أربعة جرحى إسرائيليين في انفجار لغم داخل الأراضي اللبنانية

تسللوا في مهمة «أمنية» داخل منطقة اللبونة الاستراتيجية

أحد عناصر القوة الدولية العاملة في جنوب لبنان يتفقد موقع سقوط الجرحى الإسرائيليين تحت انظار عناصر من الجيش اللبناني (رويترز)
TT

تخطّى لبنان وإسرائيل، أمس، احتمال وقوع حرب بين الطرفين على خلفية دخول جنود إسرائيليين «في مهمة أمنية» إلى داخل الأراضي اللبنانية، حيث انفجر لغم أرضي بهم على مسافة 400 متر من الحدود، أسفر عن وقوع أربعة جرحى.

وبينما تحفّظت إسرائيل عن الإعلان عن طبيعة الانفجار، ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام، أن إصابة الجنود نجمت عن انفجار لغم أرضي كان مزروعا على الحدود اللبنانية مع إسرائيل. وكان متحدث باسم الجيش الإسرائيلي أعلن أن أربعة من جنوده كانوا في عملية ليلا على الحدود مع لبنان أصيبوا بجروح على أثر وقوع «انفجار»، مشيرا إلى أنهم كانوا يقومون بـ«أنشطة ليلية في قطاع الحدود اللبنانية، عند وقوع الانفجار».

وبينما أوضح ضابط في قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (اليونيفيل) أن القوة الإسرائيلية التي خرقت الحدود كانت مؤلفة من أكثر من عشرة جنود، وأن الجيش الإسرائيلي سحب المصابين عبر فجوات في الأسلاك الشائكة على الحدود، مطلقا قنابل مضيئة في سماء المنطقة، وصف الجيش اللبناني ما حصل بأنه «انتهاك جديد للسيادة اللبنانية».

وقال بيان للجيش: «أقدمت دورية راجلة تابعة للعدو الإسرائيلي على خرق الخط الأزرق في منطقة اللبونة الحدودية لمسافة 400 متر داخل الأراضي اللبنانية، وأثناء تسلل عناصرها، حصل انفجار أدى إلى سقوط عدد من الإصابات في صفوفهم».

وذكرت مديرية التوجيه في الجيش، في بيان، أنه «على الأثر استنفرت وحدات الجيش المنتشرة في المنطقة، واتخذت الإجراءات الميدانية المناسبة، بينما تولّت لجنة عسكرية مختصة من الجيش اللبناني التحقيق في ظروف الحادث ونوع الانفجار بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان».

وتسلل الجنود الإسرائيليون شمال الخط الأزرق، الذي يعد خط الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب في عام 2000، وتراقبه قوات الأمم المتحدة التي عززت وجودها في جنوب لبنان بعد حرب عام 2006.

ولدى سؤاله عن الحادث، قال المتحدث باسم قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان أندريا تينيتي إنه ليست لديه معلومات «متعلقة بالتفويض الخاص بعملياتنا»، ووصف الوضع بأنه هادئ.

وتعتبر منطقة اللبونة التي جرت فيها عملية التسلسل فجر الأربعاء، منطقة عسكرية بامتياز، إذ تخلو من المنازل والسكان، ويقيم على رأس التلة عناصر تابعون لقوات حفظ السلام في جنوب لبنان (يونيفيل). وتمتد هذه التلة على مساحة شاسعة من ساحل الناقورة الحدودي، باتجاه أراض، علما بأن الشعب من الجهة اللبنانية، وتحاذي الحدود الإسرائيلية الشمالية، من الساحل، وصعودا نحو سبعة كيلومترات.

وتكمن أهميتها الاستراتيجية في كونها نقطة مرتفعة كاشفة على الطرفين، ولا يفصل بين حاجز قوات اليونيفيل والطريق الحدودي الإسرائيلية على الجانب الآخر، حيث تجولت قوات حرس الحدود الإسرائيلية، إلا سياج حديدي واحد، ومسافة مترين كحد أقصى. ورفع قائد الجيش اللبناني آنذاك العماد ميشال سليمان، في عام 2006، العلم اللبناني داخل مركز عسكري على تلة اللبونة، بعد أن قررت الحكومة اللبنانية نشر جيشها جنوب نهر الليطاني عقب حرب تموز.

ولم يُعلَن عن طبيعة العمل داخل الأراضي اللبنانية الذي كانت إسرائيل تنوي تنفيذه، غير أن مصدرا أمنيا لبنانيا، أكد لموقع «المنار» التابع لحزب الله، أن الجنود «كانوا في مهمة أمنية داخل الأراضي اللبنانية لدى انفجار العبوة الناسفة بهم»، مشيرا إلى أنها «ليست المرة الأولى التي يخرج فيها جنود الاحتلال إلى هذه المنطقة الحرجية». ونقل مراسل الموقع أن الجيش الإسرائيلي «لم يطلق رصاصة واحدة بعد الانفجار، مكتفيا بتوجيه أضواء الكشافات، وهذا دليل على الطابع الأمني للعملية».

ويعتقد الإسرائيليون أن هذه المنطقة الحرجية، يقيم فيها عناصر لحزب الله، على خلفية دخول القوات الإسرائيلية إلى أحد أنفاق حزب الله في المنطقة خلال حرب تموز 2006، بصحبة قناة بريطانية صورت تقريرا تلفزيونيا.

ولطالما رفعت عمليات خرق من هذا النوع، مستوى التوتر إلى أقصى درجاته على الحدود، خصوصا بعدما يُصاب جنود إسرائيليون. لكن الحادثة لم تقد إلى اشتباك بين الإسرائيليين من جهة، والجيش اللبناني وحزب الله من جهة أخرى.

ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد إلياس حنا، أن الظروف الإقليمية في هذا الوقت «لا تسمح بأن يتطور الحادث أكثر من هذا الحد»، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أن طرفي النزاع (إسرائيل وحزب الله) «لا يناسبهما (ستاتيكو) آخر»، مشددا على أن مستوى «الـ(لا استقرار) مضبوط من قبل الطرفين، ولا يؤدي إلى أكثر مما حدث، سواء أكان الحادث مقصودا أم عن غير قصد».

ويشير حنا إلى أنه «خلافا لهذا الوقت، كانت الظروف الإقليمية في حرب تموز 2006 مناسبة للحرب، إذ تزامنت مع الضغوط على إيران على خلفية ملفها النووي، وكان القوات الأميركية لا تزال في العراق، بينما تلت الحرب الانسحاب السوري من لبنان بفترة سنة».

أما الآن، فيوضح حنا أن «الطرفين لا تناسبهما الحرب لأن حزب الله مشغول بالقتال في سوريا وفي الداخل اللبناني، بينما لا تريد إسرائيل أن تفتح جبهات أخرى تُضاف إلى جبهات متوترة في سيناء والجولان».

ولا يزال لبنان وإسرائيل رسميا في حالة حرب، وتعود المواجهة الأخيرة بين الطرفين إلى عام 2006، في معارك استمرت 33 يوما بين إسرائيل وحزب الله الذي يملك ترسانة عسكرية وصاروخية ضخمة. وبعدها، حصلت عدة استفزازات على الحدود، رفعت حدة التوتر، لكنها لم تقد إلى حرب شاملة، وتحديدا حصلت خلال مواجهات العديسة بين جنود لبنانيين وإسرائيليين في شهر يونيو (حزيران) 2010 أسفرت عن وقوع قتلى عند الطرفين.

وبموازاة الإجراءات العسكرية التي اتخذها الجيش اللبناني وقوات الـ«يونيفيل»، تحرك لبنان دبلوماسيا على خط تطويق الاختراق، إذ أدان وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عدنان منصور، بشدة العدوان الإسرائيلي، وقال: «إن اللغم الذي انفجر بالجنود الإسرائيليين المعتدين، يكشف مرة جديدة النيات المبيتة للعدو الإسرائيلي من خلال توغله في داخل الأراضي اللبنانية، الذي يشكل اعتداء سافرا على سيادة لبنان، وخرقا فاضحا للقرار 1701». وختم منصور بالقول: «سنتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي لإحاطته علما بهذا العدوان الجديد وتفاصيله وملابساته».

يُذكر أن منطقة حدود لبنان، وما كان يسمى بالشرط الحدودي مزروع بنحو 400 لغم أرضي زرعتها إسرائيل عندما كانت تحتلها وترفض حتى الآن تسليم لبنان خرائط مواقع هذه الألغام، على الرغم من تفاهمات كثيرة أبرمتها الأمم المتحدة معها لهذه الغاية. ولم يوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي سبب الانفجار، أو ما إذا وقع داخل الأراضي الإسرائيلية. لكنه أكد أن الجنود نقلوا إلى المستشفى. من جهته، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن الحادث في زيارة قام بها إلى جنوب إسرائيل دون الإدلاء بتفاصيل حول ذلك.

وقال إن «جنودنا يدافعون عنا وعن حدودنا، وهكذا حدث الليلة الماضية. سنواصل العمل بشكل مسؤول للدفاع عن حدود إسرائيل». وتابع في تصريحات بثتها إذاعة الجيش الإسرائيلي: «سنواصل العمل من أجل ضمان حماية دولتنا». وأشارت الإذاعة العامة الإسرائيلية إلى أن الجنود الأربعة ينتمون إلى وحدة من وحدات النخبة في الجيش، مشيرة إلى أن الجيش قام بنشر تعزيزات عسكرية على الحدود بعد الانفجار.