تبادل الحصارات يخلق «جزرا عسكرية» في الميدان السوري

أكبرها مطار «كويرس» في حلب وأصغرها أحياء في دمشق

مقاتل من «الجيش الحر» يطلق الرصاص نحو مواقع للجيش النظامي في أحد أحياء حلب أمس (رويترز)
TT

أعاد إسقاط مطار منّغ العسكري في ريف حلب إلقاء الضوء على عدد من المواقع العسكرية والمطارات التي يفرض عليها الجيش السوري الحر حصارا محكما بالنسبة لبعضها وشبه مكتمل لبعضها الآخر خصوصا في حلب وريف، بالإضافة إلى دير الزور وريف إدلب. وفي المقابل، تفرض القوات النظامية حصارا على مواقع «الحر» في دمشق، وتحديدا الغوطة الشرقية، ولا يعدو حصار «الحر» لبعض المواقع في العاصمة سوى كونه حصارا يفرضه المُحَاصَرون أصلا على بعض المواقع النظامية داخل مناطق الحر المحاصرة.

ويبتكر النظام أساليب عديدة لإبقاء مواقعه المحاصرة حصينة أما هجمات المعارضين، من أرتال برية لا ينفك يرسلها إلى بعض هذه المواقع، إلى الإمدادات الجوية عبر الطائرات وهي الأنجع، علما بأن الطائرات تضطر أحيانا إلى رمي الحمولات دون القدرة على الهبوط خوفا من إسقاطها خصوصا في دير الزور، ومعتمدا في الوقت نفسه على ترسانات أسلحة ودبابات وراجمات صواريخ موجودة في هذه المواقع.

وفي حين كشف قائد أحد ألوية «الحر» في دمشق لـ«الشرق الأوسط» أن منظومات رادار تعمل بالبث المباشر عبر الأقمار الصناعية بالإضافة إلى مناظير ليلة متطورة تسلمها النظام من روسيا قبل أشهر قليلة، تساعده على الدفاع عن مواقعه المحاصرة، فإن ضابطا ميدانيا مخضرما في الأركان، يقول إن نظرة عامة تثبت أن النظام وزع مواقعه العسكرية وحصنها بطريقة «تمكنه من صد تمرد داخلي لا غزو خارجي»، خصوصا بعد أحداث 1980 بين، الرئيس حينها، حافظ الأسد وأخيه قائد سرايا الدفاع رفعت الأسد. ولفت الضابط في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «يلاحظ أن النظام يتعامل مع مواقعه العسكرية بطريقة تجعل كل منها يملك ذخيرة تكفيه لسنوات حصار، وهذه ذهنية لم تستجد مع الأزمة؛ بل جاءت نتيجة خطط ودراسات سابقة». وأوضح أن «خارطة توزع مواقع وتحصينات النظام، وأي قراءة لمواقع انتشار مواقعه العسكرية وتحصينها تخدم استراتيجية قمع كل تمرد داخلي وليس الخارجي، والدليل سقوط معظم معابر النظام ومواقعه الحدودية بسهولة مقابل تحصيناته في الداخل».

يقول النقيب المنشق حسام أبو محمد في غرفة عمليات حلب التابعة لأركان الجيش الحر إن «أسبابا عديدة تقف وراء عدم سقوط العديد من المواقع العسكرية النظامية رغم حصارها لأشهر، منها مثلا تحصنها بالدبابات وغياب السلاح النوعي لدى الحر»، موضحا أنه «رغم استمرار النظام في تأمين ذخائر ومؤمن لمواقعه المحاصرة، فإن ذلك ليس العامل الحاسم في عدم سقوطها؛ بل هو في تفوق السلاح وغياب النوعي عند الحر».

* حلب يحكم مقاتلو المعارضة حصارهم على سجن حلب المركزي الذي تتخذه القوات النظامية مركزا لها، وتحتجز فيه ما يقارب 4500 سجين يعيشون ظروفا إنسانية وصحية صعبة. ويؤكد أحد المصادر أن «المقاتلين الذين يحاصرون السجن عرضوا أكثر من مرة على الضباط والعناصر النظاميين المتحصنين في داخله الخروج الآمن مقابل إخلاء سبيل السجناء وتسليم السجن، لكنهم لم يوافقوا». ولفت إلى أن «المعارضة تسمح للهلال الأحمر السوري بإدخال مساعدات غذائية (غير قابلة للتخزين) إلى المحاصرين بشكل دائم».

ويعدد النقيب حسام أبو محمد، في اتصال مع «الشرق الأوسط» المواقع التي يحاصرها «الحر» في حلب، مقدما شرحا لأهمية كل منها وواقعه الحالي:

1- مطار كويرس: وهو موقع عسكري يضم المطار والكلية الجوية، ويتمركز فيه 1500 عنصر من القوات النظامية؛ منهم 900 طلاب ضباط بالإضافة إلى وحدة دفاع جوي. المطار محاصر بالكامل والطرق البرية إليه مقطوعة تماما ولا يصل إليه الإمداد إلا عن طريق الجو فقط. وذلك عبر رمي الإمداد لصعوبة هبوط الطائرات فيه بسبب الحصار والمعارك. المطار محاصر من قبل «الحر» منذ أكثر من 4 أشهر، وهو من أكبر مطارات النظام بكل سوريا مع مساحة تتعدى 15 كيلومترا مربعا. الإمدادات إلى كويرس تصل أيضا عبر طريق ترابية زراعية من جهة خناصر، وهي امتداد لحلب المدينة، تصل منها الإمدادات الثقيلة، ومساحة المطار الكبيرة جدا تجعل من الصعب فرض حصار تام عليه.

2- مطار النيرب: يضم المطار المدني المعروف باسم مطار حلب الدولي، والمصنع «419» الذي تصنع فيه قطع الطائرات الحربية والذي تحول بشقيه العسكري والمدني إلى قطعة عسكرية كاملة. الطريق بين النيرب ومدينة حلب مقطوع تماما، لكن يصل إليه الإمداد بالبر بشكل يومي عن طريق إمداد وحيد يأتي من طرف معامل الدفاع من الطرف الشرقي.

3- كتلة المدفعية: وتضم: كلية المدفعية، وكلية التسليح، والمدرسة الفنية الجوية. ينتشر فيها 2000 عنصر من مختلف الرتب. طرق الإمداد إليها يمر من معامل الدفاع ومن الطرف الذي لا يزال بيد النظام في مدينة حلب.

4- أكاديمية الأسد للهندسة العسكرية: بدأ حصارها حديثا، لكن بشكل غير كامل. وتضم 2000 عنصر من مختلف الرتب؛ وغالبيتهم طلاب ضباط. تضم أيضا معظم الأجهزة الأمنية وغرف عمليات النظام. تعتبر العقل المدبر لعمليات النظام، وتحصينها قوي جدا.

5- المخابرات الجوية ومعها كتيبة مدفعية الزهراء: غير محاصرة بالكامل، وهي محصنة بشكل جيد ومعظم عناصرها شبيحة.

6- قريتا نبل والزهراء: فيهما شبيحة فقط لا يتجاوز عددهم 1500 لكن معهم سلاح ودبابات بالإضافة لتعاملهم مع عناصر «بي كي كي» (حزب العمال الكردستاني).

ويقول الناشط الإعلامي أسد الله الحلبي لـ«الشرق الأوسط» إن النظام يمد القريتين بالدعم عن طريق المروحيات التي تهبط حاملة ذخائر وطعاما لأن الحر يقطع كل شيء برا، مضيفا أن «الكتائب المحاصرة هي كتائب إسلامية ولواء التوحيد وبعض الفصائل الأخرى».

* إدلب أما في إدلب، فيشرح النقيب المنشق وضع المنطقة، كالآتي:

1- مطار أبو ضهور: عدد العناصر فيه نحو 1000، ويضم عناصر من الحرس الجمهوري وآليات ثقيلة. كل الطرق إليه مقطوعة، ويأتيه الإمداد بالجو حصرا.

2- معسكر وادي الضيف: شبه محاصر من كل الأطراف عدا الطريق إلى خان شيخون. حالته مزرية جدا وكاد يسقط بسبب الحصار الطويل المستمر منذ أواخر العام 2012، لكن النظام استبدل قيادته مما أدى إلى رفع المعنويات. وكانت الأخبار تحدثت عن التقاط اتصال من قائد المعسكر بقيادته يهدد فيه بالاستسلام إذا لم يجرِ قصف مركز للثوار الذين يحاصرونه.

3- معسكر الحامدية: شبه محاصر، والطريق الوحيد المفتوح إليه هو من جهة وادي الضيف.

* دير الزور لفت الناطق الرسمي باسم الجبهة الشرقية التابعة لأركان الجيش الحر، عمر أبو ليلى، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إلى أن «مقرات النظام الأساسية التي تدور حولها المعارك ومعظمها محاصر في المحافظات الثائرة، تقع في أماكن استراتيجية اختارها النظام لحماية نفسه لمدى بعيد في المعركة الدائرة ولأطول فترة ممكنة».

وأوضح أبو ليلى أنه «في دير الزور وبعد تحرير الريف بشكل كامل، قام النظام بحشد كل قواه في نقاط أساسية؛ وهي: المطار العسكري، ومركز الطلائع، واللواء 137، وهي جميعا تقع على أطراف المحافظة»، مشيرا إلى أن تمركز هذه المراكز «يسمح للنظام بأن يسيطر بشكل محكم على المنافذ الأساسية للمحافظة». وأكد أن «هذه الاستراتيجية كان لها منظور بعيد من قبل قوات الأسد، لكن اليوم هذه القوات أصبحت منهكة بالكامل وأوشكت على السقوط، لأن رهان الجيش الأساسي كان على أن الجيش الحر لا يستطيع الصمود طويلا في حصار هذه المقرات، خصوصا أن بعض هذه المقرات مر على حصاره أكثر من 7 أشهر، ولعل أبرز مثال المطار العسكري».وتطرق أبو ليلى إلى الإمدادات، فأوضح أنه «عندما توسع الجيش الحر في عمله العسكري ونقل المعركة من ريف دير الزور وتحريره إلى المدينة والثكنات العسكرية التي تعتبر الأهم في المحافظة، قام في خطوة أولى بقطع كل الإمدادات العسكرية عن المحافظة ككل من خارج دير الزور إلى داخلها»، مضيفا أنه بعد ذلك «بدأ الحر ينصب الكمائن القوية والمحكمة لأي أرتال أو دعم يأتي إلى دير الزور وتمت السيطرة على كثير منها».

وأشار إلى أن «تكرار هذا الأمر دفع بالنظام إلى دعم مراكزه وتعزيزها عن طريق الجو. لكن أيضا لم تسلم هذه الإمدادات والطائرات من استهدافها، وقد تم تدمير 3 طائرات (أليوشن) في دير الزور على مدار 7 أشهر من حصار مطار دير الزور العسكري». ونقل عن منشقين من المطار العسكري والطلائع واللواء 137»، أنه «يمكن القول إن هذه الثكنات يوجد فيها سلاح وذخائر تدوم لأشهر وتكفي لتدمير المحافظة بأكملها وهدم كل حجر فيها، وحين يلجأ النظام لدعم هذه الثكنات فربما يظن وهو جازم أن المعركة مستمرة وطويلة». ولفت إلى أن «النظام حين يدعم هذه المراكز بالسلاح الثقيل كراجمات الصواريخ والدبابات وذخائرها وذخائر المدافع الثقيلة بالإضافة إلى مدافع الـ57 وذخائرها والهاونات، يقوم بذلك أولا خشية السيطرة عليها من قبل الحر؛ الذي غالبا لا يوجد لديه تكافؤ في السلاح. من جهة ثانية، لإطالة أمد المعركة وتدمير المحافظة».

وفي حين شدد أبو ليلى على أن طرق الإمداد العسكري مقطوعة تماما منذ نحو 4 أشهر، فإنه «بالنسبة للمؤن والأغذية، يتم دعم ثكنات الجيش بها من داخل مدينة دير الزور وتحديدا من الأحياء التي لا تزال تخضع لسيطرة النظام كحي الجورة والقصور، ذلك لأن هذه الثكنات مقطوع عنها الدعم من خارج المحافظة، لكنها تقع على أطراف المحافظة، والأحياء التي تخضع لقوات الأسد قريبة من هذه الثكنات، فمن البديهي أن تكون المؤن متوفرة تقريبا».

وشدد على أن «جميع عناصر القوات النظامية في دير الزور لا يتجاوزون 4 آلاف مقاتل، لكن الفارق النوعي في السلاح يميل نحوهم»، شارحا أن هذه العناصر تتوزع كالآتي: «في المطار العسكري لا يتجاوز عدد المقاتلين 700، وفي الطلائع ما يقارب 1200 مقاتل، وفي اللواء 137 ما يقارب 900، وداخل المدينة، أي في الأحياء التي تشهد اشتباكات مستمرة، ما يقارب 1000 موزعين على الأحياء التي تشهد اشتباكات ومعارك». وأوضح أن «(الطلائع) داخل المدينة وليس محاصرا، و(اللواء 137) أيضا على أطراف المدينة وليس محاصرا على الأسوار، لكنهما محاصران ضمن حصار المدينة ذاتها، لكن بمجرد سقوط المطار العسكري فإن كل المراكز الأمنية داخل المحافظة تنهار بالكامل، ومن ينسحب فسوف ينسحب إلى اللواء 137 حسب ما يردنا من جنود منشقين».

وأكد أن «الحصار فعليا هو للمطار العسكري وللقوت العسكرية داخل المحافظة التي تشتبك بشكل يومي مع قوات الحر محاولة السيطرة على أحياء تم انتزاعها منها وسيطر الحر عليها منذ فترة، ولعل أبرزها حي الصناعة والحويقة والرشدية»، مشيرا إلى أن «دير الزور بأكملها مفروض عليها طوق حصار من قبل الجيش الحر، وهذا الحصار لقوات الأسد وعزلها عن المحافظات الأخرى منذ نحو 7 أشهر حيث ضربت كل الأرتال والإمدادات البرية بالإضافة لتحييد الطيران بدير الزور بشكل شبه كامل»، لافتا إلى أن «الطريق البري الوحيد للمحافظة الذي يحاول النظام اعتماده لإرسال العتاد هو «طريق دير الزور – تدمر - دمشق»، لكنه أيضا مستهدف وتنصب عليه الكمائن، وهذه حال كل الطرق الأخرى».

* دمشق وريفها يوضح سليم، نائب قائد المجلس العسكري والثوري وقائد «لواء الشام»، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بالنسبة لدمشق وريفها، فإن النظام هو من يحاصر مواقع الجيش الحر»، مشيرا إلى أن «حصاره الخانق للغوطة الشرقية يعتبر أكبر حصار؛ حيث لا طرق إمداد لها». وشرح سليم أن «ذلك يعني أن كل المواقع للنظام التي يحاصرها الجيش الحر تعتبر حصارا داخل حصار أكبر يفرضه النظام بصعوبة».

وأضاف أن هناك حصارا شبه كامل من قبل «الحر» لـ«فوج الكيمياء» في عدرا أو «الفوج 39»، مشيرا إلى أن هذا الفوج «يعد أكبر قوة للنظام بقيت في الغوطة الشرقية». ولفت إلى أن «(لواء الإسلام) يحاصر الفوج الذي يضم نحو 1000 عنصر ويعتقد أنه فيه مخزونا للأسلحة الكيماوية بالإضافة إلى دبابات وراجمات صواريخ تدخل إليه من جهة الأوتوستراد الدولي (حمص – دمشق)، مضيفا أن «لواء الإسلام يحاول ضرب الأرتال العسكرية التي تدخله». وأشار إلى أن سبب الصمود هو «موقعه الاستراتيجي لأنه يؤمن الطريق إلى القلمون عبر الضمير، بالإضافة إلى العتاد الكبير، وعدم وجود غطاء جوي للثوار أو مضاد جوي فعلي». وكشف سليم أنه «منذ نحو 3 أشهر بدأت قوات النظام استخدام أجهزة حديثة أمدتها بها روسيا؛ ومنها أجهزة تساعده على تحديد المواقع عبر قمر صناعي يبث مباشرة وأجهزة رؤية ليلية متطورة تكشف التحركات عن بعد».

* درعا وفي درعا، التي تعد أكبر تجمع للقوات النظامية، فإن مقاتلي المعارضة يحكمون حصارهم على مقر الفرقة التاسعة، بحسب ما يشير المقدم المنشق خالد الحمود موضحا لـ«الشرق الأوسط» أن «وصول دفعات من الأسلحة للجيش الحر في درعا دفع القوات النظامية إلى الانسحاب من مواقعها والتجمع في نقاط معينة مما سهل على المعارضة محاصرتها». وأكد الحمود أن «(اللواء 112) في مدينة نوى بدرعا لا يزال تحت حصار الجيش الحر منذ أشهر، وكذلك الحال في مدينة الحراك حيث يحاصر مقاتلو الجيش الحر (اللواء 57)».

* ريف حمص الشمالي يقول وسيم سعد الدين الناطق باسم «اللواء 26»، ويضم «كتيبة أبو بكر الصديق»، و«كتيبة الصديق»، و«كتيبة القيم» و«كتيبة سيف ابن الوليد»، لـ«الشرق الأوسط»، إن الجيش الحر «يحاصر عدة مواقع في الريف الشمالي لحمص، وهي مؤسسة الكهرباء، على أبواب حمص، وقرية الخالدية جانب الدار الكبيرة، وقرية الدوير، مشيرا إلى أن «هناك حواجز للنظام محاصرة بشكل كامل». ولفت إلى أن الجيش الحر «بدأ هذا الحصار منذ أسبوعين وسيطر على 25 في المائة من الدوير نتيجة عملية مشتركة اشتركت فيها كل الفصائل بالريف الشمالي ونحن منها».

* حماه من ناحيته، يقول مدير مركز حماه الإعلامي، أبو الشهيد لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك مواقع يحاصرها (الحر) في ريف حماه؛ وهي: كتيبة بري الشرقي، وعدة مناطق وقرى موالية للنظام تتجمع فيها قواته».وأشار إلى «عودة وتيرة معارك الريف الشرقي بين قوات النظام والجيش الحر»، موضحا أن «هناك حصارا لبعض النقاط التابعة لقوات النظام، وسيطرة لـ(الحر) على عدد من القرى ضمن تعتيم إعلامي عن تلك المعارك». وشدد على أن «التعتيم الإعلامي من قبل الضباط الميدانيين يجعل كشف تفاصيل الحصار وحدة المعارك صعبا».