الشارع التونسي يتحرك للتأثير على القرار السياسي للأزمة

تجمعات واعتصامات ليلية لأنصار الحكومة والمعارضة في المدن التونسية

TT

منذ اغتيال محمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي) والقيادي في التيار الشعبي (حزب قومي عربي) في الخامس والعشرين من يوليو (تموز) الماضي تصاعدت درجة التوتر في الساحة السياسية التونسية، وارتفعت معها كثافة الاحتجاجات في الشارع.

ومنذ مواراة البراهمي التراب السبت الماضي، دأب أنصار المعارضة والحكومة على التجمع والاعتصام كل ليلة في ضاحية باردو غرب العاصمة التونسية، قرب مقر المجلس الوطني التأسيسي. وقد سجلت خاصة في الأيام الأولى لهذه التجمعات بعض أحداث عنف والمواجهات قبل أن تنجح قوات الأمن في السيطرة على الأوضاع رغم تواصل المخاوف من تفجر الوضع بين المعتصمين من الشقين في أي لحظة.

ضاحية باردو أصبحت الوجهة المفضلة ليلا للكثير من سكان العاصمة وضواحيها سواء من أنصار الحكومة أو من أتباع المعارضة أو المتعاطفين مع أحد الشقين. وتتنقل أحيانا عائلات بأسرها ليلا إلى الساحة الرئيسة الموجودة قرب مقر المجلس الوطني التأسيسي في ضاحية باردو حيث يتجمع كل ليلة منذ السبت الماضي أنصار الحكومة والمعارضة، لا تفصل بينهم سوى مسافة قصيرة جدا، وسط حضور أمني مكثف وهو ما عاينته «الشرق الأوسط» خلال زيارة قامت بها إلى الساحة مساء الثلاثاء الماضي.

هدوء نسبي بعض الطرقات المؤدية إلى حيث يعتصم أنصار الحكومة أو المعارضة هي نفسها. ويحصل أن يدور النقاش بين هؤلاء وأولئك وهم في طريق حيث يوجد «فريقهم المفضل» أما الساحة الرئيسة القريبة من مقر المجلس التأسيسي فقد وقع تقسيمها إلى قسمين تفصل بينها الأسلاك الشائكة للإبقاء على أنصار كل فريق بعيدا عن الفريق الآخر نسبيا. و«تحسبا لتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه» مثلما صرح بذلك لـ«الشرق الأوسط» أحد الأمنيين الموجودين على عين المكان، قامت قوات الأمن والجيش منذ صبيحة الاثنين الماضي بوضع أسلاك شائكة تفصل بين الطرفين، وذلك بعد حصول مشادات سواء في بين المعتصمين أنفسهم أو بينهم وبين قوات الأمن. ويبدو أن عملية الفصل بين الطرفين آتت أكلها حتى الآن حيث مرت الأجواء في الليالي الأخيرة هادئة نسبيا. وتخشى أكثر من جهة أي التحام بين الطرفين في ظل الأجواء السياسية المتوترة التي تعيشها البلاد.

شارع منقسم في طريقه إلى حيث يتجمع أنصار الحكومة مرفوقا بزوجته قال مروان (35 سنة - موظف) لـ«الشرق الأوسط» إنه يأتي للوقوف «مساندة للحكومة لأن ما تقترحه المعارضة، من حل للمجلس الوطني التأسيسي، وإسقاط للحكومة سيدفع بالبلاد نحو المجهول في غياب أي مؤسسة شرعية منتخبة» على حد قوله.

في الجهة المقابلة وعلى بعد أمتار قليلة من الشق الأول، تجمع أنصار المعارضة، وقالت انس (22 سنة طالبة) لـ«الشرق الأوسط» إن تونس «خسرت الكثير من الوقت.. والحكومة الحالية لم تعالج المشكلات الحقيقية للمواطن، وعليها أن ترحل وتترك مكانها لحكومة جديدة تعيد ترتيب الأوضاع».

وتوجد أعداد كبيرة من قوات الأمن التونسي قريبا جدا من المجموعتين المعتصمتين وفي الطرق المؤدية إلى مكاني التجمعين، وفي الساحة التي تفصل بينهما والتي لا يتجاوز طولها العشرين مترا ووضعت على أطرافها الأسلاك الشائكة. كما تشهد حركة المرور بضاحية باردو اختناقا كبيرا حتى فجر اليوم الموالي.

وقد أكد بعض الحاضرين لـ«الشرق الأوسط» تزايد الحضور في الساحة منذ مقتل ثمانية عسكريين في كمين نصبته لهم مجموعة مسلحة في جبل «الشعانبي» بمحافظة القصرين جنوب غربي العاصمة التونسية الاثنين الماضي.

ويقوم كل ليلة عدد من القياديين سواء من الائتلاف الحاكم أو أحزاب المعارضة، بزيارة الساحة والمشاركة في المهرجانات الخطابية المسترسلة التي ينظمها كل شق. كما تشهد الساحة بقسميها أنشطة فنية وبث الأغاني الحماسية على امتداد الليل.

وعلى غرار ما يقع في العاصمة تنتظم كل ليلة في أغلب المدن التونسية الكبرى تحركات مماثلة حيث تجوب المسيرات سواء المساندة للحكومة أو المناهضة لها شوارع هذه المدن وتنتهي بتجمعات في إحدى ساحات هذه المدن تتواصل حتى ساعات الفجر. وتأتي هذه التجمعات والاعتصامات للضغط ومحاولة التأثير على طبيعة الحل الذي ستنتهي عليه الأزمة التي تعيشها تونس. ويبدو أن هذه التحركات ستتواصل إلى غاية تبلور هذا الحل بين الحكومة والمعارضة. وعلمت «الشرق الأوسط» أن حركة النهضة تعتزم تنظيم تجمع ضخم مساء غد السبت بساحة القصبة تنديدا بالإرهاب ومساندة لقوات الجيش. كما دعت جهات من المعارضة إلى الاحتفال بليلة القدر الأحد المقبل في ضاحية باردو على امتداد شارع 20 مارس إلى حيث يوجد مقر المجلس الوطني التأسيسي.

أسى دموع وغضب منذ مقتل العسكريين الثمانية في جبل الشعانبي سيطرت مشاعر الأسى والحزن والغضب على مجمل هذه التحركات. كما انتظمت على هامشها مواكب رمزية أشعلت فيها الشموع ورفعت فيها الشعارات المساندة لقوات الجيش والأمن التونسيين في مواجهتهم للإرهاب. كذلك أقيمت صلاة الغائب على أرواح العسكريين الثمانية في أكثر من ساحة ومسجد.

وقد أججت الصور التي بثتها القنوات التلفزيونية التونسية العمومية والخاصة لجثامين العسكريين الثمانية القتلى مشاعر الأسى والألم والحزن والغضب رغم الحرص على تمرير هذه الصور «مشوشة» وغير واضحة تماما للمشاهدين. كما تأثر التونسيون كثيرا بشهادات عائلات الضحايا، وخاصة دموع أمهاتهم التي نقلتها مختلف القنوات التلفزيونية. وبينت هذه الشهادات أن أغلب الضحايا ينتمون لعائلات تونسية متواضعة الإمكانات، وأنه يوجد من بين الضحايا من يعيل بمفرده عائلة وفيرة العدد. كما أن من بينهم من كان سيتزوج في الأيام المقبلة. وهو ما أدمى قلوب التونسيين ودفع بهم رجالا ونساء وكهولا وشبابا وأطفالا إلى الشوارع للتعبير عن حزنهم وأساهم.