول الحافة الخارجية للتظاهرات الاجتماعية المقبولة للنساء، فقد تبنى نشطاء أمثال نور جاهان أكبر، الرؤية بعيدة المدى.

تقول أكبر، المدونة الشابة التي ساهمت في تنظيم مظاهرة أخيرة مؤيدة لمشروع القانون: «بعد ثلاثين عاما من الحرب، ما الذي تتوقعونه؟. إن عقلية تشكلت على مدى أكثر من 100 عام تحتاج إلى أكثر من عشر سنوات لتتغير».

بدأت أكبر ونحو 100 امرأة أخرى وحفنة من الرجال مظاهراتهم في صبيحة أحد الأيام بالقرب من المدخل للبرلمان الأفغاني، يرددون شعارات بمكبر صوت ويحملون لافتات. ومع انقضاء اليوم، انتشرت شائعات مفادها أن طلاب الشريعة الإسلامية يعدون للحضور لفض التظاهر بالعنف. تجمع ضباط الشرطة على طول الحد الخارجي ورفعوا حواجز بلاستيكية.

فجأة، ظهر مئات الرجال من خلف رجال الشرطة، يرددون أناشيد ويحملون شعارات. فاقت أعداد المشاركين في الحشد بسهولة أعداد المتظاهرين مع أكبر، مما تسبب في تكدس مروري على طول الطريق.

غير أن هؤلاء المتظاهرين لم يركزوا على حقوق النساء. بل تجمهروا دعما لعميد بجامعة كابل متهم بإساءة معاملة الطلاب المنتمين لأقليات. ومع هتاف النساء، تحركت هذه الحشود دون انتباه لكلماتهن.

* خدمة «نيويورك تايمز»