مصالح تركيا في لبنان تجسدها اتفاقيات اقتصادية وسياحية.. ومساهمة في «اليونيفيل»

إسطنبول وجهة سياحية أساسية للبنانيين.. وملف مخطوفي أعزاز هدد مصالح أنقرة

TT

أبدى مسؤولون لبنانيون في الأيام الأخيرة تخوفهم من أن تنعكس حادثة خطف طيارين تركيين من قبل مسلحين مجهولين، بعد دقائق على خروجهم من حرم مطار بيروت الدولي، بشكل سلبي على العلاقة الثنائية، خصوصا أن مصالح اقتصادية وتجارية وسياحية تربط بين البلدين.

ورغم أن أسهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد ارتفعت في لبنان بعد مواقفه المنتقدة للحصار الإسرائيلي على غزة في مؤتمر دافوس عام 2009، وانسحابه منه منفعلا، واستقباله استقبال الأبطال خلال زيارته عام 2010 إلى لبنان، فان استمرار اختطاف تسعة لبنانيين في مدينة أعزاز السورية، ونظر أهالي المخطوفين إلى تركيا بوصفها «الحاضنة» للمجموعة الخاطفة، خصوصا بعد فشل مبادرة في الربع ساعة الأخيرة قادتها للإفراج عنهم نهاية شهر مايو (أيار) 2012، رفع من حدة الخطاب الشعبي المناهض لتركيا في لبنان.

ولم تتردد عائلات المخطوفين اللبنانيين من التحرك أمام المصالح التركية في لبنان. فقد اعتصم أهالي المخطوفين وأقاربهم أمام السفارة التركية وأمام مقر الكتيبة التركية التابعة لقوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان (اليونيفيل)، كما نفذوا سلسلة تحركات أمام مكاتب خطوط الطيران التركية في لبنان وأطلقوا في أبريل (نيسان) الماضي في الضاحية الجنوبية لبيروت، حملة لمقاطعة البضائع والمنتجات والألبسة وصولا إلى المسلسلات التركية التي غزت الشاشات اللبنانية في السنوات الأخيرة. وكانت العلاقات التركية اللبنانية، التي تعود في شقها الاقتصادي إلى عام 1947، تاريخ توقيع اتفاقية للنقل الجوي، قد شهدت حقبة جديدة مطلع عام 2010، إثر زيارة رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك سعد الحريري لتركيا، تخللها لقاء الرئيس التركي عبد الله غل وأردوغان، ونجم عنها توقيع مجموعة من الاتفاقيات الثنائية في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية والأمنية والطاقة. وكان أبرز تلك الاتفاقات إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين، بحيث بات بإمكان الأتراك من سياح ومستثمرين ورجال أعمال الدخول إلى لبنان وكذلك اللبنانيين إلى تركيا من دون الحاجة للحصول على تأشيرة مسبقة. في أواخر العام ذاته، وتحديدا في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، زار أردوغان لبنان، ووقع والحريري اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، ومن أبرز بنودها إعفاء السلع الواردة من كلا البلدين من الرسوم الجمركية، على أن تطبق على مراحل، بعد تصديقها من قبل البرلمانين اللبناني والتركي.

وساهم إلغاء التأشيرات في تنشيط الحركة السياحية بين البلدين وتحديدا من لبنان إلى تركيا، إذ باتت الأخيرة، وخاصة إسطنبول، تعتبر من أهم الوجهات السياحية للبنانيين في السنتين الأخيرتين، على الرغم من أنها لا تعد ذات أهمية بالنسبة لتركيا نظرا لحجم السياح الهائل الذي تستقبله سنويا من أنحاء العالم. وبحسب بيانات وزارة السياحة في لبنان للعام الماضي ، فقد زار 150 ألف لبناني تركيا، مقابل مجيء 10 آلاف سائح تركي إلى لبنان. وفي موازاة اعتبار وزير السياحة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال فادي عبود قبل يومين أن خطف الطيارين التركيين هو بمثابة «المسمار الأخير في نعش الموسم السياحي» في لبنان، المتردي أصلا بفعل أزمة سوريا وحالة انعدام الاستقرار المحلية، فإن حادثة الخطف لم تؤثر على حركة الطيران التركي من وإلى بيروت. إذ تقلع يوميا من بيروت ثلاث رحلات تابعة لخطوط الطيران التركية إلى إسطنبول وبالعكس، ونحو خمس رحلات أسبوعية إلى مناطق سياحية في تركيا، إضافة إلى رحلات تابعة لخطوط طيران الشرق الأوسط اللبنانية وشركة «بيغاسوس» التركية. اقتصاديا، وبحسب بيانات الجمارك اللبنانية التي ترصد حجم التداول التجاري بين لبنان والعالم، وصل حجم الواردات التركية للسوق اللبنانية عام 2012 إلى أكثر من 738 مليون دولار، في حين بلغ حجم الصادرات اللبنانية إلى تركيا نحو 119 مليون دولار. واحتلت تركيا العام الماضي المرتبة السادسة في قائمة الدول التي يصدّر إليها لبنان ويستورد منها على حدّ سواء. وبلغ مجموع حجم التجارة بين لبنان وتركيا خلال عام 2011 نحو 1,116 مليار دولار أي بارتفاع نسبته 22,1% عن عام 2010، وفق إحصاءات نشرتها وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية، والتي افتتحت بداية العام الحالي مكتبا تمثيليا لها في وسط بيروت.

من جهة أخرى، تساهم تركيا منذ عام 2006 في قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان، من خلال 338 عنصرا. وتعتزم تركيا وفق ما أعلنته قيادة «اليونيفيل» سحب سرية الهندسة والبناء المتمركزة في بلدة الشعيتية في قضاء صور مطلع شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، لتبقي على تمثيلها من خلال قارب دورية سريع و58 جنديا بحريا. ونفى الناطق باسم «اليونيفيل»، أندريا تننتني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس أن يكون للقرار أي خلفية سياسية، واضعا إياه في إطار التغييرات «الروتينية».

من جهة أخرى، تتعاقد وزارة الطاقة اللبنانية مع شركة «كاردينيز» التركية من أجل توليد الطاقة، تزامنا مع إعادة تأهيل معملي إنتاج لبنانيين. ووصلت الباخرة التركية الأولى وتحمل اسم «فاطمة غل سلطان» إلى لبنان قبل أشهر، فيما لم تصل الباخرة الثانية بعد، وفق بنود العقد الثنائي، بسبب خلل في تنفيذ بنود الاتفاق الخاص بتشغيل الباخرة الأولى. تجدر الإشارة إلى أن أردوغان، وخلال زيارته إلى بيروت افتتح الكثير من المدارس والمشاريع الممولة تركيا وتحديدا في عكار، شمال لبنان.