السجن المؤبد لمدانين في قضية التآمر لقلب نظام الحكم في تركيا

بينهم الجنرال باشبوغ رئيس الأركان السابق

الشرطة التركية تستخدم الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق متظاهرين تجمعوا أمام مقر محكمة سيليفيري قرب إسطنبول أمس أثناء جلسة النطق بالأحكام في قضية التآمر على قلب نظام الحكم (رويترز)
TT

أصدر القضاء التركي في سيليفيري بالقرب من إسطنبول أمس أحكاما بالسجن مدى الحياة على رئيس الأركان التركي السابق ايلر باشبوغ وضباط سابقين في الجيش متهمين بالسعي للإطاحة بالحكومة الإسلامية المحافظة التي يقودها حزب العدالة والتنمية بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.

وبين المحكومين القائد السابق للفرقة الأولى في الجيش هورسيت طولون الذين أدين مع آخرين «بمحاولة قلب النظام الدستوري بالقوة». كما أمر القضاء التركي بالإفراج عن 21 متهما وإسقاط التهم عنهم في قضية شبكة «أرغينيكون».

ويعتقل عشرات المتهمين وبينهم جنرالات وصحافيون وزعماء عصابات إجرامية منذ 2007 ويحاكمون منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2008 في إطار هذه القضية التي نددت بها المعارضة العلمانية واعتبرتها تهدف إلى إسكات الانتقادات ضد رئيس الوزراء.

وباشبوغ هو أرفع ضابط يحاكم في قضية التآمر لقلب الحكومة الإسلامية المحافظة، وهو عسكري محترف تدرب في بريطانيا وحلف شمال الأطلسي. وقاد هذا الجنرال السابق البالغ من العمر 70 عاما، الحملة العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني لفترة طويلة، ليجد نفسه بعد تقاعده متهما هو نفسه بقيادة مجموعة إرهابية. ويقول مراقبون إن «باشبوغ ليس متطرفا موضحين أنه دافع عن معالجة معتدلة لقضية حزب العمال الكردستاني عندما كان رئيسا للأركان ويميل سياسيا إلى حزب معارض من يسار الوسط». وصرح رئيس مركز إسطنبول لدراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية سنان أولغن «أنه ليس من الصقور».

وباشبوغ المولود في أفيون قره حصار غرب تركيا في 1943، تخرج في الكلية العسكرية في 1962 ثم في مدرسة المشاة بعد سنة من ذلك، كما ورد في نبذة على الموقع الإلكتروني للحلف الأطلسي.

وفي 1973، تخرج في الكلية الحربية وعمل لاحقا في قسم الاستخبارات لدى الحلف الأطلسي.

ودرس باشبوغ في كلية المملكة المتحدة للأركان (يونايتد كيندوم ارمي ستاف كوليج) وفي معهد الدفاع التابع للحلف الأطلسي قبل أن تتم ترقيته إلى رتبة بريغادير جنرال (عميد) في 1989، حسب المصدر نفسه. وأصبح برتبة جنرال (لواء) في 2002 ثم تولى في أغسطس (آب) 2008 قيادة الجيش التركي الذي يضم 515 ألف رجل وهو ثاني أكبر قوة في الحلف الأطلسي بعد الجيش الأميركي. وبقي في منصبه هذا حتى تقاعده بعد سنتين من ذلك.

واعتقل باشبوغ في يناير (كانون الثاني) 2012 وسجن منذ ذلك الحين بتهمة قيادة مجموعة إرهابية تسعى لإطاحة حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. وقال باشبوغ في إفادته الأولى أمام المحكمة العام الماضي إن «توجيه اتهامات إلى قائد جيش كهذا بتشكيل وقيادة منظمة أمر مضحك مبك». وأكد «التزمت طوال عملي بالقانون والدستور».

ويقول مراقبون إن قيادة باشبوغ من 2008 إلى 2010 تزامنت مع تراجع في حدة النزاع الكردي الذي تصاعد مجددا بعد رحيله. وقال أولغن إن باشبوغ «أدلى بتعليقات بناءة جدا حول المسألة الكردية». ففي 2009 مثلا، دعا باشبوغ أنقرة إلى العمل ليحظى مواطنوها الأكراد بـ«فرص متساوية» ولتغيير نظرتهم إلى أنفسهم على أنهم «ضحايا». وقال الأستاذ الجامعي أحمد اينسل الذي ألف كتابين عن القوات المسلحة التركية إنه لا يعتبر باشبوغ بين الجنرالات المتشددين الذين ساهموا عام 1997 في إسقاط حكومة نجم الدين أربكان الإسلامية. وأضاف أنه «جنرال حاول إبقاء الجيش في ثكناته». وتابع أن باشبوغ كان معروفا بميله إلى أكبر أحزاب المعارضة حزب الشعب الجمهوري مع أنه لم يعبر يوما علنا عن دعمه لهذا الحزب الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة الذي أرسى قيم العلمانية في الجيش.

ويقول المراقبون إن باشبوغ المعتدل في معظم القضايا، أجبره تصميمه على الدفاع عن الجيش أن يواجه تهم محاولات الانقلاب، على تبني بعض المواقف المتشددة. ففي بداية 2007، دافع عن أوائل الضباط الذين اتهموا بتدبير محاولة انقلاب. وعندما عثرت الشرطة على مخبأ للأسلحة خارج إسطنبول، نفى باشبوغ أن تكون هذه الأسلحة عائدة للجيش، وقال إن أكثر من عشرين قطعة سلاح خفيف مضاد للدبابات لم تكن سوى «أنابيب». وقال اينسل «يبدو أنه شخص مستعد لقول أي شيء ليدافع عن الجيش».

وأكد الادعاء أن باشبوغ وضباطا آخرين خططوا لإنشاء مواقع إلكترونية لنشر دعاية ضد الحكومة بهدف زعزعتها، وهي اتهامات نفاها. لكن الحديث عن مؤامرات عسكرية لا يمكن تجاوزه بسهولة في تركيا التي شهدت ثلاثة انقلابات قام بها الجيش في 1960 و1971 و1980. وقد أضعف الصراع على السلطة الجيش. فحملات التوقيف والأحكام القضائية والمراجعات الدستورية أدت إلى الحد من نفوذه.

وتصدت شرطة مكافحة الشغب لمحتجين أمام المحكمة قبل صدور الأحكام وأطلقت الغاز المسيل للدموع في حقول حول المحكمة مما تسبب في اندلاع حريق محدود، حسبما أفادت به وكالة «رويترز». ويقول منتقدون ومن بينهم حزب المعارضة الرئيس إن هذه الاتهامات مغالى فيها بهدف خنق المعارضة وترويض المؤسسة العلمانية التي هيمنت على تركيات طويلا. ويرون أن القضاء خاضع لنفوذ سياسي في القضية. وقال أوموت أوران وهو نائب بالبرلمان من حزب الشعب الجمهوري المعارض لـ«رويترز» «هذه محاكمة تخص أردوغان.. إنها مسرحية». وأضاف من أمام المحكمة «في القرن الحادي والعشرين بالنسبة للبلد الذي يريد أن يصبح عضوا كاملا في الاتحاد الأوروبي فإن هذه المحاكمة السياسية الواضحة ليس لها سند قانوني».

ونفى أردوغان التدخل في العملية القانونية وأكد على استقلال القضاء. لكنه انتقد طريقة تعامل الادعاء مع القضية وأبدى استياءه من طول الوقت الذي ظل فيه المتهمون رهن الاحتجاز.