أردوغان يبني أكبر مسجد في إسطنبول وسط انتقادات من معارضيه بأنه «نسخة رديئة»

قال لدى اختباره قطار «مارماراي»: هذا المشروع كان يراود أجدادي العثمانيين قبل 150 عاما

TT

واحدة من أبرز المآخذ التي يتخذها العلمانيون الأتراك المعارضون لسياسات رئيس حكومتهم رجب طيب أردوغان هو حنينه للحكم العثماني، فهو «يتصرف وكأنه والٍ أو سلطان عثماني ولا ينقصه سوى أن يسكن أحد قصور السلاطين»، حسب تعليق التركي محمد مراد، وهو مخرج سينمائي للأفلام القصيرة ومعارض لسياسات رئيس الحكومة.

يضيف مراد قائلا لـ«الشرق الأوسط» التي التقته في أحد مقاهي شارع الاستقلال ليلا بعيد مشاركته في مظاهرات ميدان تقسيم القريب جدا من شارع الاستقلال: «أنا لست ضد العهد العثماني، فهذا تاريخنا، بل تاريخنا الذهبي الذي منحنا ومنح العالم حضارة ثقافية وفنية ومعمارية وعلمية غنية، لكنه أصبح تاريخا ماضيا لا يمكن أن نعيده ونحن في الألفية الثالثة»، مشيرا إلى أن «أردوغان يريد أن يلبس عصرنا الحالي بكل تطوراته حلة عثمانية، وهو يريد أن يزاوج بين الماضي والحاضر من خلال طروحاته الفكرية وعناوين المشاريع التي تنجز حاليا وفي مقدمتها جسر ياوس (السلطان سليمان) الذي سيربط بين جزأي آسيا وأوروبا عند ملتقى بحر مرمرة بالبحر الأسود ومشروع المسجد الكبير في الجانب الآسيوي».

ولا يخفي أردوغان هذا الحنين لأجداده العثمانيين والتأثر بهم، فعندما قام باختبار خط قطار مشروع «مارماراي» الذي يربط بين شطري مدينة إسطنبول الأوروبي والآسيوي من تحت مياه مضيق البوسفور، الاثنين الماضي، قال في كلمته التي ألقاها قبل قيادة القطار، إن «هذا المشروع كان يراود أجدادي العثمانيين قبل 150 عاما، وأشكر الله على أن جعل حكومتي سببا في تنفيذ هذا المشروع الذي سيخفف الضغط على شبكة المواصلات في أكثر المدن التركية اكتظاظا بالسكان».

وأكد أردوغان أن مشروع «مارماراي» لا ينحصر ضمن أسوار مدينة إسطنبول، بل هو مشروع ضمن مشروع أكبر يربط بين العاصمة الصينية بكين والعاصمة البريطانية لندن، مشيرا إلى أن «تعداد سكان إسطنبول يبلغ قرابة 15 مليون نسمة، وأن هذه الكثافة السكانية تقتضي اتخاذ المزيد من الإجراءات لإراحة المواطنين وتخفيف الأعباء من على كاهلهم».

يذكر أن حجر أساس مشروع قطار «مارماراي» وضع عام 2004، ومن المنتظر أن يفتتح بحلول الذكرى التسعين لتأسيس الجمهورية في 29 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

ووصف أردوغان فترة ولايته الثالثة كرئيس لوزراء تركيا بأنها فترة «الأستاذية» مقتبسا من المعماري العثماني الشهير سنان والوصف الذي أطلق على المرحلة الأخيرة من حياته العملية بعد التلمذة والتخرج. ويا له من تلميح ينم عن قدر كبير من التفاخر. فقد عبرت أعمال سنان في القرن السادس عشر عن الإمبراطورية العثمانية في أوج مجدها متمثلا في جامع السليمانية الذي بناه للسلطان سليمان ليصبح جزءا لا تخطؤه العين من منظر مدينة إسطنبول للناظر عن بعد.

والآن يريد أردوغان الذي يقود منذ أكثر من عشر سنوات بلدا يزهو بقوته على المستوى الإقليمي أن يترك بصمته على المدينة بأكبر مسجد يقام في تركيا وصفه هو نفسه بالمسجد العملاق الذي يمكن رؤيته من مختلف أنحاء إسطنبول كونه يقام على أعلى ربوة على الشطر الآسيوي من مضيق البوسفور ليتسع لنحو 30 ألف مصلٍ وتعلوه ست مآذن سامقة، ويرمز إلى ميل تركيا نحو الشرق في عهد أردوغان الذي شهد تراجع العلمانية وبروز البلاد كقوة في منطقة الشرق الأوسط.

لكن النخبة في إسطنبول هبت للاعتراض على بناء المسجد. ووصف البعض المسجد المقترح بأنه بشع المنظر وبه قدر كبير من التباهي ويمثل إعلانا يكاد يكون صريحا من جانب حكومة أردوغان ذات الجذور الإسلامية بالانتصار على العلمانيين وحماتهم في القوات المسلحة.

وقال إيمري كيزيلكايا المدون المعروف ومحرر الشؤون الخارجية بصحيفة «حرييت» اليومية: «على الشطر الأوروبي ترك السلطان سليمان بصمته على المدينة بجامع السليمانية الذي يمكن رؤيته من أي مكان في إسطنبول القديمة. والآن يحسب الكثيرون أن أردوغان يريد أن يترك بصمته على الشطر الآسيوي».

وتم اختيار التصميم الفائز في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) بعد مسابقة نظمت على عجل واقتصر الاشتراك فيها على المعماريين الأتراك وفاز بالمشروع معماريتان ترتديان الحجاب. ويشبه التصميم إلى درجة مذهلة جامع السلطان أحمد الشهير في إسطنبول الذي بناه قبل 400 عام أحد تلاميذ سنان وأصبح يعرف باسم الجامع الأزرق.

ووصف أحد المفكرين المحافظين المسجد بأنه «نسخة رديئة» وكتب إلى أردوغان يناشده ألا يحرج الأجيال المقبلة بهذا العمل ذي المنظر البشع.

وقال أوجوز أوزتوزجو رئيس جمعية المعماريين المستقلين في إسطنبول: «الأتراك عندهم مثل يقول (لا تكتشف أميركا مرة أخرى. ولا تحاول أن تبني دار أوبرا سيدني مرة أخرى». بل إن حتى وزير الثقافة أرطغرل جوناي غير مقتنع بالمسجد. ففي خروج نادر الحدوث على الحكومة قال جوناي: «لا يعد نجاحا في عالم اليوم أن تبني هياكل عملاقة». وأضاف: «كان ذلك نجاحا في عهد سنان (المعماري الشهير في العهد العثماني)، أما الآن فالمسألة تتعلق بالقدر الذي ستستخدمه من الإسمنت». وأوضح: «يجب أن نبني شيئا أشبه بالجوهرة ليتألق بجماله لا بحجمه العملاق»، حسبما نقلت «رويترز».

وسيقام المسجد على ربوة جمليجة التي كانت أيام العثمانيين أرضا للصيد للميسورين وأصبحت الآن موقعا يحتسي فيه العشاق الشاي بين شجيرات الورد ويلتقطون الصور بهواتفهم الجوالة للمدينة التي يبلغ عدد مساجدها أكثر من 3113 مسجدا ترتفع أغلب منائرها في شطرها الأوروبي.

أما أنصار المشروع فيقولون إنهم يريدون منظرا مشابها لأفق المدينة على الجانب الآسيوي لتختفي الهوائيات التي تنتشر الآن على الربوة. وقال أرغين كولنوك رئيس الجمعية الإسلامية المشرفة على المشروع، إن الجانب الآسيوي لا يوجد به مسجد كبير يلبي حاجة المصلين، منوها بأن هذا المسجد «ضرورة»، ورفض عاصفة الانتقادات التي وجهت إلى التصميم.

ومن الناحية الرسمية فإن الحكومة ليست وراء المشروع، لكنها تبرعت بالأرض والتأييد الشخصي من جانب أردوغان. أما التكلفة التي تقدر بأكثر من 100 مليون ليرة، أي ما يعادل 43 مليون يورو، فسيتم تدبيرها من خلال التبرعات، وهو باب تقول المعارضة إنه يفتح الطريق أمام رجال الأعمال لطلب الحظوة لدى الحكومة.