لبنان: «رسائل صاروخية» نحو القصر الرئاسي.. وسليمان: لا تغير في الثوابت والقناعات

اتهامات سياسية باتجاه حزب الله.. والحزب يرد: «محاولة دنيئة وسافرة»

جنود لبنانيون يعاينون موقع سقوط إحدى الصواريخ بالقرب من القصر الرئاسي اللبناني في ضاحية بيروت الشرقية (أ.ب)
TT

في رسالة سياسية هي الثالثة من نوعها خلال نحو ثلاثة أشهر، سقط صاروخان مجهولا المصدر في وقت متأخر من ليل الخميس في منطقة اليرزة حيث وزارة الدفاع وعلى مسافة قريبة من القصر الرئاسي في منطقة بعبدا (شرق بيروت). وأعلنت قيادة الجيش، مديرية التوجيه، أنّه و«على أثر حصول الانفجارات، باشرت قوى الجيش عملية بحث واستطلاع للمنطقة، حيث تبين أنها ناجمة عن سقوط صاروخين عيار 107 ملم، الأول في باحة فيللا فريحة قرب نادي الضباط، والآخر قرب قصر الخاشقجي في تلة اليرزة وقد اقتصرت أضرارهما على الماديات. وقد أوضحت المديرية أن «عمليات المسح الميداني تستمر للأماكن المحتملة لإطلاق الصاروخين بغية تحديد مصدرهما بدقة، بالإضافة إلى جمع المعلومات والمعطيات المتعلقة بالحادث لكشف هوية المتورطين وتوقيفهم»، بينما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام، أنّ مصدرهما منطقة المونسة في ضهور عرمون (جنوب بيروت)، وأن الصاروخ الثاني سقط قرب كلية القيادة والأركان التابعة للجيش في منطقة الريحانية المجاورة. ووفق بعض المصادر فإن القوى الأمنية لم تتمكن بعد حملة تمشيط واسعة من العثور على منصات الصواريخ مرجحة أنّ المنصة التي تم استخدامها هذه المرّة هي «متنقلة»، مشيرة إلى أنّه لا دليل حتى الآن على من يقف وراء إطلاقها. وأعلن وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل أن الصواريخ التي أطلقت أول من أمس «تشبه تلك التي سبق أن أطلقت من بلونة باتجاه الجمهور وعلى الضاحية الجنوبية منذ أكثر من شهر».

وفي حين رأت مصادر مقربة من الرئيس سليمان، أنّ الأمن المكشوف لامس الخطوط الحمر باستهداف صواريخ الفتنة القصر الجمهوري ومراكز الجيش، كان لرئيس الجمهورية ردّ مباشر على الصواريخ مؤكدا أنّ تكرار «الرسائل الصاروخية» لا يمكن أنّ يغير في الثوابت الوطنية والقناعات، فيما صوّبت أصابع الاتهام السياسية من فريق 14 آذار والنائب وليد جنبلاط نحو حزب الله، واضعة الحادثة في خانة رد الفعل المباشر على خطاب الرئيس سليمان في عيد الجيش أول من أمس، الذي دعا فيها إلى وجوب إعادة النظر بالاستراتيجية الدفاعية بعدما تخطى سلاح المقاومة الحدود اللبنانية، والذي لاقى بدوره ردود فعل «عدائية» من قوى 8 آذار وإعلامه، وقد وضعت إحدى الصحف المحسوبة عليه صورته على الصفحة الأولى مذيلة بعبارة «ارحل»، بينما استنكر الحزب محاولة الربط بين مواقف سليمان الأخيرة والصواريخ، واصفا الأمر بـ«المحاولة الدنيئة والسافرة».

وفي قراءة سياسية وعسكرية، لهذه الرسائل الصاروخية، رأى الخبير العسكري العميد المتقاعد وهبي قاطيشا أنّ الصواريخ هي ردّ واضح على موقف رئيس الجمهورية، الذي طالب بالحوار ورفض الازدواجية العسكرية والتدخل الخارجي، فردّوا عليه بحوار الصواريخ. وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «أنّ هدف صواريخ أمس التي هي من النوع التدميري، هو القصر الجمهوري في بعبدا، لافتا إلى أنّ المكان الذي وقع فيه أحدهما لا يبعد أكثر من نحو 40 مترا عنه، فيما يبعد الثاني نحو 100 متر».

وكان الرئيس سليمان قد ردّ على هذه الصواريخ بالقول: «إن تكرار الرسائل الصاروخية، كائنا من كان مرسلها وأينما كانت وجهتها ومهما كانت درجة خطورتها والهدف الكامن وراء إطلاقها، لا يمكن أن يغير في الثوابت الوطنية والقناعات التي يتم التعبير عنها بالكلمة الحرة والصادقة، النابعة من إيمان بالمصلحة الوطنية العليا لتجنيب البلاد انعكاسات ما يحصل حولنا وفي المنطقة، ولضمان الاستقرار والوحدة بين اللبنانيين من خلال العودة إلى التزام إعلان بعبدا وصون التماسك الوطني في هذه الظروف الدقيقة بالذات».

ولفت رئيس الجمهورية إلى «أهمية تحلي اللبنانيين بأعلى درجات الوعي لخطورة ما يقوم به المتضررون من استقرار الساحة الداخلية»، كما طلب من الأجهزة الأمنية المعنية «تكثيف تحرياتها وتحقيقاتها لكشف لملابسات واتخاذ التدابير الآيلة إلى ضبط مثل هذه الأفعال».

كذلك، استنكر الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام «إطلاق الصواريخ على مناطق بعبدا واليرزة والفياضية»، ووصفه بأنه عمل «خطير ومشبوه». وقال: «إن استهداف هذه المناطق التي تحتوي على مقرات ذات رمزية وطنية عالية هو حلقة جديدة في سلسلة العمليات الأمنية المشبوهة التي شهدتها مناطق مختلفة في الآونة الأخيرة، والتي يستفيد المخططون لها من مناخ التأزم السياسي الحالي للمضي في خطة خبيثة وخطيرة ترمي إلى ضرب الاستقرار اللبناني وزرع البلبلة في صفوف اللبنانيين».

من جهته، كرّر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في بيان له، تأييده لمواقف سليمان الوطنية والمسؤولة والشجاعة، سائلا في بيان له، هل دفاع الرئيس عن الجيش وتحديده الظروف التي تصعب مهمته، ومن أهمها استمرار ازدواجية السلاح الشرعي وغير الشرعي جريمة؟ مضيفا: «ألم يسبق للرئيس سليمان أن حدد في رؤيته للخطة الدفاعية ودعوته للحوار الوطني الخطوط العريضة لكيفية الاستفادة من سلاح المقاومة بالتوازي مع تحديد مرجعية قرار الحرب والسلم وتحديد وتوحيد الأمرة العسكرية حصرا بالجيش اللبناني أي الدولة اللبنانية؟

وعن تجديد سليمان دعوته لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية، سأل جنبلاط: «أهي جريمة أن يجدد الرئيس الدعوة لنقاش فاعل حولها وخصوصا بعد انغماس أطراف لبنانيين في صراعات خارج الحدود، وهل هي جريمة أن يطالب ويسعى لتقوية وتسليح الجيش كي يتحول إلى الضامن الأقوى والأوحد للسلم الأهلي من المخاطر الخارجية والتحديات الداخلية؟» واستنتج جنبلاط قائلا: «لكن يبدو أنّ بعض السلاح المتفلت والإعلام الرخيص لا يحتملان أي ملاحظات خارجة عن مألوفهما وغير متطابقة مع توجهاتهما، وهو ما قد يمهد لمرحلة جديدة على أكثر من صعيد، ويبدو أنه علينا أن نتوقع المزيد من الصواريخ والهدايا المفخخة بعد حمص!» وختم «لا بد أن تنتصر الإرادة الوطنية لما فيه مصلحة لبنان دون سواه».

بدوره، علق رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على إطلاق الصواريخ، فقال: «لم أكن أتصور أن يستهدف لبنانيون رئيس الجمهورية ومن وما يمثل بهذا الشكل السافر والمخزي، وهو أمر لم تقدم عليه حتى إسرائيل في أعتى اعتداءاتها على لبنان»، معتبرا أن هدف هذه الصواريخ كان واضحا جدا، إذ سقط أحدها فوق القصر الجمهوري وآخر تحته، علما بأن مثل هذه الصواريخ لا تتميز بدقة إصابة أهدافها» إن هذه الوقائع تظهر أن البعض لم يعد يريد لا رئيسا للجمهورية ولا جمهورية، إنه مرتاح في «جمهوريته».

من جهته، اعتبر رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة، «أن الكلام الذي صدر عن الرئيس سليمان في عيد الجيش، جاء ليؤكد مرة جديدة أنه رئيس الدولة المؤتمن على الدستور المنسجم مع نفسه وقناعاته ومع موقعه المدافع عن ميزات ورسالة لبنان، والحريص على السيادة والاستقلال». واستنكر السنيورة ما قال: إنها «صورايخ الغدر المشبوهة التي أطلقت باتجاه مناطق بعبدا والفياضية»، مؤكدا أنّها لن تنال من عزيمة اللبنانيين وصلابتهم ووطنيتهم، فالشعب اللبناني، يعرف من هو المستهدف، لكن الأهداف الخبيثة لمن أوعز بإطلاق هذه الصورايخ لن تتحقق، بل ستزيد المؤمنين بلبنان تمسكا به.

في المقابل، أدان حزب الله ربط البعض للصواريخ بمواقف سليمان، واصفا إياها، بالـ«محاولة دنيئة وسافرة». وجاء في البيان أنّ جريمة إطلاق الصواريخ المجهولة المصدر والمعروفة الأهداف ليل أمس، لتؤكد استمرار الأيدي الإجرامية الإرهابية في سعيها للنيل من المؤسسة العسكرية ومحاولاتها التآمرية لإيقاع الفتنة الداخلية بين المكونات الوطنية.

وأضاف البيان «إن حزب الله، إذ يدين الجريمة الآثمة بشدة، يدين محاولات بعض الإعلام استغلالها للإيقاع بين اللبنانيين إضعافا لمؤسساتهم وقواهم ووحدتهم الوطنية والتفافهم حول العناوين الكبرى في مواجهة العدو الصهيوني، فإنه يرى في توسل العنف والإجرام سبيلا لمواجهة الرأي السياسي نهجا بائدا وبائسا يكشف عجز المراهنين عليه وإفلاسهم الكامل. ويؤكد وقوفه الدائم إلى جانب المؤسسة العسكرية وتضامنه الكامل معها في كل الظروف. كما يدعو إلى أوسع حملة تضامن مع هذه المؤسسة الوطنية الكبرى حفظا للوطن وأهله وتفويتا للمؤامرات عليهما».

من جهة أخرى، بدا لافتا موقف رئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، الذي اعتبر أنّ «رئيس الجمهورية ميشال سليمان لا يزال يمثل رمز الدولة اللبنانية، وهذه الصواريخ تتناول جميع اللبنانيين»، ورأى عون أنّ الصواريخ التي أطلقت أمس إلى منطقة بعبدا هي نوع من الرسائل الموجهة إلى الجيش اللبناني، قائلا: «أعتقد أن رسالة الصواريخ محددة وسليمان لا يخاطَب بهذا الأسلوب، فأنا معارض له وأنتقده بقساوة، ولكن لا يجب القصف على القصر الجمهوري ولا على أي رمز وطني».