مسيحيو مصر يشكون «غياب الدولة» مع تزايد الأزمات الطائفية بعد 30 يونيو

البابا ناشد المواطنين ضبط النفس.. والحكومة: سنتصدى بحزم لنشر الفتنة

TT

خرج البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، عن صمته مناشدا كل مصري «تحكيم العقل وضبط النفس ومنع أي عنف أو اعتداء أو تهور ضد إنسان، أو ضد مكان». وتأتي تصريحات البابا تواضروس بعد أن تزايدت التوترات الطائفية في صعيد البلاد؛ التي تعاني من أزمة سياسية عميقة على خلفية عزل أول رئيس إسلامي منتخب.. لكن الحكومة المصرية توعدت أمس بالتصدي بحزم لمحاولات «نشر الفتنة».

ويشكو المسيحيون في مصر بشكل عام مما يعتبرونه «غيابا للدولة» عن ملف الأحداث الطائفية، لكن مشاركة البابا تواضروس في اجتماع قادة الجيش مع رموز دينية وسياسية، والذي أعقبه قرار عزل مرسي، أضفى بعدا جديدا لأزمة ممتدة منذ عقود.

وقال البابا تواضروس في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «أناشد الجميع وبكل محبة، الحفاظ على الدم المصري».

ويسود الود العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في مصر بصفة عامة، لكن تطرأ بين الحين والآخر بعض الخلافات والنزاعات لعدة أسباب؛ أبرزها نزاع على ملكية أراض أو بناء وتوسعة كنائس، أو علاقات زواج بين الطرفين.

وخلال الأيام الماضية تفجرت أحداث عنف طائفي في كل من محافظتي المنيا وبني سويف (جنوب القاهرة) خلفت عشرات الجرحى، وأحرق خلالها منازل ومتاجر لمسيحيين، كما اعتدي على كنائسهم.

وتبدأ الاشتباكات لأسباب تبدو واهية، لكن سرعان ما تتحول لأزمة طائفية. ففي قرية الديابية بمحافظة بني سويف (جنوب القاهرة) تفجرت الاشتباكات قبل يومين، عقب قيام مسيحي بإقامة «مطب صناعي» أمام منزله، مما آثار اعتراض جيرانه من المسلمين، وسرعان ما تحولت الاعتراضات لاشتباكات ذات بعد طائفي.

وأسفرت الاشتباكات التي استخدمت فيها الزجاجات الحارقة في بني سويف عن جرح 30 شخصا واحتراق ستة منازل وجمعية قبطية تستخدم كنيسة للصلاة، ومتجر وطاحونة غلال يملكها مسيحيون.

وقبل نحو أسبوع اندلعت اشتباكات طائفية في قرية بني أحمد الشرقية في محافظة المنيا على مدار ثلاثة أيام على خلفية شجار بين شخصين أحدهما مسلم والآخر مسيحي، بسبب أغنية تشيد بالجيش وقائده العام عبد الفتاح السيسي.

ودانت الحكومة المصرية الأحداث التي اندلعت في محافظة بني سويف. وقال شريف شوقي المستشار الإعلامي لمجلس الوزراء في تصريحات صحافية له أمس إن «الحكومة ستتصدى بكل حسم وحزم لكل محاولات بث الفرقة ونشر الفتنة».

وأضاف أن المجلس ناشد المواطنين بمزيد من الحرص على دعائم الوحدة الوطنية، وطالب المواطنين بأن «يكونوا على وعي بالمحاولات التي يبذلها البعض لتشتيت الصف الوطني في هذه المرحلة الهامة والحرجة التي تتطلب من الجميع ضبط النفس».

ورغم التصريحات الحكومية، لا تبدو الدولة حاضرة في معالجة الأزمات الطائفية التي غالبا ما تنتهي بمصالحات عرفية. وقال الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا عقب جلسة صلح حضرها كبار العائلات والآباء الكهنة ومؤيدين للرئيس المعزول مرسي، على خلفية أحداث العنف التي وقعت بقرية بني أحمد الشرقية أنه تم الصلح دون ضمانات ودون تعويض للأقباط. وقال الأنبا مكاريوس في تصريحات صحافية أمس إنه «لاحظ استياء البعض على شبكات التواصل الاجتماعي من هذا الصلح، الذي تم دون ضمانات ودون تعويض للأقباط».

وأشار إلى أن الحكومة لم تشر إلى تعويضات الأقباط عن خسائرهم في هذه الأحداث، لافتا إلى أن التركيز الأساسي كان على محاولات تجاوز الأزمة واتخاذ الاحتياطات اللازمة لعدم تكرارها مرة أخرى، معربا عن اعتقاده بأن الأوضاع في البلاد قابلة للاشتعال في أي مكان على خلفية الاحتقان في الشارع بسبب الأزمة السياسية.

وكان الفريق أول السيسي قد دعا في كلمة الشهر الماضي، المصريين بالعودة إلى الميادين لتفويض الجيش في التصدي إلى ما وصفه بـ«الإرهاب والعنف المحتمل» من قبل المؤيدين لمرسي، ودعا نشطاء أقباط حينها إلى صيام المسيحيين مشاركة للمسلمين في رمضان، وهي الدعوة التي وجدت استجابة واسعة بين الأقباط، كما دقت أجراس الكنائس بالتزامن مع أذان المغرب.

ومنذ المظاهرات الحاشدة التي خرجت في 30 يونيو (حزيران) للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، رصدت منظمات حقوقية تنامي أحداث طائفية في صعيد البلاد. وحمل بيان أصدرته أمس 17 منظمة حقوقية مسيحية السلطات المصرية مسؤولية استهداف المسيحيين خلال الفترة الأخيرة.

وقال البيان، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إنه منذ 30 يونيو تم رصد: «مقتل قس بشمال سيناء، وثمانية أقباط بالأقصر (جنوب القاهرة)، والاعتداء على الأقباط بالمنيا وهدم منازلهم، ورفع علم تنظيم القاعدة على كنيسة (مار جرجس) بسوهاج، والاعتداء على مسيحيين ببني سويف وحرق كنيسة وهدم منازل الأقباط، وضع ملصقات وكتابة شعارات على الجدران والكنائس تتهم البابا تواضروس الثاني بالتواطؤ والخيانة».

واستنكرت قوى سياسية مدنية الأحداث الطائفية الأخيرة، وحملت مسؤولية استمرارها وتفاقمها لسلطات البلاد المؤقتة وجماعة الإخوان المسلمين. وأبدى الحزب «الاشتراكي المصري» أمس انزعاجه وإدانته لما وصفه بـ«التجاهل والتراخي الكبيرين في تعامل السلطات مع العمليات الإجرامية الرامية إلى ترويع أقباط مصر».

قال الحزب، في بيان له أمس إنه «إذا كان من حق السلطة أن تحدد الطرق والتوقيتات التي تراها في التعامل الأمني مع الإرهاب في سيناء، وإلى حد ما مع جرائم جماعة الإخوان وحلفائهم في الشارع المصري، فإن ممارسة الكراهية والقتل والإرهاب بحق المواطنين الأقباط مسألة لا يمكن السكوت عليها».

وطالب الحزب السلطات بالتحرك العاجل لاعتقال المحرضين على الفتن وعدم الاكتفاء بجلسات الصلح الشكلية، وعقد محاكمات عاجلة وعادلة لكل المتورطين في الشحن والاقتتال الطائفي.

وتنفي جماعة الإخوان المسلمين الاتهامات التي توجه لها بتغذية العنف الطائفي، وتبرز الجماعة - التي تعتصم منذ نحو شهر ونصف الشهر في ميداني رابعة العدوية (شرق القاهرة)، ونهضة مصر بمحافظة الجيزة المتاخمة للعاصمة - حضور نشطاء مسيحيين في اعتصامها ممن يرفضون ما يصفونه بـ«الانقلاب العسكري».