طرابلس: إفطار رمضاني جماعي تحت تهديد القنابل وزخات الرصاص

دعي إليه جميع أهالي المدينة «تحديا للسياسيين والمسلحين»

TT

تحول الإفطار الرمضاني الجماعي الذي دعي إليه «كل أهالي طرابلس»، في ساحة عبد الحميد كرامي الشهيرة والتي شهدت في الشهور الأخيرة اعتصامات واشتباكات، إلى نوع من التحدي لسياسيي المدينة ومسلحيها.

ورغم أن المنظمين لهذا الإفطار، هم مجموعة من الشبان الطامحين إلى إعطاء صورة مغايرة عن مدينتهم، الموسومة بالعنف، إلا أن مسلحين تمكنوا من اختراق المكان وهددوا بإمطار الساحة بالقنابل إن لم تخل خلال دقائق، ليستكمل الإفطار على وقع زخات الرصاص وبحماية الدبابات التابعة للجيش اللبناني.

وكان الشبان المنظمون وصلوا، أول من أمس، في وقت مبكر إلى الساحة، الواقعة على مدخل المدينة، بعد أن أخليت من السيارات، ووضعوا الطاولات البيضاء والكراسي على شكل شمس مشعة، بحماية قوى الأمن الداخلي التي أغلقت المكان بالحواجز الحديدية. ويروي ربيع عمر، وهو أحد المشاركين في التنظيم، لـ«الشرق الأوسط» أنه «قبل موعد الإفطار بعشر دقائق دخل خمسة أشخاص إلى المكان لا تبدو عليهم مظاهر مسلحة، وعندما أصبحوا في وسط الساحة، وبين الجموع أخرجوا من جيوبهم ستة أو سبعة قنابل وكان معهم مسدسان، وأخذوا يقربون القنابل من صدورنا، مهددين بأنهم سيمطرون المفطرين بالقنابل إن لم تخل الساحة فورا، وقلبوا بعض طاولات الأكل والكراسي». ويكمل عمر: «كل هذا بحجة أننا أزلنا علما مكتوبا عليه «لا إله إلا الله»، علما بأننا لم نفعل ذلك أبدا.

وحضر الجيش على الفور وطوق الساحة بالكامل بالدبابات، وشوهد عناصر الجيش يتمركزون في المكان بخوذاتهم وبكامل جهوزيتهم، فيما لم يتوان المسلحون عن إطلاق النار خارج الساحة لإرعاب المفطرين.

وتوضح مطيعة حلاق، التي كانت موجودة في المكان، وهي من المشاركين في التنظيم، أن «الجيش كان مدججا بالفعل، وأصر الذين لبوا الدعوة رغم كل ما حصل أن يرفعوا الأذان وسط الساحة، ويقيموا الصلاة، قبل استكمال الإفطار، تأكيدا على أننا مسلمون، وأن الإسلام ليس حكرا على جماعات بعينها».

أما ربيع عمر فيصف الوضع بأنه كان مرعبا وظنوا أننا سننكفئ عند أول ضربة كف، لكننا أكملنا فطورنا ونحن على استعداد لإعادة التحرك، ولكن بتكتيكات أخرى. وقال: «هذه المرة كنا نحو 750 شخصا، وفي المرة المقبلة، سنكون عشرة آلاف، لنثبت أن هذه المدينة ليست لفئة وإنما لكل أهلها»، لافتا إلى أنه «شارك مسلمون ومسيحيون في الإفطار، ومن أهالي جبل محسن وباب التبانة، وموظفو التنظيفات ورجال الصليب الأحمر وقوى الأمن، وأطفال من دار الأيتام، ومواطنون عاديون، تناولنا كلنا إفطارنا معا، دون طاولة رئيسة وتشريفات، كلنا أخوة ومتساوون». ويضيف: «رغم أن أهلنا اتصلوا بنا عشرات المرات لننسحب، خوفا منهم على حياتنا، إلا أننا بقينا».

وكان هذا الإفطار، الذي نظم تحت عنوان «ساحة وهنا» بالتعاون مع غرفة الصناعة والتجارة في طرابلس، ومحافظ الشمال ناصيف قالوش، تعرض لهجمة، على موقع «فيس بوك»، واتهم منظموه لمجرد أنهم من المجتمع المدني بتهم كثيرة، منها أنهم يؤيدون الزواج المدني، وهو ما يعتبره ربيع عمر «جهلا فادحا يثير الحزن». ويكمل: «لقد شتمونا شتائم مقذعة، عندما كانوا يهددوننا وسط الساحة بأسلحتهم، هذا غير الاتهامات الغريبة التي روجوا لها على (فيس بوك)، رافضا ما يتردد بأن متطرفين إسلاميين وراء هذه التهديدات. وقال: إن «هذا الإفطار الذي رفضنا خلاله رفع أي شعار حزبي، من أي نوع كان، أزعج كل سياسيي المدينة ومسلحيها، الذين يظنون أنهم وحدهم من ينتمون إليها ويملكون قرارها والسيطرة عليها»، مشيرا إلى أنه «في طرابلس هيئات مدنية كثيرة، وانضم إليهم الآن هؤلاء الشبان، وسنقول معا، إننا نرفض ما نتعرض له».

ويتحدث الناشط المدني عن وجود ثلاث فئات في طرابلس: «فئة تريد الموت والخراب، وفئة أخرى تستخدم كل ما تملك من وسائل مدنية لإنقاذ مدينتها ولا تريد أن تستسلم لمنطق التدمير، وفئة ثالثة تجلس في بيوتها لا مبالية بما يحدث. وهؤلاء عليهم أن يتحركوا. لن نبقى صامتين حتى يخرجوننا من بيوتنا ويقولون لنا هذه ليست لكم، بعد أن أصبح البعض يعتبر الساحات والشوارع ملكيته».

وعن سبب تنظيم هذا الإفطار في ساحة عبد الحميد كرامي تحديدا وليس أي مكان آخر قال: «بات لهذه الساحة رمزيتها. أول ما يتخيله الداخل منها إلى طرابلس مسلحون يحتلونها وموتوسيكلات تجوبها، ودواليب تحرق حولها. نريد أن نغير هذه الصورة، ومصممون على ذلك».