لندن ومدريد في مواجهة على صخرة جبل طارق

بسبب الخلافات على شعاب مرجانية صناعية وإصرار إسبانيا على فرض رسوم 50 يورو لعبور الحدود

TT

الوصول إلى جبل طارق أصبح صعبا منذ نهاية الأسبوع الماضي بعد قرار السلطات الإسبانية مضاعفة الرقابة في نقاط التفتيش الحدودية بحجة التضييق على نشاط التهريب. مدريد تنوي فرض رسم على الراغبين في العبور إلى جبل طارق، مما يتسبب في توتر جديد في العلاقات البريطانية الإسبانية بشأن هذه الصخرة الخاضعة للندن التي تطالب مدريد باسترجاعها. مجهودات تُبذَل من طرف البلدين من أجل تهدئة الوضع وتفادي الأزمة. سكان المنطقة يشككون في إمكانية التوصل إلى حل على غرار هذه المرأة العاملة في جبل طارق التي تقول: «الذي يعمل في جبل طارق يطالب بحل. لا أدري، سنرى. عليهم أن يحلوا هذه المشكلة. نحن الطبقة العاملة لا ذنب لنا فيما يحدث هنا. الذنب ذنب السياسيين». وزادت حدة التوتر بين إسبانيا وبريطانيا بسبب الخلافات على شعاب مرجانية صناعية في جبل طارق مع إعلان مدريد عن بقاء خططها الخاصة بفرض رسوم لعبور الحدود لدخول الجيب البريطاني. من جهة أخرى، فإنه من المقرر أن تبحر سفن حربية بريطانية إلى جبل طارق لبدء ما تصفه مدريد ولندن بتدريبات عسكرية روتينية. ولطالما تسببت الشعاب المرجانية التي تبلغ مساحتها 8.‏6 كيلومتر مربع في أقصى جنوب الطرف الإسباني في توتر العلاقات بين لندن ومدريد التي تزعم سيادتها على الجيب البريطاني، والذي ظل تحت الحكم البريطاني طوال ثلاثة قرون. وتسببت إسبانيا مؤخرا في إغضاب جبل طارق من خلال وضع مبلغ 50 يورو (65 دولارا) كرسم عبور إلى جبل طارق والذي يعتبر ردا على قيام سلطات جبل طارق بوضع عشرات من الكتل الخرسانية في البحر لتكوين شعاب مرجانية اصطناعية. وتقول سلطات جبل طارق إن الشعاب تحمي التنوع الحيوي بينما تقول إسبانيا إنها تعرقل عمليات الصيد. وشددت إسبانيا الإجراءات الرقابية على السيارات مما دفع جبل طارق إلى الشكوى من الطوابير الطويلة للمفوضية الأوروبية. وأطلقت الدولتان أول من أمس محادثات لتسوية النزاع، رغم مواصلة إسبانيا الإصرار على قانونية إجراءات الرقابة الحدودية التي تريد بريطانيا خفضها، ولكنها لم تشهد تقدما ملحوظا. وقال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل جارسيا - مارجايو أمس إن الحكومة لا تزال تنظر في وضع رسوم حدودية لدخول جبل طارق. وأضاف جارسيا خلال حديثة لجريدة «إيه بي سي» اليومية أن بلاده لن تضع رسوما على الناس الذين يعبرون الحدود بهدف العمل ولكنها ستفعل هذا بهدف تخفيف التكدس على الحدود. وأشارت صحيفة «ديلي تلجراف» البريطانية في وقت سابق إلى أن قوة للرد السريع تتكون من سفن حربية بقيادة حاملة الطائرات الخفيفة «إتش.إم.إس الستريوس»، ستبحر في اتجاه البحر المتوسط يوم الاثنين المقبل حيث سيتم نشرها هناك لمدة أربعة أشهر. وبعض من هذه السفن، ومنها فرقاطة، ستتوقف عند جبل طارق. وأضافت أنه تم الإعلان عن الزيارة بعد يومين فقط من مطالبة رئيس مجلس وزراء جبل طارق فابيان بيكاردو أن يتم إرسال سفن حربية لوقف عمليات التوغل الإسباني إلى المياه الإقليمية البريطانية. ووصفت الحكومة الإسبانية التدريبات بأنها روتينية وقالت إنها أعطت الأذن للسفن التي تمر عبر جبل طارق إبان ترسو في القاعدة البحرية في روتا جنوب إسبانيا.

وقال قادة البحرية البريطانية أيضا إن هذه الخطوة جزء من تدريب مقرر منذ فترة طويلة، وليس ردا على الخلاف الدبلوماسي.

من جهة أخرى، قال مسؤولون إسبان إن عضوا بريطانيا في البرلمان الأوروبي قام بتصوير الشرطة الإسبانية برفقة شرطة جبل طارق وهي تسيطر على مركبات على الحدود.

وأفادت المصادر أن إسبانيا اتخذت إجراءات لوقف مثل هذه الأنشطة.

ويقع جبل طارق الذي يُعد بوابة على البحر الأبيض المتوسط في أقصى جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية.

وبعد سقوط غرناطة آخر ممالك المسلمين في المنطقة عام 1492، أصبح جبل طارق خاضعا للسلطات الإسبانية إلى غاية استيلاء القوات البريطانية الهولندية المشتركة عليه عام 1704. سيادة لندن على هذه البقعة أكدتها معاهدة يوتْرِيكْت عام 1713.

مدريد تطالب منذ عقود باستعادة الجبل وبلغ الأمر بديكتاتور إسبانيا الجنرال فرانكو أن أمر بإغلاق الحدود مع هذا الإقليم منذ سبعينات القرن الماضي إلى عام 1985. مدريد تقول إن الجبل أُخِذ منها بالقوة. خوسي ماريا ريداو كاتب ودبلوماسي إسباني سابق يقول: «السبب الأساسي الذي جعل جبل طارق أرضا بريطانية يعود إلى كونه تعرَّض لغزو عسكري. لذا، تعتقد مدريد أن الغزو لا يمنح الحق لبريطانيا في السيادة عليها».

التخلي عن جبل طارق غير وارد البتة بالنسبة إلى لندن التي تعتمد في حججها على نتيجة استفتاء السكان الثلاثين ألفا في هذا الإقليم عام 2002 حول رغبتهم في تقاسم السيادة حول هذه البقعة مع إسبانيا. وكان الرد بالرفض بنسبة 98 في المائة.

نتيجة الاستفتاء لم تمنع مدريد من الاستمرار في مطالبتها باستعادة جبل طارق.

ومن الواضح أن إسبانيا وبريطانيا تسعيان لتفادي المواجهة المفتوحة مثلما تدل على ذلك جهود البحث عن التوافق. ففي عام 2006، تم إنشاء منتدى حوار ثلاثي حول جبل طارق. وفي عام 2009، لأول مرة يزور وزير خارجية إسباني جبل طارق منذ عام 1713م للمشاركة في محادثات من أجل تعزيز التعاون بين مختلف مؤسسات الأطراف الثلاثة. اليمين الحاكم في إسبانيا منذ عام 2011، يُظهر بعض الصرامة في تعاطيه مع ملف جبل طارق بالتزامن مع دفاعه المتواصل عن مصالح الصيادين الإسبان. وقد تحوَّلت مسألة الحقوق المرتبطة بالصيد البحري إلى نقطة خلاف كبير إضافية بين مدريد وجبل طارق. وقبل بضعة أسابيع أقامت سلطات الجبل حاجزا من صخور الإسمنت المسلَّح في عرض البحر قبالة ساحل هذا الإقليم لمنع تسلل قوارب الصيادين الإسبان إلى المنطقة بمبرِّر رسمي هو حماية البيئة. الصيادون الإسبان رأوا في هذا المسعى منعا لهم من الوصول إلى أماكن الصيد التي يريدونها. وتلا ذلك تشديد مدريد الرقابة على مراكز المراقبة الحدودية. كل ذلك يزيد في تغذية التوتر بين إسبانيا وسلطات جبل طارق في الآونة الأخيرة ويجعل صخرة القائد المسلم ابن زياد مجددا في قلب صدارة الأحداث بعد هدوء يدوم منذ قرون.