مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»: نجحنا في كبح جماح الحلول العنيفة بمصر.. ولكن إلى متى؟

الأوروبيون حائرون في تفسير تناقضات المواقف.. ومصادر فرنسية تعزوها لعملية تجميع الأوراق بانتظار المساومات

TT

تعتبر مصادر دبلوماسية أوروبية أن الضغوط السياسية التي تمارسها بعض العواصم الغربية وبعض الدول العربية على السلطات الجديدة في مصر، نجحت «حتى الآن» في لجم القوى الأمنية، وحملها على «تأجيل» اللجوء إلى القوة لفض الاعتصامات الاحتجاجية القائمة في القاهرة وفي أماكن أخرى من مصر. غير أن هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس لا تبدو «متأكدة» من أن الأمور ستبقى على حال «المراوحة» السائدة اليوم، ولا من نجاح الأطراف «المعتدلة» في النظام الجديد في منع الانزلاق نحو العنف الدموي في الأيام المقبلة في حال استمر الطرفان في التعبئة والتصعيد.

والواضح حتى الآن بالنسبة للعواصم الغربية أنه بعد أكثر من شهر على تنحية الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو (تموز) الماضي، ما زالت الأمور «جامدة» وما زال كل طرف على مواقفه الأولى. فمن جهة، لم تنجح الوساطات الغربية في حمل الإخوان المسلمين على قبول التغيير الذي حصل وإقصائهم عن السلطة التي وصلوا إليها عبر صندوق الاقتراع، كما أنهم ما زالوا يرفضون فك الاعتصام مقابل مقترحات «الخروج الآمن» التي تطرحها بعض الأطراف.. وفي الجهة المقابلة، يبدو للقوات المسلحة وللتحالف الذي أمسك بالسلطة المؤقتة أن العودة إلى الماضي «غير ممكنة» وأن الحل يكمن في قبول خريطة الطريق التي تنص على انتخابات تشريعية تنبثق عنها سلطة شرعية جديدة أوائل العام المقبل. وواضح أن تمسك كل فريق بموقفه لن يفتح كوة في جدار الأزمة المستعصية.

بيد أن المصادر المشار إليها تقف «حائرة» في تفسير المواقف والمؤشرات «المتناقضة» الصادرة عن الطرفين. فعلى سبيل المثال فإنها تتساءل عن «الانسجام» في المواقف بين اللقاء الذي جمع نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي مع عدد من القيادات الإسلامية من جانب، وبين القرار القاضي بتحديد 25 من الشهر الحالي موعدا لبدء محاكمة مرشد الإخوان محمد بديع «المختفي عن الأنظار» واثنين من كبار قادتهم، وهما خيرت الشاطر ورشاد البيومي. كذلك تتساءل هذه المصادر عن «المنطق» الذي يجعل الإخوان يوحون بقبولهم عدم عودة مرسي إلى السلطة؛ وهو مطلبهم الذي كان ثابتا حتى اليوم وشعاره «عودة الشرعية»، واستمرار التعبئة والدعوة إلى «مليونيات» متلاحقة؟

إزاء هذا التناقض الصارخ، تميل مصادر فرنسية رسمية إلى اعتبار أنه يندرج في سياق مسعى كل طرف لتجميع الأوراق التي يمكن أن يستخدمها في «المساومات» الجارية حتى الآن في «الوساطة» بين الجيش والإخوان، التي قد تصبح غدا حوارات مباشرة. فالإبقاء على مرسي محتجزا وتحديد موعد لبدء محاكمة المرشد واثنين من كبار مساعديه واستمرار التهديد باللجوء إلى القوة لفك الاعتصامات، كل ذلك يمكن أن ينظر إليه على أنه «ورقة ضغط ومساومة»، بحيث لا يدور النقاش حول العودة إلى الوضع السابق على التنحية، بل حول خروج مرسي وحجب المحاكمة عن المرشد وأعوانه وقبول الخروج الآمن مع المشاركة في العملية الانتخابية. وفي الجانب المقابل، فإن مطالبة الإخوان بحرمان السيسي من المشاركة في أية مسؤوليات سياسية مستقبلية يمكن أن ينظر إليه على أنه ورقة مساومة موازية لتلك التي تدعو إلى رفض عودة مرسي إلى منصبه وإبعاده عن المسؤوليات السياسية في المستقبل.

وحتى الآن، لم يجد أي من الوسطاء الغربيين والعرب «الصيغة السحرية» التي من شأنها ضم الطرفين إلى طاولة مفاوضات والتفاهم حول صيغة مقبولة للخروج من الأزمة. وتتخوف المصادر الأوروبية من أن يكون الإخوان ساعين إلى جر القوات المسلحة إلى عملية «لي ذراع» يسهل استثمارها سياسيا؛ حيث إنهم يرون أن خيار القوة «سيكون وبالا على السلطة الجديدة وعلى تماسكها الداخلي، فضلا عن ضرب صورة القوات المسلحة». كذلك، فإنها تتخوف من أن يكون التيار المتشدد داخل هذه القوات راغبا «في تلقين» الإخوان وحلفائهم درسا والاستجابة لدعوات داخلية وخارجية وإقليمية لعدم التردد في تطبيع الوضع بالقوة. وقناعة هؤلاء أن الرأي العام المصري سيقف إلى جانب القوات الأمنية والعسكرية لوضع حد للفوضى وعدم الاستقرار. بيد أن الغربيين ينبهون إلى المنزلق الخطير ويشددون على أهمية الحل السياسي الذي يشمل كل الأطراف، والإسراع في انبثاق شرعية جيدة لا غبار عليها تخرج من صندوق الانتخاب. لكنهم عاجزون عن ترجمة هذه المبادئ العامة إلى عمل سياسي، رغم جهود مسؤولة ملف العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون ومبعوثها للشرق الأوسط برناردينو ليون.