موسى: تركيا المثال الناجح للحكم الإسلامي.. ومصر قدمت النموذج الفاشل

المرشح الرئاسي السابق يؤكد في حوار مع «الشرق الأوسط» أنه ترك العمل الحزبي وليس السياسة

عمرو موسى
TT

على مدار العقود الثلاثة الماضية وعمرو موسى شخصية حاضرة بقوة في المشهد السياسي المصري الداخلي، حتى وهو وزير خارجية أو أمين عام للجامعة العربية, يتعامل بحكم منصبه مع ملفات وعلاقات خارجية.. بعض تعبيراته أصبحت مصطلحات سياسية متداولة، مثل تعبير «الهرولة» الذي أطلقه في قمة عمان الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في التسعينات، وأثار به دوائر من الجدل.

25 يناير في مصر حسمت دور عمرو موسى لصالح حضور أبرز له في الشأن السياسي الداخلي، فخاض معركة انتخابات الرئاسة الأولى، التي انتهت بفوز مرشح «الإخوان»، وأسس حزبا سياسيا ترأسه حتى أعلن في قرار مفاجئ، أواخر يوليو (تموز) الماضي، قراره بالتخلي عن رئاسة الحزب لصالح جيل جديد.

يقول عمرو موسى المنحدر من أسرة سياسية إن قراره يعني التخلي عن العمل الحزبي، وليس العمل السياسي الذي لا يزال يقوم به بنشاط لخدمة مصالح بلاده، كما يؤكد، مثل زيارته الأخيرة إلى تركيا ضمن وفد عربي من رؤساء حكومات سابقين أو استقباله لوفود أجنبية، مثل لجنة الحكماء الأفريقية.

في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في القاهرة، يصف عمرو موسى نفسه بأنه وفدي الهوى، في إشارة إلى حزب الوفد، لكن ربعه ناصري الهوى. لا يقدم موسى إجابة قاطعة عما إذا كان لا يزال يطمح في خوض انتخابات الرئاسة مجددا, لكنه أشار إلى أنه يفضل أن تكون الفرصة لجيل جديد شاب, ويفسر ما حدث في 30 يونيو بأن غالبية المصريين لم تكن لتتحمل عاما آخر من حكم الإخوان المسلمين. وإلى نص الحوار:

*التقيت مع وفد لجنة الحكماء الأفارقة الذين زاروا الرئيس السابق محمد مرسي في مكان احتجازه؛ ماذا قالوا عن اللقاء؟

- الوفد التقى مع الرئيس السابق محمد مرسي، ووصفوه بأنه غير مرتاح للوضع، وفي حالة تأمل، ومتمسك بأنه الرئيس الشرعي.

*زيارات هذه الوفود تلقى عدم ارتياح بين قطاعات المجتمع المعارضة لحكم «الإخوان» وترى فيها تدخلا أجنبيا في شؤون داخلية.

- في الحقيقة أنا شعرت أيضا بهذا، إنما أضع في اعتباري رد فعل الطرف الغربي والأجنبي بصفة خاصة على ما حدث في مصر. وبعض الإجراءات التي لا ترضي تخدم في نواحٍ معينة قد لا تكون واضحة بالنسبة للرأي العام.

والمطالبات الغربية لمصر هي بأن تعالج القضايا «وتلم الدور»، وهذا من مصلحتنا كذلك، ولكن على أساس قاعدة، وهي أن الحكم السابق انتهى، وأن الشرعية الانتخابية (شرعية الصندوق) لم ترتفع إلى مستوى شرعية الإنجاز، وأدى الأمر إلى غضب كبير في الشارع المصري.

فالحكم السابق لم يرتفع إلى مستوى المسؤولية، لأن المسؤولية تعني أن تشعر برد فعل المواطنين, وأن تجري التقييم السليم حول مدى إيمان الناس بك، أو انفضاضهم عنك.

ولا بد أن تبحث وبشكل فوري سبب الانفضاض, أما أن تكون عندك سياسة راكدة، وتقول إن المظاهرات هذه كان يقف خلفها المال السياسي, وأن الأعداد قليلة، وأن غضب الملايين سينتهي وينفض, هذا كلام لا يدل عن نجاعة سياسية، ولا على حنكة أو شعور بأهمية رد فعل الرأي العام والمعارضة.

الجماعة تمسكت بالشرعية الجامدة، وليس الشرعية النشطة، التي تتحرك مع الشعب، فالشرعية الجامدة بمعنى أني حصلت على الشرعية وجلست دون إنجاز أو إحراز أي تقدم في القضايا العاجلة التي تهم المواطنين، خصوصا أن مصر تمر بمرحلة استثنائية وغير مسبوقة في ثوريتها، وفي تهديدها للكيان المصري وللحاضر والمستقبل.

نحن نحتاج إلى حكم يرتفع إلى مستوى المسؤولية وهم (الإخوان) لم يكونوا كذلك، هذا جانب. أما إذا تحدثنا عن الجانب المستقبلي فأنا أفضل أن يكون العمل السياسي شاملا، بمعنى أن لا يُستبعد أحد حتى نبني مصر على أساس توافق أو تفاهم بين الجميع, ولذلك أرى أن الإقصاء سيكون فيه خطأ كبير، لأن جزءا من أخطاء «الإخوان» هو الإقصاء, ولا نريد أن نقع في ذلك مجددا, وجزء من أخطاء النظم العربية بشكل عام هو الإقصاء أيضا.

أما الزيارات الغربية، فهي محاولة للتعرف على وضع مرسي والتحقق مما تردد بأنه مسجون أو يتعرض لمعاملة ما, وقد اتضح لهم غير ذلك.

*مفهوم الدولة لدى «الإخوان» فيه آيديولوجية تختلف عن بقية الأحزاب والقوى السياسية؛ فكيف يمكن أن تكون هناك أرضية مشتركة يعمل على أساسها الجميع حتى يمكن تجنب مفهوم الإقصاء؟

- «الإخوان» ما زالوا جزءا من المجتمع السياسي المصري، وهو ما يقتضى بأن يكونوا موجودين على مائدة الحوار، وهذا يتطلب إيجابا وقبولا, ولا بد أن يقتنعوا بأنهم خسروا هذه الجولة، ولا بد أن يعيدوا بناء وضعهم في الساحة السياسية المصرية، خاصة أن هذا التيار فقد كثيرا من بريقه ومن أنصاره ولكنه لا يزال موجودا.

وبالتالي لا بد أن تكون مشاركتهم على أساس أنهم جزء من الساحة على الرغم من وجود آراء بعدم مشاركتهم، لأنهم جماعة أثبتوا فشلهم.

ونقر بذلك، إنما يجب أن نسمع منهم إذا كانوا يرغبون في أن يكونوا جزءا من الساحة السياسية المصرية. والصعوبة في العملية هي أن هذه الجماعة لديها أولوية أن مصلحتها فوق مصلحة مصر، والمطلوب في الحوار والتفاهم هو إزالة الالتباس السابق، وأن تكون مصلحة مصر فوق مصلحة الجماعة، ويكون لدى كل الأحزاب الفهم نفسه. وفي هذه الحالة يكونون فصيلا في أي انتخابات مقبلة، ويحصلوا على مقاعد حسبما يمنحه لهم الشعب.

*في رأيك، ما أسباب الارتباك في المرحلة الانتقالية الأولى التي حدثت بعد 25، وانتخابات الرئاسة الأولى، وقادت إلى الوضع الراهن؟

- إنهم حاولوا (الإخوان) أن يقولوا نحن الثورة، ثم أرادوا أن يختطفوا الحكم، على الرغم من اعترافنا بأن الرئيس مرسي منتخب, ونحن قبلنا بالنتائج. ولما أردنا استبدالهم وإسقاطهم لم يكن هذا بسبب أنهم جماعة الإخوان المسلمين. لو كان الرئيس السابق محمد مرسي قد عمل وأنجز في الملفات العاجلة، واعتمد على كل الشعب وليس على «أهل الثقة»، لكانت الصورة تغيرت، وبالتالي يمكن القول إن الذي أسقط «الإخوان» هم «الإخوان» أنفسهم، لأنهم لم ينجحوا في عمل شيء.

*كان هناك حديث بأن «الإخوان» إذا تمكنوا من حكم مصر، فلن يتركوها إلا بعد 50 سنة، أليس غريبا أنهم سقطوا بعد عام واحد من الحكم؟

- لأن الميراث الذين ورثوه كان كبيرا جدا، والخمس سنوات الأخيرة من حكم الرئيس حسنى مبارك لم تكن مصر فيها على ما يرام، وكان من المفروض أن يعالج حكم «الإخوان» هذا الوضع، ثم يبدأ الرئيس في الإصلاح ويقدم على إعادة بناء مصر. هذا لم يحدث لأسباب منها أنهم لم يكونوا واعين لأربع نقاط:

1 - إن ما حدث كان ثورة لكل الشعب المصري والثورة تعني ضرورة الإنجاز.

2 - لم يأخذوا في اعتبارهم النقلة الجيلية التي تحدث، والشباب له تأثير ويعلن: «نحن هنا». والأجيال التي سبقت تعطي المشورة والحكمة.

3 - أرادوا لمصر أن تعيش في أوضاع قرون سابقة، وهذا يتعارض مع طبائع الأمور، ولم يأخذوا في الاعتبار عنصر الزمن وقوة تأثيره، وما تحتاجه مصر من حكم وإصلاح وإعادة بناء، ولم يهتموا بالنقلة الجيلية ومطالب الشباب ودمجهم في العملية السياسية، إضافة إلى أن الشباب يريد أن يحدث في مصر كل يوم إنجاز.

لذلك السؤال الحاكم هو هل كان يمكن للمصرين القبول بعام آخر من نوعية العام الذي حكم فيه «الإخوان» مصر؟ وجاءت الإجابة التي عبرت عنها الأغلبية الكبرى بأن مصر والمصريين لا يستطيعون التحمل عاما آخر من الحكم نفسه.

*اللقاء الذي عقدته قبل 30 يونيو مع قيادي «الإخوان» خيرت الشاطر، والذي يقال إنه الرجل القوي والمؤثر في التنظيم, جلب لك انتقادات من حلفائك، وقد يكون أثّر على رصيدك الشعبي.

- الأثر عند بعض الأوساط التي كانت في كل الأحوال لا تتماهى معي في بعض ما أقول، إنما عندما نلتقي مع قيادات «الإخوان»، فهذه كانت مسألة ضرورية، ومن قبل التقيت مع سعد الكتاتني وغيره.

ولذلك لا أفهم الاستغراب والتساؤلات حول لماذا اللقاء مع خيرت الشاطر، وأقول: ولماذا لا؟ والرد هو: لحقن الدماء. وإذا كنا نلتقي مع شخصيات إخوانية ثم أرفض اللقاء مع أقوى شخصية إخوانية، يكون هناك تناقض غير سليم، وقد ذهبت إلى ميدان التحرير في 30 يونيو, وكان الترحيب بي كبيرا جدا جدا من جانب الشباب.

*تفاصيل ما دار بينكم وبين خيرت الشاطر.

- أولا تحدثنا عن سوء إدارة الحكم، وهو وافق على هذا، وذكرت له أن الإخوان خسروا وسوف يخسرون, ويوم 30 يونيو سوف يشهد احتجاجا كبيرا من قبل الشعب «لأنكم أسأتم في الحكم وإدارة الأمور»، وقد اتفق معي, وقال بالحرف: «أنا معك، لقد أخطأنا بالفعل أخطاء كبيرة», وقلت له: «الشعب كله سوف يخرج للاحتجاج, وأنصح أن لا تكونوا إطارا لإسالة دماء المصريين، ومن الضروري المحافظة على السلمية, وأن تأخذوا الرسالة كما هي». قلت: «لا تنسَ يا أخ خيرت أنه عندما أعلنت حركة تمرد التوقيع على الاستمارات, ذكرت أنه لا بد من إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهذا يعني أنها لم تطالب بإسقاطكم، وإنما بالعودة إلى صندوق الانتخابات، وأنا لو كنت في مكانكم كنت قبلت بهذا الكلام».

*هل كان خيرت الشاطر الحاكم الفعلي؟ وهل كان يقود المسيرة؟

- هذا ما سمعنا، ولذلك يكون من الخطأ الكبير أن يعرض اقتراح لقاء معه في ذلك الوقت وفي فترة زمنية دقيقة جدا وتقول: «لا».

*الأنباء التي نتجت عن اللقاء تحدثت عن أن الشاطر أبلغك بأن الغرب معهم.

- لم يتحدث عن ذلك صراحة، وإنما بهذا المعنى هو وغيره من «الإخوان» وقللوا من أهمية المظاهرات، وقلت لهم إن هذه المظاهرات نابعة من غضب كبير.

*قلت إنك حذرته مع أن الحشود ستكون ضخمة في 30 يونيو, هل كنت متأكدا من ذلك وقتها؟

- توقعت أن يكون يوم 30 يونيو يوما حاشدا، لأن العدد الذي وقع على استمارة تمرد تجاوز الـ20 مليونا، وحتى لو قلنا إن العدد وصل إلى 10 أو 15 تكون أيضا مليونية هائلة، وما حدث هو هذا، مثلا وأنا في تركيا قال لي رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا إن مصر منقسمة ما بين التحرير ورابعة العدوية، قلت له: لا، أنت ترى القاهرة فقط, والأغلبية فيها معارضة لـ«الإخوان»، لكن مشهد الاحتجاجات في كل محافظات مصر معارض لحكم «الإخوان».

*هل اقتنع أردوغان بهذا الموقف؟

- هناك ألوان في المواقف التركية، وهناك نوع من التعاطف مع مرسي و«الإخوان»، إنما الرسالة كانت قوية من خلال هذه الزيارة التي قام بها وفد عربي شاركت فيه، وتحدث الوفد العربي رفيع المستوى مع أردوغان بمنتهى الصراحة، مذكرا إياه بأن مصر هي قلب العرب, وأن العلاقات والمصالح بين الدول لا يمكن أن تطغى فيها العلاقات الحزبية بين حزب العدالة التركي و«الإخوان» في مصر، فالعلاقة يجب أن تكون بين تركيا ومصر كدولتين والشعب التركي والشعب المصري، وكانت المناقشات قوية جدا، واستمرت نحو سبع ساعات مع الرئيس عبد الله غل ورجب طيب أردوغان وداود أوغلو وزير الخارجية.

وتكوّن الوفد العربي من إياد علاوي وطاهر المصري وفؤاد السنيورة وجاسم الصقر وأنا، وقد استمعوا إلى الموقف، واعتقدت أن الحوار سيؤدي إلى تهدئة الأمور، واتفقنا على استمرار التواصل معهم، خصوصا أن تركيا بلد مهم، ولا بد أن نحافظ على العلاقة بين البلدين.

*قد يكون للسياسة التركية مصالح تتناقض مع الدور المصري في المنطقة.

- الدور المصري يصعب أن يحتله أحد، وهو في قلب العالم العربي، وبالتالي، لا يمكن للأتراك الوصول إلى هذا الدور، لأنهم ليسوا عربا، وحتى على المستوى الإقليمي، الذي يشمل الأطراف غير العربية في المنطقة, مصر دولة مهمة وأساسية، ولذلك هناك اهتمام بالغ بدورها.

*هناك بعض التحليلات تفسر الموقف التركي بقلق أردوغان على وضعه الداخلي في ضوء الاحتجاجات التي حدثت هناك.

- لا، ليس الموقف الداخلي، وإنما الدور التركي قائم على تقديم المثال الناجح للحكم الإسلامي, وما حدث هو أن مصر قدمت المثال الفاشل للحكم الإسلامي، وهذا ما يأسف عليه، وهو نفسه يميل إلى فلسفة «الإخوان»، ولكنني أقول: إذا كان «الإخوان» قد نجحوا في مصر لما حدث عزل لنظامهم.

*جزء من نجاح أردوغان في تركيا هو أنه بني على تراث طويل للدولة بناه مؤسس الجمهورية أتاتورك.

- أردوغان قام بنقلة كبيرة في تركيا، فيها ازدهار التجارة والسياحة والاستثمار والتعمير، ويجب أن نحييه على ذلك, ونقول له: مع الأسف الشديد، مصر سارت على عكس طريقك. بمعنى أن الممارسة مختلفة، وكذلك النتائج.

*المرحلة الانتقالية الحالية هل ستؤدي إلى الاستقرار؟ وكيف تراها؟

- أكدت على تأييدي لخريطة الطريق، القائمة على ست نقاط، ولفترة زمنية قليلة، وهي الرئاسة، يتولى أمرها رئيس المحكمة الدستورية العليا، والمصالحة الوطنية، ووضع الدستور أو تعديله، والانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهذه كلها عناوين للمرحلة الانتقالية، وهي سليمة تماما.

*كيف ستجري الانتخابات في مثل هذه الظروف القلقة الراهنة؟

- الانتخابات سوف تتم في نهاية المرحلة الانتقالية، وبعد تحقيق الوفاق الوطني، ووضع دستور يوافق عليه الجميع، وإنجاز ملحوظ للحكومة، ثم إعداد مصر للجمهورية الثانية الحقيقية.

*في المرحلة الانتقالية الأولى، لم تكن الأحزاب والقوى السياسية، بخلاف «الإخوان»، مهيأة. وكان «الإخوان» القوة الأكثر تنظيما. لو قلنا إن انتخابات الرئاسة والبرلمان بعد تسعة أشهر؛ هل القوى السياسية قادرة على تنظيم صفوفها وتدارك الأخطاء السابقة؟

- لم تصل إلى درجة النضج الكافي، ولو دخلت الانتخابات وهي متفرقة سوف تخسر، ولو تحالفت مثلما فعلت جبهة الإنقاذ ستكون النتيجة أفضل.

*ما أسباب تنازلك عن رئاسة حزب المؤتمر؟

- تركتُ الساحة الحزبية، وليس السياسية، لأنني، كما ترى، كنت في تركيا، واليوم أستقبل عددا من الوفود التي تزور مصر حاليا، والوفد الأفريقي التقى معي، وعلى مدار ساعتين، وتحدثنا في كل شيء، كما ألتقي دائما مع الساسة الدوليين والعرب والأفارقة، وبالتالي يمكنني القول إنني تركت الساحة الحزبية، لأن بها منافسات كبيرة، ومن غير المطلوب أن أشغل وقتي بها، وسوف أكرس وقتي لسياسة وطنية قومية غير مرتبطة بالحزب، على الرغم من رئاستي الشرفية لحزب الوفد، وتأسيس حزب المؤتمر.

*معنى ذلك أن خياراتك مفتوحة لانتخابات الرئاسة.

- سبق أن أعلنت موقفي؛ بعدم رغبتي في ذلك على الرغم من ضغوط كثيرين للمطالبة بالترشح في انتخابات الرئاسة، ويطالبني البعض بألا أستبعد نفسي في الانتخابات، ومع هذا، فإن الوقت مبكر للحديث عن انتخابات الرئاسة, ولكن موقفي ينطلق من إعطاء الفرصة للشباب، والشباب يعني 50 أو 60 سنة لأن يتقدموا الصفوف.

*وماذا عن سن الـ40؟

- من الـ40 وأنت طالع.

*هل تفكر في الترشح للانتخابات البرلمانية؟

- لا أظن، وإنما أؤيد كل المرشحين الوطنيين الديمقراطيين والليبراليين.

*ما الأحزاب الأقرب إليك؟

- أقرب الأحزاب لي الوفد، وفي معناه الأصيل, إنما عندي ربع ناصري، لأن الوفد والناصرية يلتقيان في أمور كثيرة في السياسة المصرية وفي العدالة الاجتماعية والميل إلى مصالح الشعب دون مصلحة النخبة، وكذلك في السياسة الخارجية ورفض الأحلاف والانحياز، وهذه سياسة وفدية قبل عبد الناصر، الذي أعطاها الرواج والبهاء والفخامة.

*التغييرات الكبيرة في حياة الشعوب تأخذ وقتا، والذي يفكر بعقل بارد يقول إن مصر قد يكون أمامها عقد أو أكثر من الزمان حتى تستقر.

- وإذا فكرت بعقل ساخن، فإن الأمر يستغرق خمس سنوات.

*هناك لحظة ضعف بالنسبة للكيان المصري، كيف يمكن الحفاظ على المصالح الحيوية خارجيا من دون أضرار كبيرة؟

- أن تكون هناك رؤية لخطة، وتحديد ماهية مصلحة مصر العليا، التي لا بد أن يكون بها العنصر العربي والأفريقي والمتوسطي, والذي أنا كوزير خارجية سابق أدخلته على السياسة الخارجية المصرية في التسعينات، لأن لنا مصالح مع أوروبا وفي البحر المتوسط، كما نحتاج لإعادة استقرار مصر بما يتطلبه الأمر من تحقيق الاستقرار الداخلي والوفاق الوطني على أهداف واضحة في الداخل والخارج، وأرى أن الواجب الأول والمسؤولية المهمة إيجاد عملية إصلاح كبرى في مصر لكل الملفات، وقبل كل ذلك تحليل الوضع وعلاجه، لأنه منذ 25 يناير وحتى الآن لم يحدث أي نوع من الإصلاح

*أنصار الحكم السابق يقولون إن الوضع والظروف لم تسمح بعملية الإصلاح.

- هل الظروف لا تسمح بعملية الإصلاح في السكة الحديد، والمستشفيات ومرافق الطرق، والأمن، على الأقل في القرى والمدن وأذكر أن أردوغان قال لي منذ شهرين في الشارقة: «أنتم عوقتم حكم الدكتور محمد مرسي»، وكان ردي: ما دخل مظاهرة في ميدان التحرير بإصلاح السكة الحديد؟ وما دخل مظاهرة في الإسكندرية بإصلاح الطرق التي تربط ما بين المحافظات.

«الإخوان» طمعوا في كل شيء، دون إعطاء أي شيء لمصر ولشعبها, ونسمع كل يوم واحد يقول: «على القدس رايحين بالملايين»، ثم ترى أن هناك أنفاقا بين غزة ومصر مفتوحة، وفيها تهريب وإرهابيون, في الوقت الذي كانت تشهد فيه مصر طوابير من البشر تبحث عن السولار والبنزين وخلافه، والمحاصيل الزراعية لا تجد من يرفعها من المكان. وبالتالي فالنظام فشل في كل شيء، وكان مستحيلا استمرارهم.

*كيف ترى تأثير المشهد المصري على صعود التيار الإسلامي في العالم العربي؟

- سوف يتأثر كثيرا هذا الصعود، لفشله في مصر.

*كيف ترى الموقف بالنسبة للربيع العربي؛ هل فشل في ضوء المتاعب التي تواجهها دوله حاليا؟

- لا يوجد ما يسمى بالربيع العربي، لأن ما حدث هو حركة تغيير عربية وهي مستمرة، ولا أقول إنها فشلت، وإنما تمر ببحر متلاطم، وتواجه الأمواج والعواصف، والجزء الذي كان يغرق في مصر انتشلناه، وبالتالي فإن تأثير ما حدث في مصر سيكون عميقا على حركة تسييس الدين أو الإسلام السياسي، على الأقل في هذه المرحلة، وإذا أصلحوا من أنفسهم ربما تكون عودتهم بعد 20 أو 30 عاما، أما الآن فالمسألة مستحيلة.

*وماذا عن الدعاوى التي تطالب بإخراج مرسي؟

- هذا موضوع معقد، وأعتقد أن القانون هو الذي سيطبق، إنما أي إجراءات استثنائية من الأفضل أن يتم الانتهاء منها، ويفرج عمن لا يوجد في حقهم اتهامات أو مساءلة قانونية.

*ما دور الجيش المصري, بعد 30 يونيو، والمواقف الخارجية من ذلك؟

- ما حدث كان ثورة غضب عارم بعيدا عن الجدل, الذي حدث أن مصريا؛ سواء كان ضابطا في الجيش أو الشرطة أو محاميا وطبيبا وفلاحا كان غاضبا، ولذلك فإن ما حدث لا يعد انقلابا.

وقلت للرئيس كوناري رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي إن المفهوم الذي استند عليه قرار تعليق عضوية الدول التي يحدث بها انقلاب في أفريقيا في حقبة التسعينات كان معرفا بأنه عندما يقوم كولونيل بعمل انقلاب عسكري، ويتولى بنفسه مقاليد الحكم، ويحل محل الحاكم.

أما ما حدث في مصر فهو مختلف، لأن هناك حكومة مدنية ورئيسا مدنيا مؤقتا، مع وضع خريطة طريق للمرحلة الانتقالية وبفترة زمنية محددة، وكان لا بد أن يحدث هذا، لأننا كشعب لا نستطيع أن نتحمل عاما آخر من الحكم الذي ساد على مدار عام.

*ما أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تحدث؟

- أسوأ السيناريوهات، مع الأسف الشديد، أن يسود العنف، وعلى الدولة أن تكون مستعدة لذلك، بمعنى أن لا تسمح به.

*هل الأمن القومي المصري كان مهددا بشكل خطير في فترة الرئيس مرسي؟

- طبعا، والدولة عندما يتهدد أمنها القومي، فإن الأمر قد انتهى.

*وماذا عن العلاقات الخارجية؟

- لم يكن هناك سياسة خارجية، ولم تكن لمصر سياسة خارجية طوال هذا العام الذي حكمه الدكتور محمد مرسي، وهذا الكلام أعلنته أكثر من مرة.

*ما رؤيتك للمشهد العربي؟

- محتاج لعمل كثير جدا، والوضع القائم يمثل بداية للتغيير، ولكن لا أرى أن الحدود سوف تتغير، أو دولا سوف تتفكك، وهذا لن يحدث. أما الصحيح، فإن الدول ستصبح ذات نظم أكثر ديمقراطية.