كيتا رئيسا جديدا لمالي.. ومنافسه سيسي يعترف بهزيمته

مراقبو الاتحاد الأوروبي يؤكدون نجاح الانتخابات من حيث المعايير الديمقراطية.. وباريس مغتبطة

سوميلا سيسي يتحدث في مؤتمر صحافي في باماكو أقر فيه بهزيمته في الانتخابات الرئاسية بمالي (رويترز)
TT

بينما أعلن في باماكو عن فوز إبراهيم أبو بكر كيتا في الانتخابات الرئاسية في مالي، اعترف منافسه سوميلا سيسي بهزيمته في الشوط الثاني من هذه الانتخابات، وزار منافسه كيتا برفقة زوجته وأطفاله، لتهنئته على الفوز في انتخابات ستنهي فترة انتقالية استمرت منذ أبريل (نيسان) 2012.

ولم تصدر الإدارة الرسمية المالية أي نتائج مؤقتة أو رسمية حتى الآن. وأشار المرشح الخاسر سيسي في تغريدة نشرها على حسابه الرسمي على موقع «تويتر»: «ذهبت أنا وأسرتي وهنأنا السيد كيتا الرئيس المقبل لمالي على فوزه. فليبارك الله مالي».

وجاء اعتراف سيسي بهزيمته مفاجئا للمراقبين حيث سبق أن أدلى بتصريحات صباح أول من أمس تشير إلى خروقات شابت الاقتراع في الشوط الثاني من الانتخابات، غير أن كيتا في تصريحات صحافية أدلى بها عقب زيارته لكيتا قال: «أعتقد أنه في الوقت الحالي يجب أن نتوقف عن التجاذبات وتبادل الاتهامات. فالمستقبل وحده ما يهمنا»، قبل أن يضيف: «أتمنى أن ينجح الرئيس كيتا في مأموريته، وأن يرفع التحديات، وأن يواجه المطالب الملحة للماليين، فالبلد يعاني الكثير من المصاعب والسنة الأخيرة كانت كارثية على الجميع، اقتصادنا انهار وضربنا في كرامتنا، إذن هنالك أعمال كبيرة تنتظرنا وأتمنى أن ينجح كيتا في تحقيقها من أجل سعادة جميع الماليين».

ونفى سيسي أن تكون هذه الانتخابات هي آخر نشاط سياسي في حياته. وأضاف متحدثا عن منافسه الفائز كيتا: «لقد احتاج إلى الترشح ثلاث مرات من أجل الوصول إلى الحكم، وأنا ترشحت مرتين فقط، أنا مناضل وسأواصل النضال حتى آخر لحظة»، وفق تعبيره.

على صعيد آخر، قال لويس ميشال رئيس بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي إنه «من حيث المعايير الديمقراطية فإن هذه الانتخابات كانت ناجحة». وأضاف: «إنها انتخابات تسمح لمالي الآن بأن تبدأ إتمام العملية التي بدأتها. العودة إلى الديمقراطية».

ولم يفاجئ فوز كيتا المراقبين الذين كانوا يعتبرونه المرشح الأوفر حظا في هذه الانتخابات، حيث حصل في الشوط الأول على نسبة 39% من أصوات الناخبين مقابل 19% فقط لصالح منافسه المباشر سيسي، ولكن كيتا حصل في الشوط الثاني على تأييد 22 مرشحا من أصل 25 شاركوا في الشوط الأول من الانتخابات.

ويتوجب على الرئيس الجديد لمالي تشكيل حكومة جديدة تبدأ التحضير للانتخابات التشريعية والبلدية التي من المقرر أن تنظم في سبتمبر (أيلول) المقبل، إضافة إلى أنه بعد شهرين سيفتح المفاوضات مع الحركات المسلحة في شمال البلاد والتي يطالب بعضها بحكم ذاتي في إقليم أزواد، وذلك حسب نص اتفاقية واغادوغو بين الحكومة الانتقالية في مالي والمتمردين الطوارق.

ويتضمن اتفاق واغادوغو ثلاث نقاط أساسية، أولها عودة الجيش والإدارة الماليين إلى مدينة كيدال معقل المتمردين الطوارق، وهو ما جرى في يونيو (حزيران) الماضي، ثم تنظيم انتخابات رئاسية على عموم التراب المالي بما في ذلك كيدال، وهو ما جرى أخيرا، إضافة إلى آخر نقطة وهي استئناف الرئيس الذي ستسفر عنه الانتخابات للمفاوضات مع الحركات المسلحة في الشمال من أجل التوصل إلى حل نهائي لقضية أزواد.

وتجدر الإشارة إلى أنه من بين مجموع الدول الأفريقية وغير الأفريقية التي تشعر بالارتياح نظرا لنجاح العملية الديمقراطية التي أفضت إلى انتخاب كيتا رئيسا جديدا لجمهورية مالي بعد 18 شهرا من المشكلات والحروب، تبدو باريس مثل «أم العروس» الفخورة بهذه التطورات التي ترى فيها نجاحا ساطعا لما قامت به في هذا البلد. وبدت غبطة فرنسا في البيان الصادر عن قصر الإليزيه وفي ما نقلته دوائر القصر عن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس فرنسوا هولاند والرئيس المنتخب.

وجاء في البيان الرئاسي أن «ما حصل في مالي منذ بدء التدخل (العسكري) الفرنسي باسم الأسرة الدولية في 11 يناير (كانون الثاني)، وحتى انتخاب الرئيس الجديد، يعد إنجازا للسلام والديمقراطية»، بيد أن البيان يحدد، بمعنى ما، «خريطة طريق» للمستقبل، إذ يدعو إلى توفير «كل الشروط الضرورية» من أجل إنجاح العملية الانتقالية والحوار والتنمية في هذا البلد الذي يعتبر من الأشد فقرا في العالم.

وللتدليل على الأهمية القصوى التي توليها فرنسا للمسار الجديد، نقلت أوساط الإليزيه أن هولاند سيحضر حفل تنصيب الرئيس الجديد الشهر المقبل، بحيث تكون زيارته الثانية إلى باماكو بعد الأولى التي حصلت بداية فبراير (شباط) الماضي، أي بعد ثلاثة أسابيع فقط على انطلاقة العملية العسكرية الفرنسية في مالي. وأكثر من ذلك، فقد أكد هولاند للرئيس الجديد أن باريس «ستبقى إلى جانب مالي»، كما أنه كال المديح لتمسك شعب مالي بالديمقراطية وللشفافية التي تميزت بها الانتخابات الرئاسية.

وذهب وزير الخارجية لوران فابيوس في الاتجاه نفسه، إذ دعا في بيان صادر عنه الرئيس الجديد «المتسلح بالشرعية الديمقراطية» وبالتعاون مع الحكومة والمجلس النيابي «المنتظرين» إلى مواجهة التحديات الكبرى ذاكرا منها النهوض بالبلاد وإطلاق أوسع حوار «وطني» والمحافظة على وحدة مالي وتوفير أسباب تنميتها.

ولم يكن واضحا أن العملية الانتخابية التي كانت فرنسا من أشد الأطراف الدافعة باتجاهها لبلورة شرعية جديدة تضع حدا للمرحلة الانتقالية التي بدأت بانقلاب عسكري ربيع العام الماضي، يمكن أن تكلل بالنجاح في بلد خرج لتوه من الحرب. ورغم آثار الحرب وتهجير عدد لا يستهان به من السكان بسبب المعارك والتأخر في إقامة لوائح الشطب والتهيئة المادية للعملية الانتخابية وبقاء التوتر قائما مع سكان الطوارق في شمال البلاد، فإن العملية تمت من غير أعمال عنف وفي ظل ظروف «معقولة». ورأى فابيوس الذي لم يفته التنويه بما قامت به فرنسا عندما أرسلت جيوشها لوقف تقدم المنظمات المرتبطة بـ«القاعدة» باتجاه الجنوب بعد أن وضعت يدها على الشمال أن مالي «انبعثت مرتين»، وهي تستطيع الاعتماد على الدعم الدولي في عملية إعادة البناء الضرورية.